عبدالباري طاهر - " هل تجري انتخابات؟ "
قبل بضعة أشهر قذف الرئيس علي عبد الله صالح بحجر عدم الترشيح في واقع سياسي آسن يبدو راكداً ولكنه في العمق شديد الاضطراب.
لم يحمل تصريح صالح على محمل الجد؛ فحزبه الحاكم، المؤتمر الشعبي العام" بدا كما لو أنه قد قرأ رسالة رئيسهِ جيداً، فرفض مجرد التعاطي معها، بل ودعا إلى ممارسة ضغط شعبي عليه؛ ليتراجع عن قراره. وقام الحزب إياه بنشاط محموم لحشد الناس؛ لإرغام الرئيس على التراجع عن قراره. أمَّا المعارضة السياسية "اللقاء المشتركـ" فبنوع من عدم التصديق والخبث راحت تحرض الرئيس على التمسك بالوعد وعدم التراجع. وبين حزب الحاكم والمعارضة غرقت الغالبية العظمى من المواطنين في الهم اليومي المتجلي في أزمة معيشية خانقة وبطالة متفشية وفقر عام يصل تخوم المجاعة.
إن الانشغال بانتخابات الرئاسة اليمنية لا يعني الكثير إلا بمقدار تجنيب اليمن ويلات الحروب، ومآسي الصراع الذي صبغ تاريخها القديم والمعاصر -وبالأخص المعاصر- بالأحمرالقاني.
الديمقراطية اليمنية بعامة والانتخابات بخاصة، شكلية وإلى حدٍّ بعيد؛ فانتخابات الرئاسة أقرب للاستفتاء والبيعة منها لانتخابات بأي معنى.
كما أنَّ سجلات قيد الناخبين حبلى بغالبية الشعب اليمني؛ فهناك مئات الآلاف من الأسماء المكررة وصغار السن! واللجنة العليا للانتخابات إدارة حكومية تتبع حزب الحكم وتنصاع لإرادته اللا ديمقراطية. ويمثل سجل قيد الناخبين، الذي يضم ما يقرب من عشرة ملايين من شعب لا يزيد تعداده عن عشرين مليوناً، 57 % منهم دون السن القانونية للانتخاب، وأكثر من ثلاثة ملايين مغترب.
لم يتبقَ على زمن الانتخابات الرئاسية والمحلية أكثر من ثلاثة أشهر، ومع ذلك فإن الدولة وحزب الحكم يصران على إجراء الانتخابات في ظل إشراف لجنة غير مستقلة وغير محايدة، وبسجل قيد ظاهر البطلان والفساد؛ مِمَّا يعني تصميم الحكم على اغتصاب الحكم بانتخابات أقل ما توصف به أنها صورية وغير ديمقراطية! وفي حين تتلكأُ المعارضة في تقديم مرشح منافس للرئيس متوافق عليه، فإن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر زعيم التجمع اليمني للإصلاح قد ألمح إلى أنه غير مهتم بانتخابات الرئاسة، وإنما هو مهتم فقط بانتخابات المجالس المحلية. ولا تخفى على المتتبع العادي الإشارةُ الموارِبة للتصريح؛ فالشيخ بإعلانه عدم الاهتمام بالمنافسة على الرئاسة يعني أنه يقايض بها مقابل الحصول على مقاعد أوسع في المحليات وبالتالي في الانتخابات النيابية، خصوصاً إذا ما أدركنا حرص الشيخ الأحمر على استمرار التحالف القبلي العسكري. وكان الأحمر قد صرح في مقابلة مع الجزيرة عندما سُئِلَ عن ترشيح الرئيس، فأجاب:" جني تعرفه ولا إنسي لا تعرفه". وهو مثل يمني شعبي يستخدم للقبول بالسيئ المعروف أفضل من الأفضل غير المعروف. وإذا كان زعيم الإصلاح حريصاً -كما يبدو- على المساومة والمقايضة غير الديمقراطية؛ فإن بقية أحزاب اللقاء المشترك ليست في وضع يتيح لها حرية الاختيار أو المساومة.
اختزال الأزمة في الانتخابات، سواء للرئاسة أو المحليات أو الانتخابات العامة في اليمن، لا يجيب على أسئلة الأزمة الشاملة التي تطحن البلاد والعباد والأدهى أن يتجه خطاب الأزمة نحو التلويح بـ"العصا الغليظة" مِنْ قِبَل الحكم والإصلاح على حدٍّ سواء ففي حين لوَّحَ الرئيس صالح باستيقاظ الثعبان النائم، فإن الشيخ حميد الأحمر (نجل الشيخ عبد الله)، والعضو الإصلاحي قد دعا إلى ثورة شعبية، فهل وصلت الأزمة حد استحالة البقاء في الحكم بدون استخدام القوة أو، على الأقل، التذكير بأنها أساس الشرعية من جهة الحاكم وكتعبير عن يأس المطالبين باقتسام الكعكة من اللعبة الديمقراطية الشكلية، والرجوع إلى شرعية القوة التي يتقن الجميع بمهارة استخدامها؟! لا تشكو اليمن من غياب الديمقراطية أو سلامة ونزاهة الانتخابات فقط، على أهمية ذلك، وإنما تشكو أيضا من أوجاع تكاد تكون شاملة؛ فالسلطات كلها تُختزل في السلطة التنفيذية، ثم في شخص رئيسها، كما أنَّ القضاء فاسد وتنقصه الكفاءة والاستقلالية، ومجلس النواب ملحق بالسلطة التنفيذية وتابع لها، ولا يوجد فصل حقيقي بين سلطات متعددة في الأسماء وغارقة حتى الآذان في الفساد والاستبداد. والصراع الفاضح بين النخب الحاكمة من جهة وبينها وبين الطرف الأقوى في المعارضة إنمَّا يدور من حول مصالح وأرقام فلكية، وتحديداً من حول اقتسام وإعادة اقتسام كل شيء، بما فيها تركة الرجل المريض.
" هل تجري انتخابات؟ "
2006-05-31