أفرجت النيابة العامة خلال الأسبوعين الأخيرين عن 11 سجيناً معسراً كانوا محتجزين على ذمة حقوق خاصة، وممن امضوا فترة العقوبة في الحق العام.
وكان من بين هؤلاء المطلقين4 من أقدم نزلاء قسم التوبة هم: التهامي/ عبده شوعي مبروك النشري، الذي أمضى 17 عاماً وكان محكوماً ب7 من محكمة صنعاء الجزائية عام 91، ومحمد عبدالله السري، مشرف مدرسة « الميثاق» ومدرس اللغة الإنجليزية فيها، الذي أمضى 9سنوات إضافية على فترة الحبس العقابي التي قررتها المحكمة بعام ونصف. اضافة الى منصور الآنسي المحكوم بمثله والمحتجز عشر سنوات.
كما غادر السجن المركزي بصنعاء هذا الأسبوع جميل الأسودي، حسن الهتاري، أيمن الصائغ، سالم السعيدي، عدنان الجعفري، عبدالله الداروني، وحسن النويرة، ليرتفع عدد المفرج عنهم حتى يوم أمس الى 56 سجيناً فيهم 33 شخصاً ثبت إعسارهم بأحكام قضائية.
وأطلق البعض الآخر بموجب ضمانات وتسويات خاصة مع المدعين المدنيين، غير أن أغلبهم كان قد أمضوا فترة العقوبة التي حددتها الأحكام القضائية الصادرة بحقهم، أو ممن لم تقض بحبسهم.
وقد ثمن بيان صادر عن ملتقى 17 يوليو لأسر السجناء هذا الإجراء واعتبره منجزاً دستورياً وقال: «إن تجاوب النائب العام مثَّل اقتراباً حقيقياً نحو تفعيل وتسيير نصوص القانون فيما يتعلق بقضية سجين الذمة المالية». كما أشاد البيان الذي صدر أمس بجهود هيئة الدفاع وحملة النداء.
***
«النداء» كمزار للطلقاء
فتحي أبو النصر
تفردت النداء بانتمائها لقضايا السجناء المعسرين ويُغبط الزميل علي الضبيبي على نجاحه الفائق نباشاً لقضاياهم ومبلسماً لأوجاعهم.
اليوم.. مع تحول عديد سجناء منكوبين الى طلقاء يحق للضبيبي، وهو يذوِّقنا ثمار مثابرته الانسانية أن يزهو بمهنيته ايضاً.
لقد مر بمتاعب شتى حتى انجز مبتغاه وظل محافظاً على مبادئه أمام اغراءات داومت الاندفاع عليه من «علٍ».
بينما عانت الصحيفة من ضغوطات مختلفة لإعاقتها عن المواصلة، ولم ترضخ، محققة بذلك مايمليه عليها ميثاقها الشرفي ومحرزة على قدر وسيع من الاحترام.
اكتوبر رمضان الفائت فتحت النداء ملف المعسرين وكشفت من خلال تحقيق شامل ومعمق وجود 350 سجيناً على ذمة مال (دين) يقبعون في السجن منذ سنوات طوال وبدون صيغة قانونية.
في أعدادها التالية عرضت نماذج وحالات إنسانية لسجناء، كما زارت أسرهم، وعقب ذلك تلقت توكيلات 135 سجيناً معسراً الى المحامي نبيل المحمدي ومن تطوع معه للترافع عنهم على اثر تصريح له يقطع فيه بعدم قانونية الحبس.
داومت الصحيفة على زيارة الأسر كما عن طريق الهاتف تواصلت ببعضها الى محافظات اخرى والى الخارج أيضاً، عارضة لحالات الشتات والضياع والفقد التي لحقت بهذه الأسر جراء فقدان العائل.
في عددها المائة نشرت النداء ملفاً عن هؤلاء وعرضت أسمائهم وسنوات العقوبة وما بعدها، كاشفة عن مايقرب من 12 سجيناً من جنسيات عربية وأجنبية أغلبهم غير محكوم بالحبس.
الى هنا شكَّل المحامي نبيل المحمدي هيئة دفاع من 6 محامين تواصلوا مع مجلس القضاء وخرجوا بإتفاق يقضي بالافراج عن كل من انتهت فترة العقوبة بالحق العام وإحالة ملفاتهم الى قاضي التنفيذ المدني.
النائب العام باشر بالافراج عن هؤلاء والصحيفة لا تتوقف عن متابعتهم من مكتبه الى النيابات الى الأسر وصولاً إلى استقبالهم عند بوابة السجن.
من تاريخ 27/5/2007م حتى الآن أُفرج عن 37 سجيناً على الأقل، بموجب أحكام إعسار ومنذ الشهر والصحيفة تستقبل اعداداً من الممتنين المفرج عنهم، في حين امتد هذا الأمر الى بيت المحرر الضبيبي كذلك.
هكذاصارت «النداء» رمزاً ومزاراً للطلقاء.
بينما صار الضبيبي حائط مساندة لا يكل.
والحق ان الضبيبي انموذجاً للفعل الصحافي غير النمطي.
ويبقى الرهان على صحافة نوعية لاتحيد عن مسارها بل وتنتزع اعتراف واقع الحال مااستطاعته النداء بجدارة.
***
«17 سنة مش هي لئبة يا جماءة، ويوم امقيامة شنتحاسب يا هتار»
مبروك يا أبده شوئي مبروك!
كان أيوب طارش يغنى لعبده شوعي: «الوطن ينتظركم يا حبايب بلحضان» وهو يغادر السجن على مازدا موديل 84، ظهر الأحد الفائت.
الساعة كانت تشير إلى الثانية ظهراً، والسجناء ينقلون أدوات شوعي إلى التاكسي المنتظر عند البوابة الداخلية للسجن.
بدا شوعي مرتبكاً حين باغته أمر الإفراج وكان يحاول الإسراع في نقل وتجميع أدوات مطبخه إلى التاكسي، لكن مئات السجناء المتزاحمين حواليه، والذين غمروه بالقبلات والتصفيق والهتاف أخرّوه بعض الوقت «يابني ايش اسوي تجمؤوا أليا مثل امجراد: الأسكر وامسجناء. وامدير يتصل لهم يا الله خرجوا شُوئي بسرءة. وقسماً ودين ما خرجت إلا بالقوة». أقسم شوعي لعوض الجند الذي عاتبه: «اخَّرتنا ياعم عبده» وكان ينتظر معنا عند البوابة الخارجية.
لقد خرج عميد قسم التوبة واقدم سجناء الحقوق الخاصة، وفيه حنين على العنبر رقم واحد الذي لازمه 17 عاماً، وأبو بكر البيضاني الصديق الحميم لشوعي منذ عشر سنوات «.. ما كان يفرِّق بيننا إلا امنوم. هو في امأمبر (العنبر) رقم أربعة وأنا في امأمبر رقم واحد».
لا بد أن الرجل تذكر أغنية أيوب طارش هذه، وهي تستقبل مئات الألوف من اليمنيين المزفرين من السعودية عام 90/91 (أزمة الخليج) وكان شوعي أحدهم حينها «خرَّجونا من امملكة وروحت هنا إندكن» يقصد إلى السجن.
وفي آخر البوابات، التي غادرها استوقفه احد الجنود مداعباً، وأخذ يدفعه: «ارجع. واين باتروح. ممنوع الخروج!» فاستغرب شُوعي وصاح في وجه العسكري بلهجته التهامية: «صلى ألى النبي هيذا الاستاد ألي موجود. وذا الإفراج في شُورتي» وأخرج أمر الإفراج من فوق السُّرة.
وعندما فتح باب كرسي وسط توقف واشهر أمر الإفراج أمام وجهه وحدّق فيه كما لو أنه يقرأ: «الله أكبر أليك طلئت لي أمسكر».
ويفيد شوعي الذي نشرت «النداء» عنه خمسة مواضيع صحفية على فترات متفاوتة، كان آخرها تأكيدات مكتب النائب العام بقرب موعد الافراج عنه: «من يوم ما سمئت أني شاخرج. يوم ما جاء نبيل المحمدي طلئ بيني، امسكر، وخلاص...» ويضرب كفاً على كف: «... من ذاك اميوم طار امنوم وهيه».
كل من جاء يهنئ شوعي بالخروج، ويبارك له يرد بالقول: «الجميئ الله يبارك فيك» وأحياناً يرد عليهم: «بس بيني سكر».
كان عوض الجند (وهو سجين سابق رافق شوعي 10 سنوات في السجن وافرج عنه قبل 4 أشهر) يتململ جوعاً، ونحن من حرارة الشمس، أما شوعي فخرج الينا ينشح عرقاً وقد «(خزّن) وكيس القات في يده «قالوا ذا ينفع لمسكر» وناول فمه غصنين.
ذات مرة سمعت أحد المفرج عنهم وهو يتكلم عن (لحمة شوعي) ومذاقها الفريد، حيث يفترش باحة السجن الداخلية بـ«قدوره» الصغيرة ودبة الغاز و«الدوافير»، ويطبخ في الشمس وجبتي الصبوح والغداء فيما يشبه المطعم الخاص. يفتح في الصباح ويغطِّي على الأدوات بـ«طربال». وحين خرج أخذ معه كل هذه «القلافد»: الشولة، الصحون، الملاعق، وحتى ربلات منظم الغاز، وحشرها في خانة التاكسي ومقعدة وسط، وجنب السوَّاق، وقال شوعي وهو مثقل بالجميل: «يا جماءة مدير امسجن رفض ابيعها من حد» وحين سألناه عن السبب أجاب: «ما يشتي حد يبسط هناك أبداً. ما سمح إلا لي أنا بس» وأخذ يعدد فضائل مدير السجن عليه وعلى سواه من السجناء: «أنا مش آرف كيف أرد له امجميل. سمح لي اتأيَّش في امسجن وسهَّل لي كل شيء. وكل يوم يتفقدنا. والله ما قصَّر»، وتذكر شوعي يوم أوجعه بطنه (مغص): «مرة أوجآتني بطني وجاء امدير وصيّح أليهن ليش ما يَدُّن لي إلاج. وخلَّاهن آلجوني على حسابه».
إلى جوارنا كان ينتظره شاب في مقتبل العشرين من عمره يدعى مجد ثابت معوضة، كان يتابع طوال هذا الأسبوع عن شوعي من مكتب النائب العام إلى نيابة صنعاء الجزائية، ويتصل بي كل يوم بشأنه. وحين تعرفت عليه يوم الأحد الفائت قال أنه كان مسجوناً لمدة 8 أشهر على ذمة 25 ألف ريال (قيمة أرش)، ولم يفرج عنه إلا يوم الأربعاء الماضي بعد أن تطوَّع السجناء وافترقوا له المبلغ كاملاً «وتبرع لي عمي شوعي ب5000 ريال. وعندما خرجت أدَّى لي رقمكم وقلي اساعدك ونتابع بعده سوى» وقال الشاب أنه من عتمة، وأنه عسكري في الحرس الجمهوري، وكان «يشد الدافور» لشوعي كل يوم ويساعده في الطباخة وتقطيع البصل، ولكن قيادة الحرس حرمته من الراتب طوال فترة السجن ومايزال محتجزاً. ثم تنهد مجد وقال إن مدير السجن أعطاه مذكرة إفادة إلى قائد مدرسة الحرس تفيد أنه كان في السجن «ولكن ما بش فايدة!». وحلَّق على شوعي بذراعيه «أهم حاجة خرج عمي عبده والمرتب شاتابع بعده لما يجي وإلا طُز» لحظتها رفع شوعي سبابته إلى أعلا: «لا تخاف صدقني ربي شا يرجؤه شايرجؤه».
لم يكن شوعي قد تعرَّف على صنعاء من قبل، كما يفيد، فقد كان في السعودية قبل أزمة الخليج، وكان أُوصل إلى المركزي سنة 91 برفقة اثنين من جماعته على سيارة مقفصة قادماً من سجن حجة، وحكم عليه القاضي حمود الهتار رئيس نيابة صنعاء الجزائية حينها؛ ب7سنوات حبس، وإعادة مضبوطات غير معينة، ولا موضحة «..إعادة ما تبقي بحوزته من الأموال والأشياء للمدعى بها إلى مستحقيها المدعي، وتسليم ما تبقى من المضبوطات...» جاء في الحكم!!
وقال شوعي: «دخلت السجن وكان في خلا. كل البقع ذي تراب وجرب، وما فيش ولا بيت حول السجن» ويشير بيديه إلى سور السجن.
وحين أوصلناه إلى سوق القاع برفقة اثنين من تهامة تساءل: «الآن أين أنا يا جماءة؟!» بصوت جهوري. فقال أحد العمال الجالسين على الرصيف، أظنه من البيضاء، «أنته الآن في القاع يا خبير» فرد عليه شوعي وهو ينظر أسفل منه: «وااااه أيوه في امقاع وإلا أنته تحيدنا مجنحوا فوق امطيَّارة» وظن شوعي أن الرجل يسخر منه، فلم يكن قد سمع بسوق اسمه القاع قبل اليوم!
