صنعاء 19C امطار خفيفة

الخلافات على ضريبة المبيعات صورة لإشكالية النظام الضريبي

2007-02-07
الخلافات على ضريبة المبيعات صورة لإشكالية النظام الضريبي
الخلافات على ضريبة المبيعات صورة لإشكالية النظام الضريبي - عبدالكريم سلام*
انشغلت الأوساط اليمنية جلها طيلة الأسابيع الفائتة بالخلاف الدائر بين ممثلي القطاع الخاص والحكومة بشأن تطبيق قانون ضريبات المبيعات المعدل مما أظهر أكثر من علامة استفهام حول الضغط الجبائي ومشروعيته في البلاد.
وذهبت العديد من الآراء إلى أن معارضة القانون على النحو الذي أبداه الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية لا مبرر له وأعتبروا أن أي تسوية أو ترضية من قبيل القفز على القانون والاستخفاف بهيبة الدولة، فيما ذهب آخرون إلى مشروعية مطالبة ممثلي القطاع الخاص بعدم تطبيق القانون.
من الواضح أن كلا التصورين لهما مبرراتهما إذا كانا ينطلقان من فهمهما لطبيعة الخلاف على ذلك النحو الذي تصوراه، لكن عندما يختلف الحال فإن الإشكال من طبيعة مختلفة.
من الأمور المتعارف عليها أن ظاهرة وجود اللوبيات الضريبية من الظواهر المرتبطة بوجود الدولة الحديثة التي تتصارع فيها مصالح الأفراد والهيئات وفق الحسابات والظروف الخاصة للمعنيين بالتشريعات الضريبية. وبالتالي فالنظر إلى المطالبة بمزايا ضريبية من زاوية الوطنية المثالية التي راجت في ثقافاتنا «الثورية» يعد ضرباً من ضروب التعامي عن مصالح الأطراف المتفاعلة في المجال الاقتصادي أو السياسي... إلخ، إن لم يكن إقصاء لها لأن ذلك الموقف قد ينزلق إلى رفض أي موقف يطالب بإعادة النطر بالعبء الضريبي الواقع عليه. وهو ما يتنافى مع جوهر التمثيل النيابي الذي يجد أساسه في تمثيل دافعي الضرائب.
على أن اللافت للإنتباه أن السجال في الحالة اليمنية قد خرج من أروقة المجلس وتحول إلى خلاف حول قانون واجب النفاذ؛ مما يعيد طرح إشكالية المشروعية الضريبية بصورة أخرى. حيث أن المشروعية الضريبية تجسدها قوانين متوافق عليها وطواعية في تنفيذ تلك القوانين من قبل الملزم الضريبي. فالمشروعية الضريبية تتحقق في استنادها إلى مبادئ راسخة في الدولة الحديثة:
 المبدأ الأولى: هو المبدأ الكلاسيكي أن الشعب من الناحية النظرية هو الذي يضع الضرائب على نفسه وعملياً، السلطة التشريعية هي المخولة بممارسة حق الشعب في وضع تلك التشريعات، غير أن الحالة اليمنية تبدو مخالفة لتلك القاعدة كون مجلس النواب، المعني بوضع التشريعات الضريبية، دوره محدود في اقتراح القوانين، وتحول من خلال تجربته الطويلة، من غرفة لاقتراح وتشريع القوانين إلى غرفة لتسجيل القوانين. والتوافقات التشريعية لا تقرر داخل اروقته حتى يأتي التشريع منسجماً أو متوافقاً مع المصالح المتصارعة التي يفترض أنه يمثلها. وهذا يعيد طرح إشكال عميق مؤداه أن طغيان الحسابات السياسية يضعف التعبير عن مصالح الأطراف المتباينة علاوة على أن التكوين الهش لأغلبية اعضاءالمجلس وعدم الدراية بالدور التشريعي يضعف من تمثيل المصالح التي يمثلونها.
- المبدأ الثاني: ترتبط المشروعية الضريبية في أي بلد بمدى ما تتمتع به المالية العمومية من شفافية، فكلما كان هناك نظام شفاف في تحصيل الأموال العمومية وانفاقها كان الناس أكثر ميلاً للتفاعل مع الأعباء الضريبية المكلفين بها، والعكس اذا انعدمت الشفافية. وفي حالة اليمن ومن خلال التجربة ما زالت المالية العمومية ومعاملاتها ملفوفة بغموض وتثير الكثير من التساؤلات حول النفقات العمومية والايرادات فضلاً عن ان صورة المأمور الضريبي ومتحصل الزكاة من الصور المثيرة للاستنكاف والشبهات.
ومع أن المادة (58) من العام 1991م قد الزمت مثل هؤلاء وغيرهم، ممن لهم علاقة بالاشتغال بالأموال العمومية، بالتصريح بممتلكاتهم قبل شغلهم لتلك الوظائف، إلا أن القانون لم يُحترم. والصورة البادية للعيان أضحت بينة في الثراء الذي بلغه شاغلو تلك الوظائف ولعل ذلك مبعث التردد في الثقة بالتدابير الواعدة بالشفافية واجتثاث الفساد، لا سيما أن بعبع متحصل الواجبات قد ترسبت في النفوس منذ أمد بعيد.
