نقابة الصحفيين وشرعنة القمع - عبد الباري طاهر
يرجع تأسيس جمعية الصحفيين اليمنيين إلى ال 22 من ابريل 76م، في صنعاء، وهو نفس العام الذي تأسست فيه منظمة الصحفيين الديمقراطيين في ال5 من مايو في عدن.
كانت اتفاقية الوحدة في القاهرة عام 72، وبيان طرابلس بين الشمال والجنوب، بداية تفتح وازدهار في الحريات العامة والديمقراطية في الشمال، فقد قامت حركة ال14 من يونيو التصحيحية عام 1974 كثمرة من ثمار اتفاقية الوحدة وتطبيع العلاقات الأخوية بين الشمال والجنوب، وتشكيل لجان الوحدة لصياغة وثائق دولة الوحدة. رفعت حركة يونيو بقيادة المقدم إبراهيم محمد الحمدي شعار " بناء الدولة العصرية الحديثة "، دولة المؤسسات والقانون. وفي حمى المواجهة مع كبار المشايخ جرى السماح بإنشاء بعض المنظمات الجماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني.
لقد تأسس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عام 72 أيضا عقب الاتفاقية المشار إليها. وكان الاتحاد الأدبي أول منظمة جماهيرية إبداعية يتوحد فيها المبدعون من الشطرين.
ولعب الاتحاد دوراً مدهشا في التواصل بين الأدباء والكتاب، والدفاع عن الحريات والثقافة الوطنية، وتحدي الانقسامات والاتجاهات التشطيرية والانعزالية. وكانت مجلته "الحكمة" التي رأس تحريرها المناضل عمر عبد الله الجاوي، منبرا ديمقراطيا وحدوياً بامتياز، فقد تصدت المجلة وافتتاحياتها الشجاعة، للتشطير، ودافعت عن التعددية السياسية والفكرية والحزبية والوحدة.
وللحقيقة فإن النزعة اللبرالية عقب حركة نوفمبر 67 والاتجاه الاصلاحي التصحيحي عقب حركة يونيو 74 في صنعاء قد أسسهما في خلق مناخ موات لقيام العمل النقابي، وبروز نشاط الأحزاب السياسية الحزبية السرية:
- منظمات وأحزاب اليسار الماركسي: الحزب الديمقراطي الثوري، الطليعة الشعبية، اتحاد الشعب الديمقراطي، حزب العمل، والمقاومون الثوريون.
الأحزاب القومية: حزب البعث العربي الاشتراكي، الناصريون الوحدويون، إضافة إلى تجمع الضباط الأحرار " السبتمبريين ".
وفي هذا المناخ الحي والفتي استعاد اتحاد العمال حيويته ونشاطه. كما تأسست عدة منظمات جماهيرية، منها: نقابة الأطباء، جمعيات: الصحفيين والمحامين والمهندسين الزراعيين.
منذ البداية كان هناك تنسيق بين الصحفيين شمالا وجنوبا. وجرت عدة لقاءات في صنعاء وعدن لتنسيق المواقف خصوصا ما يتعلق بالتمثيل في اتحاد الصحفيين العرب وبعض المنظمات الصحفية الدولية.
وإذا كان التوحد صعبا في ظل سياسات مختلفة ومتباينة بين الدولتين الشطريتين فقد كان التمثيل في اتحاد الصحفيين العرب واحدا.
انتخابات المنظمة في الجنوب كانت غاية في الشكلية، لأنها تجري بالبطاقة الحزبية منذ التأسيس، ويفوز فيها من يختارهم التنظيم السياسي للجهة القومية (الحزب الاشتراكي فيما بعد). أما في الشمال فكانت الانتخابات معركة حقيقية بين النظام والمحسوبين من الصحفيين عليه، وبين الجسم الصحفي: أحزاب اليسار والقوميين والمستقلين.
وكثيرا ما انتهت الانتخابات باعتقالات في صفوف اليسار الماركسي ذي النفوذ الأكبر في النقابة، أو مصادرة الصناديق وتزييف الانتخابات. وعلى مدى عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات وحتى اليوم كانت انتخابات الأدباء والصحفيين مؤشرا مهما للعلاقة بين الحكم والمعارضة السياسية، وعلى مدى لبرالية النظام وتفتحه وقبوله بالآخر.
