صنعاء 19C امطار خفيفة

الصغير والزغير

يشيع في تهامة تسمية الابن باسم أبيه؛ فيقال مثلًا: محمد بن محمد. وللتفرقة بينهما يقال للأول محمد (الصغير)، للتفرقة بينه وبين أبيه. بخلاف أهل المغرب الذين يقولون: محمد (الأول)، ومحمد (الثاني)... ومحمد (الخامس).

 
أمَّا في المعافر، فيقال: محمد (الزغير). ومعروف أنَّ الصاد والزاي مخرجهما واحد. فمخرجهما ما بين طرف اللسان وصفحتي الثنيتين العليين، إلا أنَّ مخرج الصاد فوق مخرج الزاي.
وذكر القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن»، في تفسير قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم): "حكى سلمة عن الفراء؛ قال: الزراط -بإخلاص الزاي- لغة لِعُذْرَة، وكلب، وبني القين.
قال: وهؤلاء يقولون [في اصدق]: ازدق. وقد قالوا: الأزد، والأَسْد، ولسق به، ولصق به".
وفي «تاج العروس»، للمرتضى الزبيدي: "زَغَرَه: الزَّغْر فعلٌ مُمَات. وهو اغتصابك الشيء. يقال: زَغَره يزغَرُه زغْرًا: أي اغتصبه".
وقد يكون هذا الفعل كذلك، أو أنَّ له شاهدًا في محكية أبين. وربما يذكر الكثير مِنَّا تصريح الرئيس السابق عبد ربه منصور، في مؤتمرٍ صحفي له بتركيا؛ وهو يتحدث عن سفينة تركية قامت القوات البحرية اليمنية بإنقاذها، فقال عنها: "زغرناها".
وقد لا يبعد المعنى كثيرًا إذا ما اعتبرنا اغتصاب الشيء واستلابه يقتضي الإمساك به.
فإمَّا أنّ تكون الغين كما هي بمعناها المقارب في الفصحى، وإمَّا أن تكون محولة عن القاف -وهو الأرجح- في لهجة أبين الذين ينطقون القاف غينًا فـ(زقر) تصير (زَغَر) في منطوقهم.
ووجدت في بعض المواقع موضوعًا لكاتب مجهول عن هذه المفردة يدافع فيها عن عبد ربه بإتيانه بهذه اللفظة الغريبة في مؤتمر صحفي، ويبدو أنه من أبين، فقال:
"زقرنا": زقر" كلمة عربية فصيحة تزخر بها معاجم العرب؛ وتعني الإمساك أو القبض بطريقة الصقر.
وقال ابن دريد: الزقر لغة في الصقر لبعض العرب. وقاله غيره. والزقر والصقر: مضارعة. وذلك لأن كلبًا تقلب السين مع القاف خاصة زايًا. ويقولون: (مس سقر): زقر. وشاة زقعاء: سقعاء.
زقر: قبض؛ مسك. اِزقَر: امسَك؛ اقبض (أمر).
وزَقَره بالحنجرة: قبض على مخنقه. الزَّقر/ الزُّقارية: من زقر؛ أي قبض. والمقصود التقطع وفرض الجباية؛ وهو التقطع الذي كان يحدث للمسافرين، والقبض على أمتعتهم، وعدم الإفراج عنها إلا بدفع مبالغ معينة.
المزقور: مَنْ يتم القبض عليه. والمُزَاقرة/ الزَّقْرِية: الصياح والنزاع المصحوب بالشتم والسَّب. يقال: "فلان بيزاقر": أي يصيح ويشتم.
وزَقِرِهْ: أي حَمَلتْ؛ وخاصة الأبقار. يقال: "شي زقره معش البقره"؛ أي هل حملت بقرتك؟
ويقال في من يطول هروبه؛ فيُقبض عليه فجأة: "الشَّردَه سَنه والزَّقرَه بساعه".
وفي نفس المعنى يقول الشاعر شائف محمد الخالدي:
 قالت: العفو يا ساده عُثرْ بي حماري/ ما ظلمني أبي أو حَدْ زقرني زقارهْ
والغلط ذي هَدَمْ رُكني وخَالَفْ حجاري/ باني الويل ذِي رَدّ البطانهْ ظهارهْ
وفي المثل "لا تِزقَر إلاّ بالصبَاح، رَع من زِقِر بالشَّذَب رَاح".
ويقال: (زَقْرَةْ أعمى)، و(زَقْرِةْ وبْرِيْ): كناية عمن يتمسك بالشيء بقوة.
أقول: أمَّا المثل (الشرده سنة).. إلخ، فنجد نظيره في أمثال صنعاء: الهربه سنه والملقى يوم.