-المبدأ الثالث: المساواة امام القانون ويقتضي ذلك توزيع الأعباء الضريبية بين المواطنين بالكيفية التي تساهم في إعادة توزيع المداخيل وتمكن الدولة من الاضطلاع بمهامها، لكن في الحالة اليمنية تبدو الصورة مختلفة، حيث يقع العبء الضريبي على مداخيل الأجور والمرتبات، التي وصلت في بعض السنوات الى مستويات فاقت العوائد المحققة من ضرائب الشركات والأرباح بسبب سهولة استقطاعها من المنبع فضلاً عن أن الحد الأدنى للدخل المعفي ثلاثة آلاف ريال بعد أن ظل لسنوات طويلة، عرفت بتدني قيمة العملة الوطنية (1800) ريال فقط، وهو ما يؤكد أن المشرع الضريبي اليمني لا يلقي بالاً لمسألة المساواة أمام القانون، ويغلب على تشريعاته التهرب من فشل الإدارة الضريبية وانتشار الرشوة والمحسوبية؛ مما يضاعف من وطأة إغفال المساواة بين المواطنين في العبئ الضريبي كون الهاجس المسيطر هو الهاجس المالي.
باستحضار تلك المبادئ التي تتأسس عليها المشروعية الضريبية ويجسدها الرضا والطواعية في قبول العبء الضريبي تكون المحصلة النهائية ان يكتسي السجال في الحالة اليمنية طبيعة خاصة يصعب فيها تقرير المواقف على نحو جازم وحاسم وهو ما يؤكده الاختلاف حول الضريبة علىالمبيعات لأزيد من ثماني سنوات، والتوصل في كل مرة إلي ترضيات وتسويات محدودة الأصل مع أن الإشكال كامل في النظام الضريبي برمته، الذي بات يتطلب إصلاحاً ضريبياً شاملاً لا يقتصر فقط على الضريبة العامة على المبيعات المعروفة بالضريبة على القيمة المضافة، لأن الدول التي طبقت هذه الضريبة لم تكن إلا خاتمة لإصلاح ضريبي شامل إنطلاقاً من القاعدة المعروفة في التشريعات الضريبية بأن: «الضريبة تقتل الضريبة» إلى أنه كلما عمد المشروع إى استحداث ضرائب على ضرائب قلت المردودية الضريبية، بعكس ما يكون عليه وجود نظام ضريبي يتسم بالسهولة والبساطة والحياد. والمردودية كما هوحال الضريبية على المبيعات او الضريبة على القيمة المضافة.
لكن في حالة وجود نظام ضريبي متعدد، وإدارة ضريبية تسودها الفوضى ويغيب عنها احترام المساواة وضعف دور السلطة التشريعية في التشريع الضريبي، لأسباب ذاتية أو موضوعية، يتصاعد الخلاف وتتعدد وجهته وفق ما تطرحه المشروعية الضريبية وقد بدا ذلك واضحاً في النقاط التي تقدم بها ممثلو القطاع الخاص للحكومة والتي تمحورت حول: إبداء المرونة بالنسبة للموعد القانوني لتقديم الاقرار وإعفاء المكلفين من الغرامات المستحقة، قبول الإقرار المقدم من المكلفين، وعدم إرسال مأموري الضرائب إلى المكلفين خلال عامي 2007 و2008م، تلتزم المصلحة بعدم محاسبة المكلفين عن ضريبة الارباح التجارية والصناعية لعام 2007م إلا بموجب قانون ضرائب الدخل بعد التعديل، الابلاغ عن أي موظف يسيء إلى الوظيفة العامة وتنفيذ العقوبات بحقه، لا يتم الحجز التحفظي إلا بقانون، مراعاة ظروف المكلفين في مسك السجلات ورفع دعاوى التهرب أمام القضاء... الخ.
من الواضح أن المخاوف التي يبديها ممثلو القطاع الخاص ترتبط بجملة من التراكمات التي هيمنت على علاقة الإدارة الضريبية بالملزم الضريبي وهي علاقة يشوبها التوجس والارتياب، ناهيك عن كونها ارست اسلوباً للتعامل ما بين الطرفين محاطاً بالشكوك والتسويات خارج إطار القانون نتيجة لعدة اسباب تتعلق بالتشريعات وتطبيقها وبالإدارة المنفذة.
أما فيما يتعلق بالضريبة على المبيعات فهي من الوسائل الجبائية الأكثر سهولة ويسر وهي مشجعة للاستثمارات. وارتفاع المداخيل الحقيقية للأفراد والتاجر أو المصنع لا يعدو كونه ملزماً قانونياً ليس إلاّ، أما الملزم الحقيقي بها فهو المستهلك وإذا ما توافرت جملة من الشروط فإنها الأكثر مردودية والأقل وطأة وعدالة على الملزم الضريبي.
 
* باحث في المالية العامة والمنازعات الضريبية

إقرأ أيضاً