- علي الضبيبي
أمر مخيف لا محالة، ومُفجع حد الجنون.
أن تكون على سرير النوم تداعب أطفالك وأمهم، والأمان والضوء، ثم تصلك نسخة من حكم يقضي بإعدامك رمياً بالرصاص!
ذلكم ما حدث بالفعل مع محمد سعيد المرقشي (مواطن يمني بالطبع) يسكن أبين الجنوب، وعلى بعد أمتار من مقر محكمة زنجبار الابتدائية يقع منزله. «تلقيت النبأ في فبراير 2006 وأخفيته عن أهلي وأولادي خشية أن تصيبهم الصدمة»، هكذا يحكي ويترجم مشاعر اللحظة الفاجعة.
الحكم الصادر غيابياً لم يكن طريَّاً أو طازجاً حين تلقاه، لكنه صدر في 14 ديسمبر 2004، يقضي بالإعدام، وسجن ستة آخرين، أقلهم سنة وأكثرهم خمس. قاضي المحكمة محمد سالم إبراهيم الحريبي في رسالة خطية للمرقشي بتاريخ 25/2/2006: «أقسم بالله العظيم (...) بأني لم أحكم القضية رقم (3) 96م ولم أشاهد المتهمين» يقطع القاضي، الذي ترأس جلسة النطق بالحكم كما ورد فيه، ومثله أمين السر، الخضر عبدالله علي، الذي نفى هو الآخر أن يكون علم بها أو حضر أي جلسة رأسها القاضي المذكور.
قضية خطيرة وحكم أخطر. وعنفوان القبض القهري بدأ يزحف صوبه من نيابة زنجبار الابتدائية لتنفيذ الحكم، على الرغم من النفي القاطع خطِّياً من مُدبِّج الحكم وأمين سر الجلسة.
لاذ المرقشي بالمحافظة، حيث لا عاصم، ونثر أدلة القطع الكافية بين يدي المحافظ فريد أحمد مجور، والذي بعث بدوره مذكرتين عاجلتين بتاريخ 14مارس 2006 إلى وزير العدل والنائب العام يطالبهما بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق في هذه الواقعة بعد تأكيدات مدير عام الشؤون القانونية بأن ذلك الحكم قد صدر مخالفاً لقواعد الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 94، وأن هناك شكاً كبيراً وتزويراً واضحاً في الحكم -تقول المذكرتين!
فكان رد النائب العام على المحافظ في 3 مايو 2006 «نود الإحاطة بأن صدور الحكم بالإعدام غيابياً يعتبر حكماً تهديدياً وعلى مقدم التظلم أن يسلم نفسه للنيابة للتصرف بشأنه وفقاً للقانون»، ماذا يعني هذا الرد؟! حكم مزور يقضي بإعدامك، تنفيه المحكمة، وسيادة النيابة تعتبره تهديد(!)، هذا الرد يتنافى مع رد آخر لوزير العدل د. غازي الأغبري على مذكرة المحافظ يفيد بأنه تم إحالة القاضي الذي أصدر الحكم إلى مجلس القضاء الأعلى لإحالته إلى مجلس المحاسبة من أجل اتخاذ الاجراءات اللازمة وفقاً للقانون.
هب أن الحكم صحيح لكنه تهديدي، لماذا يحال القاضي إلى مجلس القضاء، بل ولماذا عزل فيما بعد؟!
لم تنته قضية هذا الحكم في كونه مزوراً وفقط، ولا بعزل مصدِّره، ولكن هناك انتهاكات صارخة لشرف مواد قانونية، وعبث واضح في تعامل النيابة مع سير موضوع القضايا، فإذا افترضنا موضوعياً صحته، فإن ركود القضية من تأريخ تسليم ملفها في 30/12/1995 لمدة عشر سنوات من قبل النيابة يتنافى والمادة (22) من قانون الإجراءات الجزائية، التي لا تجيز «للنيابة العامة وقف الدعوى الجزائية أو تركها أو تعطيل سيرها أو التنازل عنها أو عن الحكم الصادر فيها أو وقف تنفيذها..»، فكيف بقضية كهذه وبمتهمين (7) أُطلق سراحهم بأمر قضائي في 25/1/96، ولم يطالب حتى أولياء الدم بتحريك الملف.
