وجدت هذه الصورة لهذا الفقير الذي لم يجد مسكنًا سوى الرصيف، وبما أن السعادة هي شعور فقد قرر أن يجعل من الرصيف أجمل غرفة، فرسمها بالطبشور؛ واستلقى مغمضًا عينيه وكأنه في غرفة فندق خمس نجوم، وشعر بسعادة قد لا يعرفها سكان القصور الفارهة.
فالحياة في زحمة الحياة ومدنها الكبيرة أصبحت كالخيال، حيث تلتقي الآمال بالسقوط، فيظهر هذا الشخص على رصيف أحد الشوارع المزدحمة، وهو الفقير الذي لا يملك سوى روحه الفنية وشعوره بالسعادة بعد أن ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، ولم يجد منزلًا يؤويه، فاستقر به الحال على هذا الرصيف، محاطًا بأصوات السيارات ووجوه المارة المتعجلة. لكن ما يميزه عن غيره هو لباقته ورسمه الفريد للحياة، إذ قام برسم غرفة نوم بلون أبيض ناصع على الأرض بواسطة الطبشور.
وكما تلاحظون فهذه الغرفة الأنيقة الجميلة المرسومة تظهر تفاصيل دقيقة بما في ذلك الإضاءة، من سرير مزين بأغطية ملونة، إلى نوافذ تطل على مناظر من وحي خياله. وعندما يستلقي على سريره الوهمي، يغمض عينيه ويستشعر كأنه في فندق من فئة الخمس نجوم. فتتشكل الابتسامة على وجهه، وترتسم ملامح السعادة على محياه؛ وكأنما هو نائم في أحضان الرفاهية، بعيدًا عن ضغوط الحياة ومآسي الواقع.

لكن العبرة هنا ليست فقط في سعادته المؤقتة، بل في الفكرة الأعمق التي يحملها. فالسعادة، كما يدرك هذا الرجل، نسبية. في حين يعيش البعض في قصور فاخرة، فإنهم قد يشعرون بالفراغ والقلق. وعلى النقيض، يجسد هو مثال الفقير الغني في روحه، الذي حول رصيفًا صلبًا قاسيًا إلى فراش وثير ومكان يلبي كل احتياجاته، ويتمتع فيه بلذة المأوى والحرية والسعادة المتخيلات.
لكل شخص قصته وطرقه في مواجهة العالم، ويثبت هذا الرجل أن الإبداع يمكن أن يوجد في أصعب الظروف. يكشف لنا الواقع المعاش أن السعادة ليست مرتبطة بالمكان أو المال، بل تنبع من داخل النفس، من القدرة على تحويل المآسي إلى جمال، والواقع القاسي إلى أحلام مرسومة.
وفي النهاية، يبقى الرصيف مكانًا يختزل حكايات وأحلامًا، مكانًا يمكن أن يكتسب فيه كل شخص معنى السعادة حتى في أصعب الظروف. فبينما ينظر الناس إلى الرجل بطريقة ربما تحمل الشفقة، فإنه يعيش لحظاته بكل ما فيها من سعادة، مما يطرح تساؤلات عميقة حول ما تعنيه الحياة والسعادة الحقيقية.