على طول الخط المتعرج من شارع المطار إلى ركن الجامعة القديمة، كان شوعي يمد رأسه من داخل التكس المكتظ بالأدوات والناس، ويوزَّع نظراته يمنة ويسرة، وكأن مبنى وزارة المواصلات، وعمارة الرماح، والخولاني وبيت الشيخ عبدالله لا يساوي شيئاً بالنسبة لقرية «الكُركون» مسقط رأسه في أدغال تهامة: «احنا نعيش داخل امعشش أحسن من امقصور حقكن هذي» ومؤكداً بيمين: «قسماً بربي أحسن». وحين وصل أمام استراحة النسيم في القاع وجد شيخاً تهامياً مسناً طويل القامة يشبه المرحوم عمر أحمد سيف واحتظنه بحفاوة، وكان الرجل يفرك عينيه وكأنه غير مصدق بأن شوعي خرج: «مبروك يا أبده شوعي مبروك» فرد شوعي وكلاهما قابض بيديه على منكب الآخر: «الجميع يا أَم (عم) أحمد. الله يطول بؤمرك. تذكُر أيام ما كنا نشتغل بالمزرعة في بيشه سوى»، فهز رأسه: «يااااه نساك اموت» وأخذا يستذكران سنوات قضياها معاً في المملكة، قال عنها شوعي «كانت ايام حلوة» ويتنهد.
«النداء» سألت الشيخ التهامي عن أحوال اسرة عبده شوعي وأولاده، فقال أنه ليس من نفس القرية ولكن: «كنا نسمع عن ابنه الذي مات ذلحين قبل ثلاثة أشهر بامبرق»، وأضاف الرجل الذي يبدوا أنه في الثمانين: «يقولوا امناس أنه كان مزوج ثلاث. واحده ماتن. والثانية تزوجن على واحد ثاني. وواحدة ذلحين إند أهلها في وادي مور ومعه منها ولدُ» والتفت إلى شوعي وهو يجّهز الشيشة المعسل: «عادك تعلم على والدتك يا أبده؟!». رد شوعي: «لي منها عشر سنة. قالوا أن قدها أميا. واشتي ربي يوصلني اشوفها ولا شايجي اموت جاء» وسألناه عن والده وبقية أفراد الأسرة فأجاب: «أبي زارني إلى امسجن ولي ثلاث سنوات محبوس، وبعدها مات. وبناتي امزوجات ما اذكرش صورهن. آخر واحدة شفتها مع جدتها قبل عشر سنة». أما أهل المنطقة والأقرباء، قال شوعي: «صدقوني مش آرف من باقي؟! ومن قد مات؟! سبعة عشر سنة سبعة عشر سنة مش هي لئبة يا جماءة أمخير».
وكان الزملاء مروان دماج، سامي غالب، وماجد المذحجي، التقوا شوعي في سوق القاع قاصدين معرفته وعندما قدمتهم إليه الأول: أمين عام نقابة الصحفيين، والثاني رئيس تحرير صحيفة «النداء»، والثالث سكرتير منتدى الشقائق العربي، شعر بالزهو. وفي المقيل كان يتحدث إلى الشيخ التهامي كمن يقدم نفسه على أنه صار مهماً: «يا أَم (عم) أحمد جاء يزورنا اليوم رئيس أمصحفيين بكله، وما بش صحيفة إلا وينزل إسمي وصورتي بينها» والشيبة يهز رأسه و يتعجب: «مبروك يا أبدو شوعي مبروك» ويدق على كتفه.
وسأله محمد غزوان وهو يضحك، (وكان سُجن عشر سنوات معه، وأفرج عنه قبل شهرين): «تذكُر يوم ما كتبت عليك موضوع وإحنا في السجن؟!» اعتدل شوعي وكان «داكي» على يساره ورد: «أيوه أيوه يوم نزَّل اسمي بين ذاك الذي (يأبر) العالم كله وكان غزوان يضحك ويوضح: «يقصد الإنترنت، الإنترنت».
الوقت ممتعاً مع شوعي ومحزناً في آن. وكان الكثير من الزملاء يتصل ويهنئه، والصحيفة وهيئة الدفاع, وشوعي الذي كان يشفط المعسّل بشره كان لا يكف عن الدعاء للنائب العام ومدير السجن، ونبيل المحمدي وشخص آخر ويقول: «أما حمود امهتار شيجمع ربي بيننا يوم امقيامة وشنتحاسب».