والوبري -كما حدثني الأخ الصديق عبدالعزيز السقاف- هو الوبر؛ حيوان معروف شبيه بالفأر. ويبدو أنَّ إلحاق الياء بالأسماء شائع في اليمنية القديمة. فأهل صنعاء يقولون للعصفور: عصفري. فهذا من ذاك.
ورع: بمعنى انظر.
(والشَّذَب)، سألت عنها الأخ عبدالعزيز فلم يتعرف على معناها. ومن السياق يبدو أنَّ معناها الظلمة أو الليل. فيكون بنفس معنى مَنْ يحتطب بالليل ولا يدري؛ فلعله يمسك ثعبانًا بيديه فيهلك.
أو أنَّ المقصود به الشذاب؛ وهو النبات العطري المعروف. فيكون كنايةً عن النساء. والمعنى عليك بالطريق الواضحة وإتيان الأبواب من أبوابها إذا ما أردتَ صلة النساء بالطريقة المتعارفة بين الناس؛ وذلك عن طريق النكاح الصحيح المشهور؛ فإنكَّ إن خالفت هذه الطريقة راحت نفسك وهلكت. والله أعلم.
و«زقر»، في لهجة أبين وتهامة والمعافر تعادلها «زقم»، في لهجات صنعاء وجهات الشمال؛ فتقول: ازقم الكتاب: أي أمسكه.
وفي تهامة يقولون: ازقرهْ. أي أمسك به. ويسمون منقار العصفور: مُزْقُر. ويقولون: فلان مَدَّ مُزقُرَهْ: يضربونه لمن يتطلع للشيء برغبة قويَّة.
ولا شك أنَّ بالمنقار (المزقر) يتمُّ إمساك الحب وتناوله.
 كما يطلقون أيضًا على الزُّقاق: مُزْقُرْ. ولا أدري صلته بالمعنى الذي سيق قبلًا. ولعله سمي بذلك؛ لأنه المكان الذي يتعذر فيه على المرء الذي تبحث عنه، أن يفلت منك؛ فيسهل عليك بذلك الإمساك به.
ويقول الأستاذ أحمد شرف الحكيمي في كتابه «من اللهجات اليمنية: معجم في لهجة المعافر وتراثها»: "زقر: فعل بمعنى قبض على الشيء أو على الشخص، وأمسك بهما. يقال زقر الشرطي اللص يزقره: إذا أمسك وقبض عليه. وزقر بالخشبة إذا أمسك بها. وجاء في الأمثال: ازقر بخيط الحلال ولو دق.
ويقال: ازقرْ لك سمك في البحر. يضرب لمن يستعصي الإمساك به. ويقول ربيع أحمد حميد المقطري:
"لو سمعت صياحْ/ وشقدفهْ بالصباحْ
ازقري بالسلاحْ/ واحذري تهربي
... وتضعيف القاف: يفيد الكثرة والمبالغة. يقال: زقر يزقر المصدر: زِقَّار. يقول ربيع أحمد حميد المقطري:
اللي يحب عبلهْ/ شِعْمل كما عنترْ
والي قده يغرقْ/ بالوهم يزقَّرْ
ومنه اللازم. يقال: تزقر فلان بالشيء أو بالشخص يزقر به: إذا تمسك بالشيء. المصدر تزقار. المتزقر اسم فاعل. واللازم منه ازتقر فلان يزتقر. أي انمسك. يقول أبو جواس:
قل لمن عادهْ يكارد للجرادْ المنتشرْ/ لو تجسْ عمركْ تفرقز للهوى ما ينزقرْ
والزقْرَة المرة الواحدة. والزقْرَة ما تحصل عليه بالصدفة من سلع ثمينة بسعر زهيد. يقال: شرى فلان سيارة زقرة. أي حصل على سيارة ثمينة صدفة بسعر زهيد".
أقول: أمَّا قوله لازم فليس بصحيح. وكيف يكون لازمًا، وهو متعدٍ للمفعول بواسطة حرف الجر. فإنك بقولك: يمسك أو يزقر بالشيء، يظهر تعديه للمفعول بواسطة حرف الجر.
وكيف يقال للفعل في قوله: (فلان يِزْتَقِر)؛ أي يمتسك أو ينمسك، إنه لازم، وقد تعدى لفلان المزقور؟!
وهو هنا بمثابة الفعل مغير الصيغة (فعل مبني للمجهول)، فازتقر فلان بمعنى أُمسك به، وألقي القبض عليه. وهو بمثابة ضُرِبَ فلان، وسُجِن علّان.
وأمَّا قوله عن «الزقرة» إنها الحصول على الشيء الثمين بسعر زهيد مصادفة؛ فهي في معناها هذا كـ«العرطة».

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً