وأنا أشاهد علي ناصر محمد وغالب القمش في صورة تجمعهما معًا، خطر في بالي أولاد جيران صاحبنا اليافعي في قرية منسية خلال ذروة انتشار الماركسية نهاية الثمانينات. كان أحدهم يُلقب بـ"لينين التلة"، والآخر بـ"كاسترو بن عبدالقوي".
أسماء ثورية تحمل حماس الشباب في زمنٍ كانوا يحلمون فيه بتغيير العالم من بين منحدرات الجبال وأطراف القرى.
تخيلوا أمًا تنادي من البيت: "يا لينين التلة، تعال خذ الجلعاب وجزِّع للبقرة علف!"، أو تنبه الثاني: "وأنت يا كاسترو بن عبدالقوي، لا تنس الحطب في الصعد!"
كبر لينين التلة ليصبح محاضرًا إسلاميًا، يشرح للناس أصول العقيدة ويفنّد الشبهات، بينما صار كاسترو بن عبدالقوي إمام مسجد، يرفع الأذان ويؤمّ المصلين في كل صلاة.
ثورةٌ انتهت في ساحات الوضوء، ونضالٌ استقر بين دفتي المصحف!
لكن بين الحين والآخر، حين يناديهما أحد العجائز بأسمائهما القديمة، يلتفتان دون شعور، وتلمع في عينيهما بسمة خفيفة، وكأنهما يسمعان أصوات أمهاتهما من زمنٍ بعيد:
"يا لينين التلة، لا تنسَ العلف!"
"يا كاسترو عبدالقوي، أين الحطب؟!"