وحمَّل صحيفة «النداء» أمانة نقل تحياته وامتنانه لكل الصحفيين والمحامين الذين ساعدوا في انقاذه من بحر النسيان. وقال بعد 17 عاماً امضاها في السجن: «اشا ربي يوصلني عند والدتي اشوفها قبل ما تموت ويشافيني من امسكر، ويكتب لي حسن الختام، وبس» وأشار بكف الإكتفاء.
***
في «النداء».. مع حضرة الذي كان غائباً
كانت أم عمران تغطِّي لحظة خروج زوجها حسن الهتاري من السجن، وتنقل الصورة مباشرة إلى مكتب الصحيفة: «الآن حسن خرج من البوابة. الآن يسلِّم على العسكر. الآن توجه الينا...» وهكذا حتى وصل إليها وقال: «السلام عليكم يا صحيفة النداء».
لقد ناضلت هذه المرأة دون كلل لدرجة الإستماتة، وليس فقط لإطلاق زوجها الشاب القابع منذ ست سنوات، ولكن لتحرير350 سجيناً معسراً يقبعون إلى جواره.
فإلى جانب كونها أماً لخمسة أطفال، ومدرسة، هي أيضاً: سميرة داود، منسقة ملتقى 17 يوليو لأسر وأطفال السجناء.
رغم مشاغلها الكثيرة، وترددها على المنظمات والصحف طوال السنوات الخمس الماضية دون فائدة إلاَّ أنها لم تشعر يوماً ما أنها أُحبطت. لقد امتلكت وعياً حقوقياً تؤكده منظمتها.
كانت تنتظر هذه اللحظة حتى وقد عادت بأُسر وأطفال السجناء خائبين من أمام بوابة الرئيس في 3 سبتمبر 2005.
عندما التقيتها لأول مرة عند بوابة السجن الرئيسية، كانت حقيبتها تعجّ بالأحكام والأسماء، وهي تحاول إدخال «الغداء» لزوجها، ومعها فاطمة ابنتها.
خرج «حسن» بعد جهد ومشقة، وبعد عديد محاولات بذلتها الى مكتب النائب العام. وكانت الضمانات التي احضرتها تعاد غير مرة. وفي اليوم التالي لخروجه اتصلت سميرة بالصحيفة لإبلاغها بأن سجيناً آخر أُطلق سراحه وإسمه: حسن النويرة (هكذا امتد اهتمامها الحقوقي بالسجناء من زوجها الى الآخرين!).
رئيس التحرير استقبل ظهر أمس في مكتبه حسن الهتاري، وسميرة وأطفالهما. وبدت هذه الأسرة الملتئمة في أوجّ سعادتها، وكأنها تمارس الفرح للمرة الأولى في حضرة الذي كان غائباً.
كان الهتاري مدرساً في مدرسة «الميثاق» بالسجن، وعالقاً في ذمة قضيتين إحداها كيدية.. وكان حُكم في الأخرى ب5 أشهر ومكث ست سنوات.
وفي 2004 قضى حكم الإستئناف ببراءة الهتاري من التهمة الموجهة اليه، واستحقاقه للإفراج الفوري، وتعويضه عن كل ما لحق به من ضرر. وأيضاً بأن يحال المدعي المدني للتحقيق معه. لكن الإحتجاز ظل قائماً حتى يوم أمس الأول، ولم يفرج عنه إلا بضمانة أكيدة، وبتدخل النائب العام، ذاته، الذي ابدى تفهماً وتجاوباً يستحق الإشادة والشكر.
***
إنه السعيدي.. خرج برأس من نهار
تمكن سالم السعيدي من الانفكاك من قبضة السجن بعد ثلاث سنوات و4 أشهر من المحاولات، وعصر الثلاثاء قبل الفائت اتصل سالم وهو في شارع المطار من تليفون صهره عبد السلام: « ألوه! من معي؟ صحيفة النداء؟ أنا السعيدي خرجت من السجن».
كان مسجوناً دون حكم يقضي بذلك في ذمة 850 الف ريال (إصلاح سيارة)، ونشرت «النداء» تفاصيل هذه القضية في صدر صفحتها الأولى قبل شهر ونصف.
لم أعرف السعيدي إلاَّ من خلال صورة له بكرافتة حمراء، دبَّسها على زاوية الحكم الصادر بحقه من محكمة جنوب شرق الأمانة «الشعبة الجزائية» وأرسلها إلينا. ولكثرة التواصل بصهره عبد السلام عرفت مأساته جيداً.
