صنعاء 19C امطار خفيفة

العشاء الأخير لصاحب الجلالة إبليس الأول* للشاعر العراقي الكبير أحمد مطر

العشاء الأخير لصاحب الجلالة إبليس الأول* للشاعر العراقي الكبير أحمد مطر
أحمد مطر

بعد الغزو العراقي الهمجي للكويت في 2 أغسطس 1990، كتب الشاعر العراقي الشهير أحمد مطر هذه الملحمة البديعة. وعندما سلمها للشاعر الكبير الأستاذ عبدالله البردوني، طلب من العزي الشاطبي قراءتها. وعند وصوله إلى البيت الذي يقول فيه: "أُسدٌ ولكن يحدّثون بثوبهم/ إن حركت أذنابها الفئرانُ"، ضحك ضحكة مدوية.

 
عند قوله: "تُخصى لنا الأسماع منذ مجيئنا/ شرعًا ويعمل للشفاه ختانُ"، قال الأستاذ إن هذه الأنظمة لا تمتلك شرعية داخلية، فتستمد شرعيتها من الدعم الخارجي. وعند البيت الذي يتحدث فيه عن الطغاة وجرائمهم، كان العزي الشاطبي يُكرر تلاوة الأبيات مثل: "كم باسمنا نشب النزاع ولم يكن/ رأي لنا بنشوبه أو شانُ" و"ونسير مقلوبين حتى لا تُرى/ مقلوبة بعينينا البلدانُ".
وكون البردوني هو الشاعر الوحيد الذي قال إنه استظهر الغيب وأن كل غيب كاشف بات له شهادة على صدق نبوءاته، عندما قال: "ليس لي فوق ما أضأت زيادة/ كل غيب كاشف بات شهادة"، إلا أنه توقف طويلًا عند تنبؤ أحمد مطر بأن هذه السابقة قد يكون لها لاحقة، بحكم "إن اللواحق للسوابق تنتمي/ وصنوان اتباع العدا صنوانُ".
بعد مرور أربع سنوات من غزو صدام للكويت، اجتاح علي عبدالله صالح، الرئيس السابق، المحافظات الجنوبية، ولم يعتبر بما جرى لصدام وللعراق، وكما قال صديقه القذافي، فإن صدام بغزوه للكويت قدم المنطقة العربية للأمريكيين في طبق من ذهب، مما قد يؤدي لخسارة اليمن لمناطق نجران وعسير وجيزان، التي غير المحتل اسمها إلى جازان. مُعتبرًا أن صدام قد سنّ سنة سيئة، ويتساءل: "هي سُنةٌ قد سنّها وثنٌ/ فماذا لو قفّت آثارها الأوثانُ"، مُشيرًا للأراضي اليمنية التي تنازل بها من لا يملك لمن لا يستحق، كمناطق نجران التي تبلغ مساحتها 420 ألف كم2.
ويختتم بتساؤله: "قل للجزيرة كيف حالت حائلٌ/ وبمن جرت لخربها نجرانُ/ وبكفّ من كفُّ القطيق تقطفت/ وبمن تعسّ في عسير أمانُ". كنت أتمنى لو استمر أحمد مطر في كتابة الشعر العمودي، إذ تُعتبر هذه القصيدة/ الملحمة من أعظم قصائد الشاعر على الإطلاق. تستحق الملحمة قراءة نقدية وتحليلية، إلا أنني أحرص على عدم تفويت متعة قراءة هذه التحفة الفنية.
ولنقف عند بعض أبيات الملحمة ونبدأ بالبيت الأول:
"وثنٌ يضيقُ برجسه الأوثانُ/ وفريسة تبكي لها العُقبانُ"
ففي هذا البيت يتناول أحمد مطر فكرة التناقض بين العبادة والفساد، إذ يمثل "الوثن" رمزًا للاستبداد والظلم، بينما تعكس "الأوثان" التبعية والإخضاع، منذرةً بضرورة الابتعاد عن هذه الشياطين. كما تشير "فريسة تبكي لها العقبان" إلى الضحية البائسة التي تعاني من الفساد، مما يخلق صورة قويةً عن ضعف الضحايا وقدرتهم المحدودة على الرد، مما يعكس الوضع المزري للمجتمعات المتضررة من الأنظمة الطاغية.
في البيت الثاني:
"ودمٌ يُضَمِّدُ للسيوف جراحها/ ويُعيذها من شرها الشريانُ"
يمثل الدم هنا رمزًا للتضحية والمعاناة، إذ يشير إلى الدماء التي تُسفك جراء الصراعات والظلم. الشاعر يبرز فكرة الإعانة والدعم في مواجهة الطغاة، فيتعامل مع الجرحى -سواء كانوا أفرادًا أو مجتمعات- الذين يعانون من الفوضى. هذه الصورة توضح قوة التحمل في مواجهة الأذى، لكنها أيضًا تشير إلى عدم كفاية هذا الدعم للتخلص من الشرايين السامة التي تسبب الألم والمعاناة المستمرة.
في البيت:
"تُخصى لنا الأسماع منذ مجيئنا/ شرعًا ويُعمل للشفاه ختانُ"
يشير الشاعر هنا إلى قمع حرية التعبير والفكر، إذ "تُخصى" تعكس ضعف القدرة على التنبيه والممانعة. استعارته لمفردة "ختان" تحمل دلالات ثقافية قوية عن كيفية التحكم والسيطرة على الأفكار، مما ينم عن وضع مأساوي، حيث تُسلب حقوق الأفراد في التعبير بحرية. فالصحوة التي يدعو لها الشاعر تبدو محكومة بالقيود، مما يزيد من حجم المعاناة والقهر المفروض.
في البيت:
"ونسير مقلوبين حتى لا تُرى/ مقلوبة بعيوننا البلدانُ"
هذا البيت يعبر عن حالة من الخوف والشلل الفكري، حيث يسير الناس في الاتجاه المعاكس المنطقي، مما يؤدي إلى فقدان الهوية والمصداقية. الصورة المجازية "مقلوبين" تعكس كيفية تشويه الحقائق وحيادها في ظل الضغوط السلطوية. كما تشير إلى أن الشعوب تعيش في حالة من الإنكار والتجاهل للواقع المحيط، مما ينتج عنه تداعيات خطيرة على المستقبل.
هذه الأبيات تعكس فكر الشاعر ونقده للأوضاع السياسية والاجتماعية، بحيث تجسد المعاناة، التناقض، والخوف من فقدان الهوية والحرية. استخدامه لرموز قوية وصور فنية يحفز القارئ على التفكير والتأمل في قضايا معاصرة.
بالطبع! يمكن تحليل أبيات أخرى بنفس الأسلوب. لنأخذ مثالين من الأبيات التي تحمل دلالات عميقة:
ونقف مع البيت:
"مكرٌ؟ وهل حلّفت بالقرآن قرآنًا لينكر أنه قرآنُ؟"
في هذا البيت، يتناول الشاعر فكرة النفاق وازدواجية المعايير، إذ يستنكر حالة المكر والخداع عندما يُقسم المرء بالقرآن ثم يتصرف بما يتناقض مع تعاليمه. تعكس هذه الصورة كيف أن الاستغلال السياسي للدين يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في القيم الروحية الحقيقية. هنا، يستخدم الشاعر تعبير "مكر" ليشير إلى الخداع الذي يتم في سياق ديني، مما يبرز كيف يمكن أن تُستغل المقدسات لأغراض تتعارض مع المبادئ العادلة. هذا يعكس تأثير القمع على المجتمع، حيث يُفرض على الأفراد اتباع معايير مزدوجة تدعوهم للتظاهر بالالتزام بالقيم الدينية، بينما يُمارَس الفساد.
