صراع البطون - محمد عبدالملك المتوكل
قد يتصور البعض أني أنوي الكتابة عن البطون التي تتضور جوعاً وبشكل خاص بعد ارتفاع الأسعار الذي جعل معيشة ذوي الدخل المحدود والمعدوم معيشة لا تطاق رغم أن العديد من هؤلاء الجياع قد ساهموا في رفض التغيير وصوتوا لاستمرار الحال. وعليهم اليوم أن يدفعوا للتجار فواتير الدعاية والصور الملونة والمليار الحنّان الطنّان الذي قدموه لمرشح حزب الحاكم. والقانون لا يحمي المغفلين والمثل اليمني يقول: «من عمله بيده يا حريق كبده». أما التجار فهم أذكى من أن يتركوا ما دفعوه مضافاً عليه الفوائد المركبة ومن ظهر الشعب الطيب.
صراع البطون الذي أقصده اليوم هو الصراع السياسي على كرسي الحكم.
فالحرب الدائرة في صعدة، كما يقول علماء السلطة، هي نتاج لمن يريدون حكر الولاية العامة على البطنين. ومشائخ خولان عامر- في رسالة للشيخ عبدالله الأحمر - يقولون إن الحرب الدائرة هي نتاج لمن يريد احتكار السلطة لبطن واحدة. وبين البطن والبطنين سقط المئات ممن لا ظهر لهم ولا بطن ولا ناقة ولا جمل.. وليس لهم سوى الجوع والموت، وليس لأسرهم سوى التشرد والضياع، ولا لأولادهم سوى اليتم والبكاء، ولا لنسائهم سوى الثكل والعيش في العراء. أما الشعب فكالأطرش في الزفة يردد المثل السائر: «من تزوج أمنا كان عمنا».
قصة صراع البطون في التاريخ الاسلامي بدأ مع لقاء السقيفة حين رفع سعد الأنصاري شعار «منا أمير ومنكم أمير»، فرفع الآخرون شعار «لا تدين العرب إلا لقريش». والتزمت أغلب المذاهب السنية بعد ذلك بحصر الولاية العامة في قريش. وقابلتهم بعض المذاهب الشيعية فحصرت الولاية في عدد من أئمة آل البيت، وحين جاء الملك العضوض بولاية معاوية ضيق الحلقة وحصر الولاية في بطن أسرة واحدة إبتداءً بابنه يزيد. وخوفاً من انتقال الملك إلى بيت آخر عن طريق المرأة اجتهد علماء السلطة فحرموا على المرأة الولاية العامة وحتى لا ينتقل الملك إلى البنت ومنها إلى أبنائها من زوج قد لا يكون من البطن الملكي.
وظلت الولاية في بني أمية حتى أخذها منهم العباسيون، والعثمانيون والاستعمار الاجنبي بعد ذلك وحتى قيام الحكومات الوطنية. وحين انعدم الاستقرار في اليمن كنتيجة للصراعات المحلية ذهبت بعض القبائل اليمنية إلى جبل الرس في المدينة المنورة وجاءت بالهادي يحيى بن الحسين الذي اجتهد وحصر الولاية العامة في أبناء البطنين: الحسن والحسين. وجميع المذاهب، شيعية وسنية، حصرت الولاية العامة في الذكور من المسلمين ما عدا فرق الشبيبة من الخوارج الذين اعتبروا حرمان النساء من الولاية العامة مخالف لمبدأ المساواة في الإسلام.
في عصرنا الحاضر انقسم العالم الاسلامي والعربي إلى قسمين: قسم اعتمد النظام الملكي والذي لا مكان فيه لغير ابن الملك أو شقيقه أو من عصبته، ونظام جمهوري ابتدأ نظاماً شمولياً، التداول فيه تم عن طريق الدبابة والبيان الأول. وفي نهاية القرن العشرين بدأت الأنظمة الجمهورية تقبل نظرياً بأحقية جميع المواطنين المسلمين في الولاية العامة. ومن الناحية العملية تتم الترتيبات ليكون ابن الرئيس هو الرئيس الوريث، وسواء تم عن طريق الصندوق المعمول بإحكام أو عن طريق ذهب المعز وسيفه وحرسه.
هكذا تصارعت البطون على كراسي الحكم ولكل بطن اجتهاده وفلسفته وطريقته وعلماؤه ومتعلموه.. وهكذا تمزقت الأمة وتبددت الثروة واحتلت الأرض وانتهكت السيادة وخضع الملوك والرؤساء للقوى الخارجية طمعاً في حماية كراسيهم القائمة على أشلاء الشعوب.
عالم اليوم لم يعد يحتمل احتكار السلطة والثروة لا لبطن ولا لبطنين ولا لذكر ولا لأنثى ولا لمسلم ولا لغير مسلم. عالم اليوم عالم المساواة التي نادى بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم واحد وأباكم واحد لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى». والله عز وجل حين استخلف الانسان في الأرض لم يحصر الخلافة على رجل أو امرأة، على أبيض أو على أسود، بل الكل خلفاؤه والكل مسؤولون عن تحقيق العدل والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والايمان بالله والعمل الصالح «والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر».
وقد ساوى الله بين البشر في الدور الانساني: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم». وحمل الله المسؤولية والولاية الذكور والاناث دونما تمييز يقول تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر».
وبما أن الولاية العامة لم يعد من يتولاها مسؤولاً عن الاجتهاد والتشريع أو إدارة الحكم خارج إطار المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ فلم يعد هناك داع لشرط الاسلام كما يقر بذلك المستشار طارق البشري، والمفكر الاسلامي فهمي هويدي، ورئيس اتحاد علماء المسملين محمد سليم العوا، وغيرهم من علماء الاسلام المحدثين.
وعليه فإن علينا اليوم أن نسقط جميع البطون وأن نقضي على كل تمييز خارج إطار المساواة والعدل الذي ارتضاه الله وزيَّفه علماء السلطة الذين سخروا الدين للسياسة بدلاً من تسخير السياسة لخدمة الدين ومثله وقيمه السامية.
عموماً إذا ما كانت حرب صعدة ناتجة عن الصراع بين البطن والبطنين ومران والنهدين فإننا ندعو إلى تحريم حق احتكار السلطة والولاية العامة لأي بطن من البطون، ونطالب بأن ينص الدستور بوضوح على حق كل مواطن، ذكراً أو أنثى مسلماً أو غير مسلم، في تولي الولاية العامة من خلال انتخابات حرة ونزيهة متكافئة، والتأكيد على تحريم استخدام العنف أو القوة أو إمكانيات الدولة في سبيل تزييف الانتخابات أو التأثير على إرادة الناس ترغيباً أو ترهيباً. وكل نتيجة لانتخابات غير نزيهة تعتبر نتيجة غير شرعية، والحكم فيها مغتصب، ومن حق الشعب مقاومته بكل الوسائل المتاحة. ولضمان ذلك لا بد من تحرير القوات المسلحة من هيمنة بطن من البطون أو طرف من الأطراف بوضعها تحت سيطرة السلطة المدنية المنبثقة من خلال انتخابات حرة ونزيهة. وبذلك تتحقق العدالة ويستقيم النظام الجمهوري ويترسخ النهج الديمقراطي وحينها سوف يقف كل المواطنين ضد أي صوت نشاز يسعى إلى احتكار السلطة والثروة لبطن أو لبطنين أو لعشرة... أما أن نستنكر فعلاً ونأتي باسوأ منه فعار علينا عظيم:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
26/5/2007م
صراع البطون
2007-05-30