سنوات الجحيم التي يعيشها أبناء المحافظات الجنوبية المسماة مجازًا المحافظات المحررة، طالت كثيرًا، وفاقت العقل والمعقول.
فإن هممت لتأخذ نظرة، حتى نظرة سريعة، لأحوال الناس في هذه المحافظات، تصاب بصدمة كبيرة، صدمة عنيفة تدمى لها القلوب، وتهتز لها المشاعر قهرًا وكمدًا لما وصلت له أحوال الناس.
فليس هناك ما هو مستعصٍ أو بعيد المنال أمامك حتى ترى بأم عينك ما حل بأبناء هذه المحافظات من خراب وتدمير في كل شيء، فلم يسلم شيء إلا وأصابه هذا الخراب والتدمير.
وإن نويت الدخول أكثر في شرح شيء مما يعانونه، لا تدري من أين تبدأ، وأيهما أولى بك الدخول فيه!
فكل الخدمات منهارة: الكهرباء، الطرقات، الصحة، التعليم، عملة منهارة، وأصبحت أمام باقي العملات الأجنبية لا شيء.
ألم أقل لكم مسبقًا تحتار من أين تبدأ وأنت ترى هذا الخراب وقد غطى كل شبر من تراب هذه الأرض، ومعه لم يبقَ شيء للناس إلا موت داخل بيوتهم.
هذا إن طال صمت الإخوة في المجلس الانتقالي الجنوبي، وطال صبر الناس، لكنه كما يبدو أنه قد انتهى صبر الناس.
الإخوة في المجلس الانتقالي الجنوبي، أنتم من تتزعمون المشهد، وكسبتم أكثر من تفويض في أكثر من احتفالية أقمتموها، وآخرها قبل أيام في مدينة المكلا.
أغلب المحافظات الجنوبية كما تقولون إنها تولي بالطاعة لكم، وأن أبناءها رهن إشارة منكم.
للأمانة، الناس ما قصروا، أدوا اللي عليهم وأكثر، طلبتموهم للخروج، خرجوا وهم بحال يرثي لها.
وكل هذا ليس من الأمس، بل إنه من فترات بعيدة، أي منذ أن تم تأسيس مجلسكم.
ألم تسألوا أنفسكم لو لمرة واحدة: كيف الناس محتملون كل هذه البلايا والمشاكل الاقتصادية التي تعصف بهم، ونحن للآن لم نكن قد المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ولم نقدم لهم حتى الشيء البسيط الذي يجعلهم يتمسكون بنا أكثر وأكثر؟
ألم تروا معي أنكم ماهرون في خروج الناس لتأييدكم حتى على شيء تافه، المهم الخروج ولا غير الخروج.
أما أنكم تحشدون الناس صوب هدفهم، فهذا للآن لم نرَ له أي وجود بتفكيركم.
ادعوا الناس للخروج للمطالبة بحقوقهم وتحسين خدماتهم، وهنا ستكسبون أنصارًا جددًا تضاعف ما لديكم من أنصار، واتركوا الأسطوانة المشروخة التي مللنا سماعها عن القضية الجنوبية التي لم تتحرك من مكانها.
كثير من الناس غسلوا أيديهم منكم، ووصلوا لقناعة في عدم تحرككم إلا لما يعود بالفائدة لكم، فهل تأتون بنقيض لما يقوله الناس.