وأما البيت:
"عربٌ ولكن لو نزعت قشورهم/ لوجدت أنّ اللب أمريكانُ"
هذا البيت يُظهر حالة من الغربة والافتقار للهوية الحقيقية. يعبر الشاعر عن الوضع الذي يبدو فيه العرب متشبثين بهويتهم، لكن حين تُنزع تلك القشور، تظهر التبعية الثقافية والاقتصادية للغرب. الشاعر هنا يُظهر كيف يمكن للثقافات الوطنية أن تفقد أصالتها نتيجة الضغوط الخارجية والتأثيرات الاستعمارية. والمقارنة بين "عرب" و"أمريكان" تخدم كودًا يبرز الفجوة بين الهوية الثقافية الحقيقية والمظاهر السطحية. هذا يعكس تأثير القمع على المجتمع من خلال إضعاف الشعور بالانتماء والهوية، مما يؤدي إلى شعور عام بالاغتراب.
وفي البيت:
"حتى المرارة أقلعت عن نفسها/ ولنا على إدمانها إدمانُ"
في هذا البيت، يعكس الشاعر كيف أن المعاناة أصبحت جزءًا من التجربة الإنسانية. يُشير إلى عدم القدرة على التحرر من الآلام والمشاعر السلبية، مما يدل على وجود حالة من الاستسلام للظروف القاسية. تعزز هذه الصورة مفهوم الاعتياد على المعاناة، مما قد يقود المجتمع إلى قبول الظلم بدلًا من محاربته. إذ يظهر التأثير السلبي للقمع على النفوس، إذ يتحول الانغماس في الألم إلى عادة، مما يؤدي إلى عدم القدرة على التغير والمضي نحو الغد الأفضل.
ونقف عند هذا البيت:
"ويخاف من فرط السكوت سكوتنا/ من أن تمر بذهننا الأذهانُ"
هذا البيت ينقل إحساس الخوف الذي يعاني منه المجتمع نتيجة القمع والتقيد. يُظهر الشاعر كيف أن السكوت يمكن أن يكون له عواقب وخيمة؛ فالصمت يغذي الخوف ويعزز استمرارية القمع. يمثل هذا البيت دعوة للتفكير في ضرورة التعبير عن الآراء والمواقف كوسيلة لكسر حلقة الصمت التي تُستخدم كأداة للسيطرة. يعكس التأثير السلبي الذي يفرضه القمع على حرية التفكير والتعبير، مما يؤدي إلى عواقب سلبية على الأفراد والمجتمع بشكل عام.
تمتاز هذه الأبيات بمحتوى عميق يعكس التأثيرات السلبية للقمع على المجتمع، سواء من خلال فقدان الهوية، أو الخداع الذي يُستخدم في الممارسات الدينية، أو القبول بالمآسي كجزء من الحياة اليومية. تعتبر هذه الأبيات نافذة تعكس المعاناة والتحديات التي يواجهها الأفراد والجماعات في سياق سياسي وثقافي معقد.
يمكن تناول موضوع القمع مع تحليل بعض الأبيات بشكل انسيابي دون ترقيم.
تُظهر الأبيات بوضوح كيف تؤثر الأنظمة القمعية على الهوية الإنسانية والتواصل الاجتماعي. في واحد من هذه الأبيات، يشير الشاعر إلى الوضع الذي يجعل الأفراد يتعاملون مع واقعهم كعبيد للظروف، إذ يتعذر عليهم التعبير عن آرائهم بحرية. يُعبر الشاعر عن حالة صامتة من العجز، مما يجعل الكلمات تتلاشى في صدورهم كأنها أصداء غير مسموعة. يتجلى تأثير القمع هنا من خلال تصوير الحالة النفسية للأفراد الذين يعيشون في ظل أنظمة لا تسمح بالاختلاف أو الاحتجاج، وتصير آراؤهم مجرد أفكار محبوسة في زوايا عقولهم.
في بيت آخر، يتناول الشاعر معنى الاغتراب، غذ يتعرض الأفراد لضغوط تتسبب في تشويه هويتهم الثقافية. يبرز التباين بين ما يتمسك به الناس من قيم وعادات وبين ما يُفرض عليهم من قيود واعتبارات. تدل الكلمات على الارتباك والشعور بالفقد، مما يجعل حالة الاغتراب تتعمق وتصبح جزءًا من الذاكرة الاجتماعية. يمكن رؤية هذا التأثير في كيفية تفكك الروابط الاجتماعية، إذ يؤدي القمع إلى عدم الثقة بين الأفراد، مما يعكس كيف أن الخوف من الانتقام أو النقد يجعل من الصعب على الناس التعاون أو التضامن.
أيضًا، يسلط الشاعر الضوء على معاناة الجيل الجديد الذي ينشأ في بيئة قمعية. يتأمل في كيف يمكن للأجيال أن تفقد الأمل وتصبح مستسلمة، إذ تستمر في دائرة من الكآبة وعدم الاستقرار. تعكس هذه الأبيات كيف أن القمع يمكن أن يعبر عن نفسه في فقدان التعبير الفني والإبداع، إذ يشعر الشعراء والكتّاب بأن صوتهم قد خُفِّض بفعل التهديدات والمخاطر المفروضة.
في أحد الأبيات، يأتي الحديث عن التضحيات التي يضطر الناس لتقديمها في صراعهم من أجل النجاح والحرية. يعكس الشاعر كيف أن النضال من أجل حقوقهم يستلزم الكثير من الألم والمعاناة. يسعى الأفراد إلى العيش بشرف في ظل قمع يحيط بهم، مما يعتبر شهادة على قوتهم الداخلية وإرادتهم في مواجهة الظلم. إلا أن التضحيات التي تُقدم تثير تساؤلات عن مدى فاعلية هذا النضال، مما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمعات في سعيها نحو التحرر.
بينما تسلط هذه الأبيات الضوء على موضوع القمع وتأثيراته، تظهر أيضًا العوامل التي تمثل الأمل والصمود. تحتوي الأحداث والحكايات المذكورة على معانٍ عميقة حول كيفية تمسك الأفراد بتطلعاتهم رغم الأوضاع القاسية. يستطيع الشاعر أن يبرز تلك اللحظات التي تشع فيها الإنسانية قوةً حتى في الأوقات الأليمة، مما يحث المجتمعات على عدم الاستسلام للظلم، بل على العكس، السعي نحو تحقيق العدالة والسير في درب النضال.
بهذه الطريقة، يرتبط موضوع القمع بشكل متكامل مع تحليل الأبيات، مما يعكس تأثيرات هذا القمع على الأفراد والمجتمعات من جميع جوانب الحياة.
ومهما قدمنا بين يدي هذه الملحمة من تحليل لبعض أبياتها، فإنها تحتاج للوقف عند كل بيت إلى دراسة مطولة، بل إلى كتاب بله مجلد، ولذا سأكتفي بما تقدم، وأضع بين يدي القارئ الملحمة، فهي تستحق القراءة مرات ومرات كونها تحاكي واقعنا مع الطغاة في الحاضر والماضي؛ وكم كنت أتنمى على أحمد مطر لو استمر في كتابة الشعر العمودي كهذه القصيدة/ الملحمة التي تعد أعظم قصائده على الإطلاق، والملحمة بحاجة لقراءة نقدية وتحليلية، إلا أنني أحرص ألا أفوت عليكم متعة قراءة هذه الملحمة البديعة:
وثنٌ يضيقُ برجسه الأوثانُ وفريسة تبكي لها العُقبانُ
ودمٌ يُضَمِّدُ للسيوف جراحها ويُعيذها من شرها الشريانُ
هي فتنة عصفت بكيدك كلِّه فانفذ بجلدك أيها الشيطانُ
ماذا لديك؟ غوايةٌ؟ صنها فقد أغوى الغواية نفسها السلطانُ
مكرٌ؟ وهل حلّفت بالقرآن قرآنًا لينكر أنه قرآنُ
كفرٌ؟ بماذا؟ ديننا أمسى بلا دين وأعلن كفره الإيمانُ
كذبٌ؟ ألا تدري بأنّ وجوهنا زورٌ وأنّ نفوسنا بهتانُ
قرنان؟ ويلك عندنا عشرون شيطانًا وفوق قرونهم تيجانُ
يا أيها الشيطان إنك لم تزل غِرّا وليس لمثلك الميدانُ
قف جانبًا للإنس أو للجن واتركنا فلا إنسٌ هنا أو جانُ
قف جانبًا كي لا تبوء بذنبنا أو أن يدينك باسمنا الدّيانُ
إن يصفح الغفار عنك فإننا لا يحتوينا الصفح والغفرانُ
أُنبيك أنّا أُمّةٌ أَمَيةٌ تباع وتشترى ونصيبها الحرمانُ
أُنبيك أنّا أُمّةٌ أسيادها خدمٌ وخيرُ فحولها خصيانُ
قِطعٌ من الكذب الصقيل فليس في تاريخهم روحٌ ولا ريحانُ
أُسدٌ ولكن يحدثون بثوبهم إن حركت أذنابها الفئرانُ
متعففون وصبحهم سطوٌ على قوت العباد وليلهم غلمانُ
متدينون ودينهم بدنانهم ومسهّدون وسُكرهم سكرانُ
عربٌ ولكن لو نزعت قشورهم لوجدت أنّ اللب أمريكانُ
جيلان مرّا لم يكن في ظلهم ظلٌ ولا بوجودهم وجدانُ
حتى المرارة أقلعت عن نفسها ولنا على إدمانها إدمانُ
نأتي إلى الدنيا وفي أعناقنا نيرٌ وفي أعماقنا نيرانُ
تُخصى لنا الأسماع منذ مجيئنا شرعًا ويُعمل للشفاه ختانُ
ونسير مقلوبين حتى لا تُرى مقلوبة بعيوننا البلدانُ
والدرب متضح لنا فوراءنا متعقِّبٌ وأمامنا سجّانُ
فيخاف من فرط السكوت سكوتنا من أن تمر بذهننا الأذهانُ
ونخاف أن يشيَ السكوت بصمتنا فكأنما لسكوتنا آذانُ
لو قيل للحيوان كن بشرًا هنا لبكى وأعلن رفضه الحيوانُ
كم باسمنا نشب النزاع ولم يكن رأي لنا بنشوبه أو شانُ
وعدتْ علينا العاديات فليلنا ثوبُ الحداد وصبحنا الأكفانُ
وهواؤنا آهاتنا وترابنا دمعٌ دمٌ وسماؤنا أجفانُ
صحنا فلم يُشفق علينا عقربٌ نُحنا ولم يَرفق بنا ثُعبانُ
ومَن المجير وقد جرت أقدارنا في أنْ يجور الأهل والجيرانُ
قلنا ومطرقة العذاب تدقنا سيجيء دورك أيها السندانُ
وسيأكل السرحان لحم صغاره إن لم يجد ما يأكل السرحانُ
فتمرّتِ الضحكات في دمعاتنا وتكدرت من صحونا الكيزانُ
حتى إذا ما سكرةٌ راحت وجاءت فكرةٌ وتثاءب النعسانُ
غفلتْ زوايا الحانِ عن ألحانها وانحطت الشرفات والحيطانُ
وهوى الهوى متضرّجًا بهوانه وانهدّ من ندمٍ بها الندمانُ
لكننا في الحالتين سفينةٌ غرقت فقام يلومها الربانُ
أمن العدالة أن نُشكَّ ونُشتكى أم أن نباع وجلدننا الأثمانُ
في لحظة لعنت مصانعها الدمى وتبرّأت من نفسها الأدرانُ
وانساب "سيرك" المعجزات فها هنا قدمٌ فمٌ وفصاحةٌ هذيانُ
يُلقي بها الإعلام فوق رؤوسنا صُحفًا يقيء لعهرها الغثيانُ
فزبالةٌ واستبدلت بزبالة أخرى ولم تستبدل الجرذانُ
وهنا مليك مغرم بتراثه يحسو الخمور وكأسه فنجانُ
وهناك ثوريٌ يؤسس دولة ً في كرشه فتصفق الثيرانُ
وهنا مليكٌ ليس يملك نفسه فمه صدىً وضميره دكانُ