وطوال مدة الحبس، كان يخوض معركة صراع مستمر على جبهتين: الأولى لاسترداد راتبه المنهوب في أبين، والأخرى لإطلاق سراحه من سجن الأمانة.
لم يخرج سالم بموجب حكم الإعسار وفقط؛ وإنما بعد أن تكبد تسليم ثلثي المبلغ. ولحظة انتظارنا لعبده شوعي ظهر الأحد الماضي التقينا سالم وهو يحاول مع حراسة السجن السماح له بالدخول لتسليم 5000 ريال استلفها قبل خروجه من أحد السجناء.
كان مرتدياً المعوز والشميز كأي جنوبي، ويبدو نادماً على اليوم الذي قرر فيه أن يعمل سائقاً في صنعاء، وقد صار رأسه كله نهار، أكثر من رأس شوعي الذي أمضى 17 عاماً وناصفه الصلع.
وكان سالم يشكو الظلم الذي وقع عليه، ويتضرع الى الله لإنصافه من القاضي أولاً «لقد أصابني الضرر وتشتت أسرتي، وصار أبنائي سبعة في لودر، وأربعة في جبل حبشي!» فهو يعول11 طفلاً من زوجتين: الأولى من قرية «حبيل السعيدي» في مديرية لودر- أبين، وأصغر أبنائها محمد. والأخرى من تعز.
لكن السعيدي، الذي اخرته بعض الالتزامات ليومين في صنعاء أفاد بأنه لن يبدأ بزيارة أحد قبل أبيه وأمه القاطنَين أبين.
***
محمد السري.. تخيّلوا أنفسكم مكانه!
لقد ترك الكثير وراءه: السجن، المدرسة، الطباشير، ويحيى الحيدري، وغادر السجن الاسبوع الفائت بعد عشر سنوات سجن وتدريس.
الأستاذ محمد السري، أستاذ السجن، والذي التقته « النداء» في اكتوبر الفائت (رمضان)، ونشرت تفاصيل مأساته في ثلاثة أعداد:100،79،76. وحين خرج من بوابة السجن لاذ بكبينة اتصال وهاتف الصحيفة قائلاً:« من لم يشكر الناس لا يشكر الله».
لقد دخل السجن وهو في أزهى عطائه وحين خرج وجد الأبناء يعملون وأمهم قد ماتت.
حادثْتُهُ في رمضان من وراء السياج الحديدي، وعلى وجهه آثار الطباشير وفي جيبه قلم، وكان يتكلم كأي أستاذ جامعي: يلتزم الـ«إتِكيكيت».
هو حائز على الماجستير في اللغة الإنجليزية من جامعة جورجيا عام 85، ويوقع على شهادات التخرج والسيرة والسلوك بصفته مشرفاً على المدرسة في السجن.
وعلى امتداد السنوات العشر التي أمضاها في المركزي تعرض السري لحالات نفسية صعبة، فمنذ نبأ وفاة أخته قبل عامين في هولندا فجأة، إلى موت حبيبته (أم العيال) في صنعاء متأثرة بمرض القلب وقد عادت من القاهرة في رحلة علاج. وكان يتنهد بصمت «تخيلوا أنفسكم مكاني! وأطفالكم يعانون اليتم»- وعندما ناقشته أنا علي الضبيبي في لجنة الرئيس التي تجوب السجون تلك الأيام بحثاً عن معسرين، أشاح بوجهه وودعنا «لا تصدقوش! لاتفيدنا في شيء يخرج أصحاب المديونيات الصغيرة والوساطات ونبقى نحن نراوح أماكننا».
مازلت اسمع رجاءات ابنه الأصغر «ماهر» عصر الاثنين 13 نوفمبر الماضي: «أرجوكم! أفرجوا عن أبي ! أرجوكم!» وأتذكر حين شخص والده ببصره الى السماء: «كل يوم ولي فيه أمل»، وحين حمَّل «النداء» رسالته: «عليكم أن تفكروا بإنسان السجن. والدهر لا يأمنه أحد».
لقد استفاد السجن ونزلاؤه من جهود وقدرات هذا الرجل في التدريس والإشراف وإعداد الكشوفات، وفي اعتقادي أن الإدارة ستحاول أن لا تخسره، وخاصة مدير عام الإصلاح والتأهيل في السجن الأستاذ يحيى الحيدري، الذي شكّل مع السري ثنائياً رائعاً يستحق الاشادة.
