المأساة والألم لسان حالهم.. نصف يوم برفقة لاجئي الجعاشن
- صدام أبوعاصم
الفصل الأخير من معاناتهم ما يزال مجهولاً!!
وبين إطلاق شيخ الجعاشن تهديداته بهدم وحرق منازلهم، وبين لجوئهم إلى العاصمة التي نصب لهم فيها "مخيم" لا يبعد أكثر من 20 كم من مبنى الرئاسة، أبناء "رعاش" و"الصفة" المهجرون من منازلهم في منقطة الجعاشن بمحافظة إب، منذ ما يقارب 20 يوماً يواصلون العيش خارج منطقتهم محرومين من أدنى الخدمات الأساسية كالأمن والاستقرار والغذاء.
هنا في مخيمهم شرق العاصمة لا شيء يحكم المشاعر سوى المأساة والألم، المرارة تطغى على المكان، الدموع تسبق الكلمات، الحرقة كانت حاضرة في حديث اللاجئين عن معاناتهم النفسية والمعيشية بعيداً عن موطنهم الأصلي. يقول محمد نصر: "ظروفنا قاسية جداً، وما بذلته لنا منظمة (هود) وأحد فاعلي الخير من مواد غذائية بسيطة لا يسد رمقنا إلا بشيء يسير".
ويضيف نصر -الأستاذ في مدرسة الإخلاص برعاش: "خوفاً من نفاد الكمية المتواضعة من الغذاء يختصر اللاجئون الوجبات الثلاث إلى واحدة، وهي الغداء، ويكتفون أحياناً بكسرة خبز أو كدمة إن وجدت مع كأس شاي"، مؤكداً أن أغلبهم أيضاً لم يجد فراشاً يقيه البرد.
ومن جانب آخر للمأساة فإن الضياع يقود خط اللاجئين وقدرهم، تزداد الحسرة في أعماقهم يوماً بعد يوم، سيما وتفكيرهم مرتبط أيضاً بمصير أسرهم المشردة عند أقربائهم من المناطق المجاورة، أو التي استسلمت للقدر ومكثت في منازلها المتواضعة والتي تتوقع هجوم الشيخ وأنصاره في أي لحظة لممارسة التهديد والقهر.
ألم هنا وهناك
وفيما يؤكد البعض انقطاع أخبار أهاليهم عنهم، يرى فؤاد محمد أن التواصل يكون أحياناً، لكنه يبعث على الإحساس بالقهر والظلم والألم أكثر من اللازم. يقول: "اتصل بي أحد أفراد عائلتي وقال إنهم لم يجدوا شيئاً يسد الجوع، وأن الأطفال الصغار مرضى ويحتاجون لعلاج".
فؤاد محمد (45 سنة) بمرارة شديدة تحدث لي كيف أقنعهم. قال: "اتصرفوا، إحنا مناضلين هنا مثلكم"، بعدها همس في إذني بكلمات أحدثت في أعماقي عاصفة جديدة من الألم الممزوج بالشفقة: "حتى أنا أعاني من مرض الكلى، ولا أنام الليل من الألم منذ جئنا إلى هنا".
ماضي العناء وحاضره
وبعيداً عن الحديث عن الانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون من قبل الشيخ بأساليبه الشيطانية المتعددة –والتي كان يحدثني عنها كل بطريقته الخاصة– وموقف الدولة منها.
تطرق حمود عبد الحميد، الذي يزيد عمره عن 55سنة، إلى مسألة الانقطاع بين اليمن والجعاشن. يقول: "بعمري هذا لم أعرف عسكري حكومة، سوى مليشيات الشيخ تتحرك في كل مكان".
مؤتمريون يا ناس
وحول ما يزعمه البعض من المتعاونين مع الشيخ من المجلس المحلي بالمحافظة بأن القضية سياسية، وأن هؤلاء الشرذمة هم "مشتركـ" حسب ما جاء على لسان شيخهم، جمعت أمامي أكثر من 25 بطاقة عضوية للمؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم في الجمهورية اليمنية والجعاشن، إلى جانب عدد من البطائق والكروت للمنتسبين والأعضاء الجدد.
