صنعاء 19C امطار خفيفة

مناضلو المجتمع المدني في سورية وهيبة الدولة

2007-05-17
مناضلو المجتمع المدني في سورية وهيبة الدولة
مناضلو المجتمع المدني في سورية وهيبة الدولة - أبوبكر السقاف
استؤنفت في دمشق قبل أيام محاكمة ميشيل كيلو، أحد الأعضاء البارزين في لجان إحياء المجتمع المدني السوري، وعضو لجنة تنسيق إعلان دمشق الذي يهدف إلى الدفع باتجاه الإصلاح والديمقراطية في سورية. وكان قد ألقي القبض عليه وزملائه النشطاء السياسيين والحقوقيين، مثل أنور البني ومحمود العيسى، بعد توقيعهم مع آخرين -على عريضة تطالب السلطات السورية بالعمل على إعادة بناء العلاقات السورية- اللبنانية على أسس مختلفة، ووقع عليها 250 مثقفاً سورياً. وهو متهم بالعمل على إضعاف الشعور القومي، والنيل من هيبة الدولة، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية... الخ.
ويُعرف ميشيل بأنه من الناشطين السلميين، ومن الذين ظلوا على امتداد سنوات يحاولون صوغ وجهة نظر متكاملة للخروج من دائرة الأزمات والركود والتردي الثقافي في بلاده. وهو مثل زملائه يرى أن العلاقة السوية بين بلاده ولبنان إنما هي في مصلحة الشعبين. وتعرفه الأوساط الثقافية بثقافته الرفيعة والتزامه بمبدأ الحوار الفكري بعيداً عن لغة التخوين أو الإدانة. يواجه ميشيل قراراً آخر بالإحالة للمحاكمة العسكرية وذلك بموجب المادة 150 من القانون الجنائي العسكري التي تقضي بعقوبة السجن المؤقت لمدة تصل إلى خمس سنوات لكل من ينشر مقالاً سياسياً أو خطبة بقصد الدعاية أو الترويج لحزب أو جمعية أو هيئة سياسية محظورة. وقد تمت إحالته للمحاكمة بدعوى أنه بالاشتراك مع آخرين حاولوا الترويج لعريضة إعلان دمشق – بيروت داخل مجالسهم في المعتقل، وسعوا لإقناع سجناء آخرين بالانضمام لذلك الإعلان.
أصدر عدد من منظمات حقوق الإنسان العربية بيانات تساند ميشيل كيلو ورفاقه. ومن المؤسف أن قضية الحرية في بلد عربي لم تصبح قضية بقية البلدان العربية؛ فما زال التنظيم والتضامن الذي نراه بين شعوب أمريكا اللاتينية غائباً عن الساحة العربية.
إن ما يسترعي الانتباه في التهم الموجهة إلى ميشيل وصحبه وفقاً للقوانين السائدة والنافذة، أنها تتسم بالعمومية، ويصعب تحديدها، كما أنها في الوقت نفسه تعطي أية جهة رسمية، ومنها القضاء، مجالاً واسعاً للتفسير والتأويل؛ فتهمة "النيل من هيبة الدولة" لا يمكن تحديدها إلا بناءً على الرغبة والهوى، طالما لم يجر تعريف الأعمال والأقوال التي تعتبر نيلاً من هذه الهيبة. ولذا فإن قوانين بعض البلدان الديمقراطية (ألمانيا مثلاً) تقوم بوصف تفصيلي لأحكامها العامة بحيث يضيق المجال إن لم ينعدم أمام استغلال مثل هذه العبارات المبهمة. كما أن هذا الحشد من النعرات الطائفية والمذهبية في صعيد واحد على الشاكلة نفسها يقصد به إعطاء السلطة مجالاً لحرية التفسير. وهو ما نجد له نظيراً في قوانين في اليمن ومصر وغيرهما من البلدان العربية. وهي قوانين غير عادلة، ومقاومتها شرط لسيادة القانون.
وميشيل كيلو أبعد ما يكون عن النعرات المذكورة، فتاريخه السياسي والثقافي لم يرتبط بأية واحدة منها، بل كان ملتزماً برؤية يسارية وسلمية خالية من أي تمترس داخل الطوائف والملل والنحل، فهو من الذين يرون في الوعي الوطني والاجتماعي والدولي وسيلة للقفز فوق هذه الحواجز الثقافية التي تحول بين السوريين والعرب جميعاً، وصوغ فكر يتسع لجميع العرب على اختلاف ثقافاتهم الفرعية داخل الانتماء العربي العام. ويشهد التاريخ القريب وهذه الأيام أن السلطة هي التي تمارس هذه النعرات وبأدوات ووسائل الدولة. تعلمنا حركة إحياء المجتمع المدني في سورية وحدة المجتمعين: المدني، والسياسي؛ فليس المجتمع المدني مقدمة للديمقراطية، بل الديمقراطية السياسية والمجتمع المدني لا يكونان إلا معاً، فالسياسي في صلب المدني.
ميشيل وزملاؤه، من الذين يرون أن شعباً يستعبد شعباً آخر، لا يمكن أن يكون حراً، وأن لب الفكرة العربية منذ نشأتها هو الإخاء والشراكة في البحث عن مصير له كل سمات الكرامة والحرية، وأن الاستبداد والإلحاق بالقوة يلحق أبلغ الضرر بقضية العرب وحقهم في وحدة ديمقراطية عصرية.
أجريت قبل أسبوع انتخابات تشريعية في سورية، وصفها الصحافيون بأنها اتسمت بالكآبة وقلة الإقبال. وقد تنافس المرشحون على ثلث مقاعد البرلمان، لأن ثلثي المقاعد محجوز لأحزاب الجبهة الوطنية، وهي التجمع الحاكم، نظرياً، بينما كل مقاليد الحكم في يد حزب البعث السوري.
يطمع ميشيل وزملاؤه إلى مجتمع مدني وسياسي يصنعان معاً انتخابات حرة وعادلة ونزيهة، خارج أسوار الأحكام العرفية المؤبدة والحزب الواحد. وهذا جزء من إعلان دمشق – بيروت، ومن مطالب حركة إحياء المجتمع المدني السوري، الذي ترقى بداية ظهوره الفاعل في الحياة المدنية والسياسية إلى عشرينيات القرن الماضي، وجاءت الانقلابات العسكرية منذ العام 1949 لوأده، بإخراجه من المجال السياسي.
هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان في بلادنا مطالبة بالوقوف إلى جانب إخوتنا في سورية، وكذلك الصحافة؛ فالتضامن الدؤوب أقوى عوامل الوحدة في واقع عربي يصنع الفرقة والاقتتال كل يوم.
22/4/2007

إقرأ أيضاً