كان السري محكوماً بسنة ونصف حبس من محكمة شرق الأمانة. ويوم النطق بالحكم في قاعة المحكمة كان السري قد أمضى فترة العقوبة وتجاوزها ب12 يوماً. الغريب في الأمر أن القاضي لم يأمر بإطلاقه رغم انتهاء المدة! أُعيد الى السجن وليس من مستفيد في بقائه عشر سنوات هناك سوى مدرسة «الميثاق».
في كل الأحوال لقد غادر محمد السري المنشأة العقابية بعد جهد جهيد وقد ضاع من عمره ما ضاع!.
***
دخل السجن ووحيده في السابعة وخرج بدون «أضراس» ليجده في الثانوية
الآنسي: كل شيء في «الخارج» مختلف والحرازي في «الداخل» يهلوس
أمضى منصور الآنسي تسع سنوات في السجن على ذمة حكم قضى بحبسه سنة واحدة. وعندما خرج كان في استقباله أبوه وهو يتكئ على عكازه في عقده الثامن.
كان الرجل تاجر ملابس (جملة) في باب اليمن، وحكى «للنداء» كيف حلت به المأساة.
في مكتب النائب العام كان أحد أصدقائه يتابع قرار الإفراج عنه بعد صدور حكم إعسار، وكان يشرح حالة الرجل في السجن بصورة تبعث على الشفقة، وكان رئيس شعبة السجون بمكتب النائب العام قد أفاد «النداء» قبل ذلك بصدور أمر الإفراج عن عدد من المعسرين أحدهم منصور. ونشرت الصحيفة أسماؤهم قبل ذلك اليوم كمحتجزين رغم أوامر الإفراج.
وبعد أسبوع تقريباً خرج الآنسي واتصل بي من تليفون «يمن موبايل» وعرفت من صوته أن الرجل قد فقد أضراسه.
تعرف من كلام منصور وهيئته الشهامة والنبل، ورغم أنه يشارف على الستين، إلا أن روح الشباب ما زالت تملأه. يضحك كأي تاجر مفلس، ويلبس كأي شاب تعجبه «الهنجمة».
كان يتحدث معي في مكتب رئيس التحرير عن أيام السجن وسنواته، وعندما جاء محمد (إبنه) طلب منه الذهاب فضحك وقال له: «هيَّا».
عندما التقيته أول أمس كان عائداً من تمشية في سوق الملح وقال: «بكرت اتمشى وكل شي شفته مختلف حتى باب اليمن وشارع الزبيري». لكن الآنسي وهو يتحدث عن المستقبل كان يتذكر مأساة بعض السجناء الذين عاشرهم تسع سنوات، ويتمنى على المسؤولين إنقاذ حياتهم، «دخلت السجن وعلي حسين شبام الحرازي له تسع سنة، وخرجت وهو يقطع ال18 وقدوه يهلوس». وسألته «النداء» عن أصل قضية الحرازي فقال: «على ذمة100 ألف دولار. دخل السجن وعاد الدولار بستة ريال. والآن ب200 ريال والحمولة تتضاعف». وأضاف متعجباً ويضحك: «الخبير محكوم بسنة واحدة» وقال أن الحرازي كان صيرفياً معروفاً على مستوى السوق «واليوم قدوه أرحم واحد، مهلوساً».
وتذكر أيضاً: «عاد بو واحد سجين داهية اسمه عبدالكريم الروسي قد له 12 سنة وعنده الجنسية الاسبانية ويجيد أكثر من لغة». وأقسم أن بقاءه في السجن خسارة على البلاد «عنده عقل مش موجود».
ثم عدد أسماءً كثيرة أغلبهم في حقوق خاصة وغرامات، منهم عبدالكريم الشرفي «الذي لا سنة ولا ضرس وله 12سنة» وآخرون « ايهيييه! كم حدَّك!».
الآنسي اثنى كثيراً على مدير السجن مطهر علي ناجي «لو يدوّروا في اليمن كله ما يلقوا واحد مثله». وأشاد بشخص كلَّفه المدير موخراً ليكون مشرفاً على التغذية يُدعى محمد الكول: «هذا عقيد لبلب الدنيا لبلبة» ويحرك أصابعه الخمس.
وقال إنه خرج برفقة السعيدي وأيمن الصائغ. وعندما علم بخروج شوعي والهتاري سُرَّ كثيراً، وتمنى أن يطلقوا أيضاً علي شبام الحرازي.
***
بيان
1 - يود الملتقى النسوي 17 يوليو لأسر السجناء، وهو يستقبل أفواجاً من المفرج عنهم، على إثر قرار واعلان مجلس القضاء الأعلى، والذي أكده بلاغ هيئة الدفاع عن السجناء، في وقت سابق، بشأن سجناء الذمة المالية المحتجزين، أن يؤكد أن ذلك يمثل منجزاً دستورياً.
2 - وكون قضيتنا تتمثل في الأساس في مصادرة فعلية للقانون، وبالتالي الحقوق، سببها قراءة خاطئة للقانون، عكست أزمة دستورية قضائية أفرزت عشوائية، وارتجالية تراكمية لدى النيابة العامة في تعاطيها مع النصوص وقضايا المجتمع، فإن تجاوب الأخ النائب العام د/ عبدالله العلفي مثَّل اقتراباً حقيقياً نحو تفعيل وتسيير نصوص القانون فيما يتعلق بقضية سجين الذمة المالية، المحتجز والاسرة والدائنين. والملتقى إذ يعتبر خطوات النائب العام نقطة بيضاء في صفحاته العملية وفي سجله الوطني، فإنه كذلك يعتبر جهود هيئة الدفاع عن السجناء وبجانبها حملة «النداء» والجهود الأخرى في اطار حملة التضامن الإنساني المشتركة تجسيداً عملياً صادقاً لرغبة الجميع في التنسيق الفعال بين الجهدين الرسمي والمدني تجاه قضايا المجتمع.
3 - هناك مع الأسف الشديد من يسعى لاغتيال هذا المنجز الدستوري والقانوني والحقوقي ووأده، ولتشويه القرار القضائي من جانب، والإساءة الخطيرة والمتعمدة لشخص النائب العام من جانب آخر؛ من خلال بعض مظاهر الإختلالات الآتية:
أ- حصر الآلية القانونية لتنفيذ القرارات في قناة واحدة فقط : فضيلة القاضي المكلف من مجلس القضاء، وهذا شكّل ضغطاً على فضيلة القاضي وبطئاً في سير عملية تنفيذ القرار، فمنذ شهر 2/2007 لم يتم الافراج سوى عن 33 سجيناً فقط بأحكام إعسار، ولم تتم إحالة المتبقيين الى قضاة التنفيذ المدني في المحاكم المختصة، حسب القرار، كآلية مساعدة للتسريع في التنفيذ.
ب- هناك ممارسات (شخصية) للقضايا والناس، ممارسة فئوية، وابتزاز لا أخلاقي وتأصيل داعم لتنمية الجريمة تمارسها عناصر منضوية تحت مظلة النيابة العامة (في مكتب النائب العام) وهذه العناصر تستغل الاخ النائب العام وتستغل قربها منه - دون علمه- بالأشارة اليه شخصياً وعرقلة معاملات الناس، والوقوف ضد القانون.
ج - سجناء المحكمة التجارية وعددهم 12سجيناً من سجن صنعاء المركزي لم يشملهم ما شمل غيرهم من سجناء الحقوق الخاصة، بينما هم مرميون في السجون لسنوات من قبل رئيس المحكمة التجارية دون عقوبة بالسجن أصلاً.
د- نشكر الجمعية الأوروبية للتسويق والتنموية -EMPA ومستشار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مسؤول المنظمات غير الحكومية، ومنظمة المساندة القانونية والدفاع عن حقوق الانسان لتضامنهم مع ملتقى17 يوليو النسوي، ومع حملة «النداء» وحملة التضامن الانساني، ومع هيئة الدفاع، من خلال الملتقى، ومساندتهم في مطالبة الأخ رئيس الجمهورية بالاهتمام بالأخ حسن الهتاري.
ه - القضية تحتاج الى تضامن كل النشطاء والأقلام لإعانة النيابة العامة وكل الجانب الرسمي لإكمال المهمة في تثبيت الآلية القانونية كحل جذري دائم وثابت على مستوى سجون الجمهورية، والوقوف بجانب المعسرين من السجناء لتسديد مديونياتهم بعد الإفراج عنهم.
ي- يندد الملتقى النسوي لأسر السجناء ويستنكر العمل الإرهابي الذي قامت به عناصر منحرفة فكرياً ودينياً، يوم أمس الاثنين 2/7/2007م في مدينة مارب الأمر الذي يدعونا الى رفع اصواتنا للمطالبة بالتطبيق الكلي للقانون وفرض سيادته.
صادر عن ملتقى أسر السجناء- صنعاء- المنسق العام سميرة داود.
3/7/2007م
إطلاق 11 سجيناً معسراً في عشرة أيام
2007-07-05