وأضاف أحدهم: "الذين يقولون بأن القضية سياسية عليهم زيارتنا ليعرفوا هل نحن سياسيون أم بسطاء ومظلومين"، وأردف آخر بمنطق سخرية: "لو كنا زي ما يقولوا سياسيين كان الآن معنا سيارات وبيوت"، واستدرك: "حتى بيوتنا في البلاد هي عشش" ليعرف المزايدون أنهم لا يطلبون سوى الأمن والكرامة ولقمة العيش لا غير.
عسكري الشيخ وعسكري الدولة
(قاسم قائد لطفي) عجوز يقترب عمره من 65 سنة، هيئته توحي بقهر خفي، وملامح جبينه تختزل عمراً من المعاناة.
قبل انتهاء زيارتي اقتربت من الحاج قاسم لأكتشف أن في حكايته أشياء تستدعي الانتباه. قاسم لطف أحد منتسبي القوات المسلحة، أحد المناضلين في حصار السبعين خدم الدولة 35 سنة ثم تقاعد وهو برتبة نقيب، والمفارقة العجيبة في قصته أن عمره والذي وهب جله للثورة وأهدافها لم يشفع له أن يعيش بقيته آمناً مستقراً.
يقول: "ابن عمي عسكري عند الشيخ وأنا مع الثورة وعلي عبد الله صالح وهو معفي من الإتاوات والجبايات وأنا معرض لها دائماً"، وإذا حاول البعض أن يفهم الشيخ يرد بأن الرئيس في يده، حسب قوله.
انصرنا يا رئيس
وكما ناشد اللاجئون منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية تقديم المساعدة من الخدمات الأساسية للمعيشة كالغذاء والماء والكساء، مشيرين إلى الزيارة التي قام بها الصليب الأحمر ذات يوم إلى مخيمهم وبعد النظر في أحوالهم ذهب ولم يعد، ولم يعرفوا سبب ذلك، حسب "قائد محسن".
ويناشدون الرئيس سرعة حل مشكلتهم، والانتصار لحقهم.
(عبده علي سنان) (30سنة) أكد أن الرئيس إذا لم يستطع أن ينصرهم ويحميهم، عليه أن يوجه بإنشاء مخيم سكني دائم لهم في أي مدينة.
ولأنهم مغامرون وحياتهم منتهية إذا لم يحمهم الرئيس والحكومة من بطش الشيخ إذا عادوا، يقترح سنان على الرئيس أن يعمل ما عمله للأخدام في بعض المدن.
ويتعرض أحدهم (رفض ذكر اسمه) إلى استعدادات الحكومة للاحتفال بعيد الوحدة في محافظة إب، مذكراً فخامة الرئيس بأن العيد الحقيقي هو حل مشكلتهم مع الظلم وإعادتهم إلى أهاليهم ليمارسون حقهم في الحياة والعيش بكرامة وأمن.
وما هي المنجزات التي حققتها الوحدة والثورة إذا كانوا هم على هذه الحالة من الظلم والقهر؟!
وعما يدور في صعدة تحاشى أغلب اللاجئين الحديث عنه ربما لأنهم لا يعلمون شيئاً عما يدور هناك، كما تبين من رأي أحدهم.
إلا أن (م. ع) حاول ربط مأساتهم بما حدث مع يهود صعدة حين هجروا وهم سبع أسر فقط. يقول: "ليتهم يعملوا لنا اعتبار كما فعلوا ليهود صعدة"، منوهاً بالقوات العسكرية التي تحركت لإنصافهم وإعادتهم إلى منازلهم للعيش فيها.
المأساة والألم لسان حالهم.. نصف يوم برفقة لاجئي الجعاشن
2007-02-28