يجري حاليا الاستعداد لانتخاب نقيب جديد للصحفيين بعد أن استقال الأستاذ محبوب علي.
منذ قيام الوحدة في ال22 من مايو 90. وتوحد النقابة، أصبحت قضية القانون هي من أهم المشاكل التي يدور من حولها الجدل والخلاف، ففي حين تحرص الدولة على إعادة صياغة القانون بما يزيد من التضييق على الهامش الديمقراطي، ويسهم في خنق الحريات، ومصادرة الرأي، فإن الصحفيين ونقابتهم يرفضون أي تعديلات إلى الأسوأ في القانون رقم 25 لسنة90 أو سن تشريع بديل يضاعف القيود على الحريات الصحفية. وينال من الهامش الديمقراطي الذي يمثله القانون الحالي.
وحقا فإن مؤتمرات النقابة الموحدة منذ 7 يونيو 90 وما تلاها كان التشريع حاضرا بقوة في المؤتمر التوحيدي، وفي المؤتمرات اللاحقة. وإذا كان القبول بالتعديلات على قانون الصحافة هو السبب الرئيس في مجيء الأستاذ محبوب علي كنقيب، فإن العجز عن تمرير خمسة مشاريع قوانين هي خلفية مهمة لاستقالته. فقد كان محبوب أميل للتعديلات المرادة، واقرب للقبول ببعض المشاريع المقدمة، في حين كان المجلس والجسم الصحفي ابعد ما يكون عن المساومة أو القبول بتعديلات أو تشريع يحد من الحريات الصحفية، ويلتف على الهامش الضيق الذي يتيحه القانون الحالي رغم ما يحمل من قيود ومواد عقابية كثيرة. لقد تصدت النقابة بجسارة وقوة للعدوان شبه اليومي على الحريات. وخلال العامين الماضيين أصبحت الحريات الصحفية ميدان المواجهة بين الحكم وجميع المطالبين بالإصلاحات ومحاربة الفساد والاستبداد، وتوسيع هامش الحريات والدفاع عن لقمة الخبز الناشف والكفاف. بلغت المواجهة بين الصحافة والحكم حد الاعتقال والضرب والاختطاف والتهديد بالموت. وزاد موقف النقابة صلابة وتحد. وقفت مؤسسات المجتمع المدني إلى جانب الحريات، واهتمت الأوساط الصحافية العربية والدولية بموقف الصحفيين والصحافة اليمنية الواعدة.
وقد أدت الإجراءات اللا ديمقراطية والقامعة إلى تراجع مكانة الديمقراطية اليمنية، وتحولت اليمن من دولة في طليعة الديمقراطيات الناشئة إلى دولة قامعة، مما مثل انتكاسة حقيقية للحكم، واسهم في حرمان اليمن من الحصول على ثلث مساعدات صندوق النقد الدولي.
استقالة النقيب محبوب علي فتحت كوة للحوار بين الحكم والمجلس الحالي. ففي لقاء ودي بين السيد رئيس مجلس الوزراء الأستاذ عبد القادر باجمال ومجلس النقابة، تم ما يشبه التوافق على حصر الانتخابات والتنافس على منصب النقيب، واستكمال المجلس مدة دورته بموجب القانون الأساس للنقابة، وربما جرى تبادل الإشارات المشفرة إلى النقيب القادم والجديد. ومهما يكن فإن المهمة الأساس أمام الصحفيين هي الحرص على التنافس الديمقراطي، والتباري على أساس البرامج، والتزام المرشحين بوضوح برفض المشاريع المقدمة " الخمسة "، والتقيد بقرار الجمعيات العمومية في صنعاء وعدن وحضرموت الرافض لهذه المشاريع، والالتزام بالمحددات المقدمة من قبل الجسم الصحفي.
في الأنظمة العربية الفاسدة والمستبدة تقدم امتيازات وتسهيلات للصحفيين مقابل " التوافق " على منصب النقيب.
ولا تختلف اليمن عن شقيقاتها العربية إلا في أنها تجوع الصحفيين وتختطفهم وتقوم بضربهم وسجنهم ثم تريد إملاء الارداة عليهم بالتحايل والإرغام كبقية فئات الشعب.
نقابة الصحفيين وشرعنة القمع
2006-06-07