وطوال كل هذا الفترة يقول المرقشي: «لم تحرك النيابة الملف ولا القضية من تاريخ تحويله إلى المحكمة في 30 ديسمبر 95 إلى أن أعيد إليها في 21 يناير 2005 وفيها الحكم، ولماذا حينها لم تصدر أوامر قبض عليَّ؟!» يتساءل الرجل، وهو يذرع شوارع صنعاء، متأبطاً شبح الموت، من وزارة العدل إلى حقوق الانسان، و منها غرباً إلى مكتب النائب العام، وأخيراً اللجوء بكنف الصحافة.
من ناحية أخرى توجب المادة (434 - إ. ج) «على النيابة العامة أن تعرض القضية على المحكمة العليا مشفوعة برأيها إذا كان الحكم صادراً بالإعدام أو بقصاص أو بحد يترتب عليه ذهاب النفس أو عضو من الجسم». وهي ما تنطبق على هذه القضية لكن لا شيء من ذلك كان!
تراجيدية المشهد الأسود في هذا الموضوع مستمرة رغم ثبوت التزوير: «فقد شكلت لجنة قضائية من التفتيش برئاسة القاضي احمد الحمودي وبإشراف د. عبدالله فروان للتحقيق، انتهت مهمتها بعزل القاضي في 18 سبتمبر 2002»، حسب قوله.
لكن يبدو أن ثمة شيئاً في إبط القدر تخفيه النيابة ضد الرجل، خاصة وقد أغلق النائب العام كل نوافذ المخاطبة معه -كما يشكو، خاصة وسبع مذكرات وجهت إلى النائب العام بدءاً برئاسة الجمهورية، والوزراء، ووزيري العدل، وحقوق الانسان وغيرها، «لا جدوى للأسف» يقولها بهدوء غير مطمئن؛ فما يزال الحكم قائماً ولم تعمل النيابة على إسقاطه وإلغائه، مع أن القانون إ. ج في مادتيه (454 و539) يعطي الحق للنائب العام أن يطلب من المحكمة العليا في أي وقت بعد فوات المواعيد المقررة للطعن إلغاء أو تعديل أي حكم أو أمر قضائي لمصلحة القانون إذا انطوى الحكم أو القرار على مخالفة للقانون أو في خطأ تطبيقه.
القضية لم تضع أوزارها بعد، والنيابة العامة عمارة ضخمة في مذبح (!) وموت المرقشي غير مؤجل! فهو لا يمتلك تفويضاً لعرض هذه القضية على مجلس القضاء لإلغاء الحكم، وأخذ الإذن من مجلس القضاء الأعلى لإقامة الدعوى الجزائية ضد مصدِّره، وحده د. العلفي يستطيع!
محمد سعيد في انتظار المجهول: الموت، أو المقاضاة المدنية للتعويض وفقاً لقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991 (م88) الذي يشترط النائب العام في طلب الإذن من المجلس لرفع الدعوى الجزائية على القضاة، ويعين مجلس القضاء الأعلى المحكمة التي تتولى محاكمة القاضي.
جذور القضية انطلقت شرارتها نهاية العام 94م، بسبب تبادل إطلاق نار بين المرقشي ومجموعة حاولت اقتحام بيته الذي يدعي الهجوم ملكيته، فكان الضحية احد الناس الذي لم يكن طرفاً البتة. حينها ألقي القبض على المتهمين السبعة (الدفاع والهجوم) وأدخلو السجن وأطلق سراحهم بطرق مختلفة، وبعضهم بأوامر قضائية ومنهم المرقشي الذي أُفرج عنه في 25 يناير 1996 بناءً على توجيهات رئيس محكمة استئناف أبين.
أنكره القاضي، نفاه أمين السر.. والنائب العام يعتبره تهديدياً! المرقشي.. يذرع شوارع العاصمة متأبطا حكم إعدامه!
2006-12-13