ومفكّرٌ متخصصٌ بعلوم فرك الخصيتين ففكره سيلانُ
وشواعرٌ كي لا أسمي واحدًا يتسترون وسترهم عريانُ
يزنون بالقبّان أبياتًا لهم فيميل من أوزانه القَبّانُ
في كفّةٍ تسبيلةٌ ودراهمٌ وبكفّةٍ تفعيلةٌ وبيانُ
متفاعلن متفاعلن عِلّانةٌ متفاعلن متفاعلن عِلّانُ
وتقرقع الأوزان دون مبادئٍ لمبادئٍ ليست لها أوزانُ
فالحاكم المغتال طفلٌ وادعٌ والمودَعون بسجنه غيلانُ
وابن الشوارع فارسٌ في ساعةٍ وبساعةٍ هو غادرٌ وجبانُ
هل ينثني الجزّارُ عن جرمٍ وهل ترتد عن أخلاقها الفرسانُ
كلا ولكن "الأنا" ورمٌ وإن زادت فكلُّ زيادةٍ نقصانُ
يبدو التناقض عندها متناسقًا واللون في صفحاتها ألوانُ
هو فارسٌ مادام يفترس الورى فإذا قُرِصْتُ فإنه قُرصانُ
وحدي ولو ذهب الأنام جميعهم وإذا ذهبت فبعدي الطوفانُ
يا آية الله الجديد ومن لقى آياتِه الحشرات والديدانُ
آمنت أنك آيةٌ فبحدّكَ اتّحد الهوى وتفرّق الفرقانُ
طوبى لنبلك في الجهاد فمرة أرض الكويت ومرةً إيرانُ
وكأنّ خارطة الجهاد أعدّها "ميخا" وأكد رسمها "المعدانُ"
القدس ليست من هنا تؤتى ونعلم أنها من دونها عمّانُ
والفقر ليس بأرضنا فمياهنا تروي المياه ونفطنا غدرانُ
وبوارج الغرباء قد كانت هنا تحمي حماك وهم هنا قد كانوا
إن كنت تنسى أنهم نَصَبوك محرقةً لنا فسيذكر النسيانُ
لكنما قضت الرواية أن يُبدّل مشهدٌ فتبدّل البنيانُ
مهما تخلّى في الرواية بعضكم عن بعضكم فجميعكم خلانُ
قيلَ الهوى فالضمُّ ضمُّ حبيبةٍ عجبًا أتنبتُ للهوى أسنانُ
أتُعدُّ قنبلةً فتدعى قبلةً ويُعدُّ عيدًا ذلك العدوانُ
وأسيرةٌ قد حرّرتْ وعجبتُ من حريةً نسماتها قضبانُ
وشريدةٌ رجعت لمنزل أهلها أينالها الإعراض والنكرانُ
أيموت دون عفافها إخوانُها أم يستبيح عفافها الإخوانُ
هي سُنةٌ قد سنّها وثنٌ فماذا لو قفتْ آثارهُ الأوثانُ
إن اللواحق للسوابق تنتمي وصُنان أتباع العِدا صنوانُ
قل للجزيرة كيف حالت حائلٌ وبمن جرت لخرابها نجرانُ
وبكفّ من كفُّ القطيف تقطّفت وبمن تعسّر في عسير أمانُ
ومَن احتسى الأحساء أو مَن ذا الذي حجز الحجاز وجنده رهبانُ
هل عندنا شيخٌ يسمى "شِكْسِبيرَ" وهل تطير وتقصف البعرانُ
لا بل قضى شرع الأهلة أن تخوض جهادها وسيوفها الصلبانُ
كرم الضيافة دائمًا يقضي بأنْ تُطوى الجفون وتفتح السيقانُ
معنى الجهاد بعصرنا أجهادنا أو عصرُنا وثوابنا خسرانُ
عثمانُ يُقتل كلَّ يومٍ باسمنا وتُخاط من أطمارنا القمصانُ
أنا ضد أمريكا إلى أن تنقضي هذي الحياة ويوضع الميزانُ
أنا ضدها حتى وإن رقّ الحصى يومًا وسال الجلمد الصوانُ
بغضي لأمريكا لو الأكوان ضمت بعضه لانهارت الأكوانُ
هي جذر دوح الموبقات وكل ما في الأرض من شر هي الأغصانُ
مَن غيرها زرع الطغاة بأرضنا وبمن سواها أثمر الطغيانُ
حبكت فصول المسرحية حبكةً يعيا بها المتمرس الفنّانُ
هذا يكرّ وذا يفرّ وذا بهذا يستجير ويبدأ الغليانُ
حتى إذا انقشع الدخان مضى لنا جرحٌ وحلّ محلّه سرطانُ
وإذا ذئاب الغرب راعية لنا وإذا جميع رعاتنا خرفانُ
وإذا بأصنام الأجانب قد ربت وإذا الديار وأهلها القربانُ
أنا يا كويت قد اكتويت وربما بشواظ ناري تكتوي النيرانُ
صحراء همي مالها من آخر وبحار حزني مالها شطآنُ
تبكي شراييني دمًا في مدمعي وبأدمعي تتضاحك الأحزانُ
أنت القريبة في اللقاء وفي النوى وأنا بحبي الغارق الظمآنُ
لي منك ما للقلب من خفقاته ولديك مني الوجه والعنوانُ
فلقد حملتك في الجفون مسهّدًا كي لا يُسهّدَ جفنك الوسنانُ
وملأت روحي منك حتى لم يعد مني لروحي موضع ومكانُ
ما ذاب من فرط الهوى بك عاشق مثلي ولا عرف الأسى إنسانُ
قالوا هَجرتِ فقلتُ إنا واحدٌ وكفى وصالًا ذلك الهجرانُ
هي موطني ولها فؤادي موطنٌ أتفرُّ من أوطانها الأوطانُ
ماذا على شجرٍ إذا طرد الخريفُ هَزارها لتغرّد الغربانُ
في الكحل لا تجد الأذى إلا إذا عملتْ على تكحيلك العُميانُ
أنا لا أزال أدق قلبي خائفًا ويكاد يُخفي دقتي الخفقانُ
لا تنكري تعبي ولا تستنكري غضبي فإني العاشق الولهانُ
نُبّئتُ أنك قد هرمتِ وغاض من غيظ الخطوب شبابك الريانُ
وعلمتُ أنّ الدارعين تدرّعوا بطنينهم وسلاحهم أطنانُ
وبدوا فهودًا عند منسكب الندى وإذا بهم عند الردى حُملانُ
صمتوا لديك لتلفظي النفس الأخير وبعدها عُزفتْ لكِ الألحانُ
ولطالما وعدوا بنصرك في الوغى وعَدَوا وأبلغُ نصرهم خِذلانُ
لم يُمتشق سيفٌ ولم تُسرج لهم خيلٌ ولم تُقطع لهم أرسانُ
فجميعهم قد كذّبوا وجميعهم قد مثّلوا وجميعهم قد خانوا
كم عِبرةٍ عبرت بهيأة عَبرةٍ ونوازلٍ نزلت هي السلوانُ
يَضرى بحرق العود نشر عبيره وبضربها تترنم العيدانُ
قالت لي المأساة أن وليّها ظُلمُ الولاةِ وأُمَّها الإذعانُ
قالت ويحمل جثتي الطاوي ويهرب من حفيف ثيابيَ الشبعانُ
قالت ويقدحُ ناريَ الجبناءُ لكن يكتوي بحريقيَ الشجعانُ
وأقول كل بلادنا محتلةٌ لا فرق إن رحل العدا أو رانوا
ماذا يفيد إذا استقلت أرضنا واحتُلّتِ الأرواح والأبدانُ
ستعود أوطاني إلى أوطانها إن عاد إنسانًا بها الإنسانُ
-----------------------------------------------
* القراءة وجدتها ضمن مسودات مقالاتي القديمة فراجعتها وأعدتها للنشر.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً