صنعاء 19C امطار خفيفة

البرلمان اليمني في ظل الأزمات: بين الواقع والتحديات

في خضم الأوضاع المتشابكة التي تعيشها اليمن، يصبح الإنصاف واجبًا أساسيًا عند تناول أي قضية وطنية، فالأحكام السطحية والانشغال بالمظاهر قد يحجبان جوهر الحقيقة، ويؤديان إلى استنتاجات غير دقيقة. من بين القضايا التي أُثير حولها جدل واسع مؤخرًا، لجوء البرلمان اليمني إلى الوسائل الرقمية لمناقشة القضايا الوطنية، وهو أمر أثار انتقادات وسخرية لدى البعض، دون النظر إلى الواقع الموضوعي الذي أفرز هذا الخيار.

 
لا يمكن إنكار أن البرلمان اليمني، كغيره من مؤسسات الدولة، يواجه تحديات غير مسبوقة جعلت من انعقاده داخل البلاد أمرًا شبه مستحيل. فالحرب الدائرة منذ سنوات فرضت واقعًا قاسيًا، أبرز ملامحه غياب مكان آمن يجتمع فيه أعضاء البرلمان لممارسة دورهم التشريعي والرقابي. هذا الوضع أدى إلى تشتت النواب، وتنقلهم بين عدة دول، مما جعل من الصعب عقد جلسات تقليدية بالشكل المتعارف عليه في البرلمانات المستقرة.
 
أمام هذه التحديات، لجأ البرلمان إلى الحلول المتاحة، واستخدم الوسائل الرقمية لضمان استمرارية عمله، وهو خيار منطقي بالنظر إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
إن إدارة مؤسسة بحجم البرلمان وسط حالة من الفوضى والانقسام السياسي أمر في غاية التعقيد، ويتطلب حكمة وصبرًا وإصرارًا على الاستمرار. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى الدور الذي يلعبه سلطان البركاني كرئيس للبرلمان، حيث يسعى إلى الإبقاء على المؤسسة التشريعية قائمة وفاعلة رغم العقبات الجسيمة.
 
قد يكون هناك من يختلف مع بعض سياساته، وهذا أمر طبيعي في العمل السياسي، لكن الموضوعية تقتضي الاعتراف بأنه يتحمل مسؤولية ثقيلة في ظروف غير طبيعية، وهو ما يستدعي التقدير لا التجريح. فالمطلوب في مثل هذه المواقف ليس إطلاق الأحكام العشوائية، بل طرح تساؤلات جوهرية: ما البديل العملي الذي يمكن أن يحل هذه المعضلة؟ إذا لم يكن هناك خيار أفضل، فمن الظلم إنكار الجهود المبذولة لضمان بقاء البرلمان كمؤسسة دستورية قائمة، حتى لو كان ذلك بوسائل غير تقليدية.
 
لا شك أن النقد البناء عنصر مهم في تطوير الأداء السياسي، لكنه يجب أن يكون قائمًا على رؤية واقعية ومنطقية. 
فالتركيز على الشكل دون الجوهر، والاكتفاء بالتهكم والسخرية، لا يخدم القضية الوطنية، بل يزيد من حالة الإحباط والتشكيك في كل الجهود المبذولة للخروج من الأزمة.
 
إن الحلول المؤقتة ليست بالضرورة مثالية، لكنها قد تكون الخيار الوحيد المتاح في ظل غياب البدائل. لذلك، فإن النقاش الحقيقي يجب أن يتمحور حول كيفية تطوير أداء البرلمان وتعزيز فاعليته، بدلاً من الاكتفاء بانتقاد الخيارات التي فُرضت بحكم الضرورة
 
اليمن بحاجة إلى خطاب سياسي مسؤول، يعكس حجم التحديات ويبحث عن حلول عملية بدلاً من الغرق في الجدل العقيم. البرلمان، رغم كل العوائق، يظل جزءًا أساسيًا من المنظومة الدستورية، واستمراره في العمل – حتى بوسائل غير تقليدية – أفضل من غيابه الكامل. وفي نهاية المطاف، فإن الحكم العادل على أي تجربة سياسية يجب أن يكون مبنيًا على ميزان العقل والمنطق، لا على الانطباعات العابرة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً