صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة تحليلية لقصيدة "إلى أمي في ذكرى رحيلها العاشرة" للشاعر الدكتور منصور الحماطي

قصيدة "إلى أمي في ذكرى رحيلها العاشرة" للشاعر منصور الحماطي، تحمل في طياتها عمق المشاعر الإنسانية وحنينًا شديدًا للوالدة الراحلة. تتناول القصيدة موضوع الفقد والحزن، إذ يعبر الشاعر عن مشاعره بعد عشر سنوات من رحيل والدته، بمناسبة ذكرى عيد الأم التي تتزامن مع تلك الذكرى.

 
في بداية القصيدة، يستهل الشاعر بتقديم تحية لوالدته، معبرًا عن سلام الله عليها، مما يمنح النص طابعًا روحانيًا. يتضح من استخدام "عشرة أعوامٍ على رحيلكِ" أن الزمن قد مر سريعًا، ولكنه لم يخفف من وطأة الفراق، بل زاد من آلامه وحنينه. تأتي العبارات المتكررة "يا أُمِّي" لتؤكد على العلاقة الوثيقة والعاطفية بين الشاعر ووالدته، مما يضفي لمسة شخصية وأليمة على النص.
تبرز في القصيدة مظاهر الحياة والشرور المحيطة، فعلى الرغم من مرور الأعوام، إلا أن ذكرى الحزن لاتزال تهيمن على الواقع، حيث يشير الشاعر إلى استمرار الحروب وما تتركه من آثار مأساوية على الصغار والكبار. يُظهر الشاعر عمق الجراح الإنسانية التي تعاني منها الشعوب، مما يعكس التأزم الذي يعيشه الوطن، ويؤكد على انعدام الأمل في تغير الوضع.
تتجلى بلاغة الشاعر في استخدامه لغة بسيطة ولكنها قوية، تعبّر عن معاناته بأسلوب سهل ممتنع، بعيدًا عن التعقيد. يعكس هذا الأسلوب قدرة الشاعر على استخدام الكلمات بوضوح لتوصيل المشاعر، وهو ما يتناسب مع مفهوم "الشعر بالسليقة". كما يُعبر عن صورة الحياة التي تعكس الهموم اليومية، من فقر وجوع وخوف، مما يشير إلى واقع مرير تعيشه المجتمعات.
نخلص إلى أن القصيدة تحمل في طياتها أمل لقاء قريب في "جنان الخلد"، وهو تعبير دقيق عن تلاشي الزمن في عالم الخلود، والشاعر لا يقصد أن يتوقى قبل الرحيل الرحيلا، وإنما يعكس ارتباط الشاعر بأمه الراحلة من دنياه قبل عشرة أعوام، ومن الموافقات أنه يوم رحيلها يصادف نفس تاريخ عيد الأم، وما أعظمها من مصادفة، ويعبر الدكتور منصور عن الشوق الكبير للعودة إلى أحضانها الدافئة في عالم الخلود، وهكذا يتناسى أن في عالم الخلود لا تكون الأبوة والبنوة، فلا فوارق في السن، وإنما لعله أراد أن يُظهر النص قوة العلاقة العائلية واستمرارية الحب والحنين رغم الفراق.
بشكل عام، يُمكن القول إن القصيدة تنجح في استحضار مشاعر الفقد والألم، وتجسد واقع الحياة اليومية في ظل الظروف الصعبة، مما يجعلها تحمل صدىً عميقًا لدى القارئ.
وشاعرنا الدكتور منصور شاعر تلقائي بسيط لغة ونظمًا إلى درجة أنه من شعره ما ينطبق عليه مقولة "السهل الممتنع".
وفي هذه الرائعة نلاحظ التكرار في ذكرى رحيلها العاشرة، إذ نجده يلعب دورًا محوريًا في تعميق المشاعر وإبراز العواطف الإنسانية، إذ تعزز العاطفة من خلال تكرار عبارة يا أُمِّي، مما يخلق تأثيرًا عاطفيًا قويًا، ويعبر الشاعر عن حنينه العميق وفقدان والدته، وقد يجعل هذا التكرار المشاعر أكثر وضوحًا، ويعكس قوة الفقد، مما يجعل القارئ يشعر بعمق الألم الذي يعيشه الشاعر.
يسهم التكرار أيضًا في خلق إيقاع موزون داخل النص، مما يجعل القراءة أكثر سلاسة وجاذبية، ويساعد هذا الإيقاع في جذب انتباه القارئ، ويشعره بالتواصل المباشر مع المشاعر المعبر عنها.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد التكرار على المعاني الجوهرية في حياة الشاعر مثل الفقد والألم والخوف والمعاناة المستمرة، ويساعد هذا التوكيد القارئ في فهم أهمية هذه المشاعر، ويجعلها جزءًا لا يتجزأ من الرسالة التي يسعى الشاعر لإيصالها.
أيضًا يُستخدم التكرار لخلق شعور بالزمن، حيث يذكر الشاعر مرور عشرة أعوام بشكل متكرر، مما يبرز شعور الزمن وكأن السنوات تمر بجراح متجددة، ويعكس هذا استمرارية الألم والفقد في حياة الشاعر.
يساعد التكرار في بناء توتر درامي، مما يجعل القارئ يشعر بمزيد من الاحتدام العاطفي، إذ يعبّر كل تكرار عن الالتزام بالمشاعر، ويظهر كيف أن الشاعر لايزال يعتبر والدته حاضرة في حياته حتى بعد سنوات من رحيلها.
ومن خلال هذا التكرار يُظهر الشاعر أن فراق الأم ليس مجرد حدث واحد، بل هو تجربة ممتدة تؤثر على مجمل حياته، ويجعل هذا التأكيد القارئ يشارك في إحساس الشاعر بفقدانه، ويشعره بعدم الراحة، مما يوضح كيف يمكن أن تعبر الكلمات المكررة عن مشاعر عميقة وأفكار متكررة، مما يعزز تجربة القارئ، ويعزز عمق النص الشعري.
ولكي يدرك القارئ مدى جمال هذه القصيدة وبساطتها، فيطيب لي أن أضعها بين يدي القارئ، فالنص يشرح نفسه، ويعبر عن مدى تلك المشاعر العاطفية، ومدى عمق حزن الشاعر بفقده للتي تحت قدميها جنته، فهي الأم الرؤوم طيب الله ثراها في الجنة، وأنزل عليها شآبيب رحمته ومغفرته:
عشرةُ أعوامٍ على رحيلكِ
عن الأرض
يا أُمِّي
سلام الله عليكِ
في جنان الخلد
يا أُمِّي
ملاكًا كنتِ لي
في الأرض
يا أُمِّي
كبرتُ ولم أكبر بعينيكِ
حتّى وقد صار لي أبناء
وصار لي أحفاد
يا أُمِّي
شرّقت أو غرّبت
دعاؤكِ ألحاني
كان يحميني
وحضنكِ الدافئ
من الخوف...
 كان يؤويني
كم مسحت كفّاكِ
على ظهري
كلما اشتدت بي الأحزان
وكلما اكفهرّ الدهر
في وجهي
سلام الله عليكِ
في جنان الخلد
يا أُمِّي
عشرةُ أعوامٍ مرّت
على رحيلكِ
عن الأرض
والحرب مازالت
كما قتلتكِ خوفًا
تقتل الأطفال..
والنَّاس..
يا أُمِّي
عشرةُ أعوامٍ
ومازال الناس
والأطفال
كما كانوا
يعانون الفقر..
والجوع..
والحصار..
والخوف..
يا أُمِّي
عشرةُ أعوامٍ
ولا شيء في الأفق
كما يبدو لنا
على الأرض...
سوف يتغيّر
سوى أن أحزاننا تكبر
والحروب تحصد الملايين
في الشرق والغرب
يا أُمِّي
شخنا وشاب أطفالنا
قبل الأوان
يا أُمِّي
رياحينكِ وأزهاركِ
في البستان
قد ذبلت
كما ذبلت وجوه
حفيداتك وأحفادك
ولا شيء في حياتنا
إلى الأحسن
سوى أن مقابر أوطاننا تكبر
وصرنا نودع الأحباب
إلى الموت
يا أُمِّي
فالأرض لم تعد تصلح للعيش
فقد مس الجنون
حكام شعوب الأرض
وماتت ضمائرهم
وصار الحقد يجمعهم
لإفناء الشعوب
يا أُمّي
تحياتي إليكِ
وربما قريبًا
أكون إلى جوارك
في جنان الخلد
يا أُمّي.
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً