إننا إذا نظرنا إلى أمريكا وهذا الكيان لوجدنا أنهما يمتلكان ولهما تاريخ طويل من المجازر والإبادة الجماعية للسكان الأصليين للبلد، وأنهما متشابهان ومتطابقان تشابهًا وتطابقًا تامين منذ النشأة وحتى اليوم... إلخ.
إن التشابه التام بين أمريكا وهذا الكيان، من حيث وضع اللبنات الأولى لنشأة كل منها هو الذي جعل ويجعل العلاقة بينهما علاقة مترابطة كليًا... إلخ.
ذلك التشابه التام المتمثل بقيامهما ووجودهما ونشأتهما على حساب أصحاب الأرض الأصليين، فلقد نشأت أمريكا على حساب السكان الأصليين للقارة الأمريكية (الهنود الحمر)، وذلك عبر سلسلة طويلة متتالية ومتتابعة ومنظمة ومتراكمة ومترابطة مع بعضها البعض، ولقرون من المجازر الوحشية والهمجية والبربرية بحقهم، دون مراعاة أي اعتبارات إنسانية أخلاقية، دينية كانت أم غير دينية، ولم تستقر أمريكا إلا عندما قامت بعملية إبادة كاملة وشاملة لأولئك السكان الأصليين، بل إن تلك الإبادة من قبل المهاجرين (الغزاة المستوطنين) الأوروبيين بالدرجة الأساسية، تمت بدم بارد، وبشرعنة دينية تبشيرية، باعتبارها الأرض الموعودة، وبعلقية وحشية همجية لا إنسانية ولا أخلاقية، إذ إن غالبية المهاجرين أو المهجرين الذين استوطنوا تلك الأرض كانوا من المجرمين القابعين في سجون البلدان الأوروبية وقطاع الطرق ومجرمي الأحياء الذين وجدت تلك البلدان الأوروبية في الأرض الجديدة مناسبة لها وفرصة لكي تتخلص منهم ومن مشاكلهم، إضافة إلى أولئك المغامرين الذين وجدوا ذلك فرصة مناسبة لهم، وكذلك أولئك المهمشمين في تلك البلدان، الذين وجدوا ذلك مناسبة وفرصة لا تعوض لكي يجدوا ذاتهم فيها بعد أن كانت مفقودة في بلدانهم الأصلية التي هاجروا منها، يدفع كل هؤلاء ذلك الكنز العظيم من الثروات الطبيعية التي تحتويها الأرض الجديدة، وكأنهم يسمعون تلك الكلمة المتكررة على لسان مكتشف تلك الأرض الجديدة البرتغالي كريستوف كولمبوس، عندما وطأت قدماه، ولأول مرة، سواحلها "ذهب ذهب ذهب"، وذلك في العام 1492م.
لذلك، ولما تقدم، وللكثير غيرها، فإن العقل الجمعي الاجتماعي، عامة وخاصة، لا يؤنب نفسه، ولا يؤنبه ضميره عما ارتكبه من مجازر وإبادة جماعية بحق السكان الأصليين لتلك الأرض، لا القديم ولا الجديد، إذ إن الإنسانية والأخلاقية بالنسبة لهم هي إنسانية وأخلاقية خاصة بهم هم دون غيرهم باعتبارهم الإنسانيين والأخلاقيين الوحيدين ومن عاداهم، ومن وجهة نظرهم، وحشيون همجيون وبربريون يستحقون الإبادة... إلخ.
وإذا انتقلنا إلى هذا الكيان، فإننا نجد ذلك التشابه والتطابق التام بينهما ممثلًا ومتمثلًا بالآتي:
التشابه والتطابق الأول: وكما كانت تلك الأرض الجديدة بالنسبة للمستوطنيين الأوروبيين باعتبارها "الأرض الموعودة"، فإن فلسطين التاريخية بالنسبة لهذا الكيان، هي "الأرض الموعودة "... إلخ.
الثاني: وكما مثلت هجرة أولئك الأوائل من المستوطنيين الأوروبيين لأمريكا لتلك البلدان الأوروبية حلًا لمشكلاتها الداخلية عبر التخلص والخلاص منهم، فإن هجرة اليهود إلى فلسطين التاريخية كانت أيضًا حلًا لما سميت "المشكلة اليهودية" في البلدان الأوروبية... إلخ.
الثالث: وكما كانت نشأة أمريكا على حساب السكان الأصليين لها، فإن نشأة هذا الكيان أيضًا كانت على حساب السكان الأصليين لها... إلخ.
الرابع: وكما كانت الأرض الأمريكية عامرة قبل مجيء المستوطنين الأوروبيين إليها، ولها تاريخها الحضاري القديم، فإن فلسطين التاريخية كانت عامرة بسكانها الأصليين، ولها تاريخها الحضاري، ليس القديم منه بل والجديد... إلخ.
الخامس: وكما كان المهاجرون الأوروبيون الأوائل طباعهم وعقلياتهم، ومن ثم أفعالهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم، طبعًا وعقلية وأفعالًا وسلوكيات وتصرفات همجية وحشية بربرية، فإن المهاجرين الأول الذين شكلوا تلك العصابات الإجرامية حال قدومهم ووطأت أقدامهم أرض فلسطين التاريخية كانوا أيضًا يحملون تلك الطباع وتلك العقلية الوحشية والهمجية، ومن ثم كانت أفعالهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم سلوكيات وتصرفات وحشية وهمجية... إلخ.
السادس: وكما كانت الوسيلة الوحيدة للاستيلاء على الأرض من قبل المستوطنيين الأوروبيين لأمريكا تلك المجازر الجماعية الوحشية والهمجية والبربرية بحق السكان الأصليين والإبادة الجماعية لهم، فإن نفس الوسيلة مورست وماتزال تمارس حتى الآن من قبل هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني... إلخ.
السابع: وكما مورست وارتكبت تلك المجازر وتلك الإبادة من قبل المهاجرين والمستوطنين الأوروبيين ضد السكان الأصليين لأمريكا بدم بارد وبشرعنة دينية تبشيرية، فإنها تمارس بنفس ذلك البرود وتلك الشرعنة ضد أبناء الشعب الفلسطيني وبحقه من قبل هذا الكيان... إلخ.
الثامن: وكما أن تلك المجازر وتلك الإبادة ضد السكان الأصليين لأمريكا مورست وارتكبت دون أي اعتبارات إنسانية وأخلاقية، وأصبح العقل الجمعي الاجتماعي عمومًا وخصوصًا، وعبر تراكم الأجيال، لا يشعر تجاهها بأي تأنيب للضمير، فإن نفس ذلك ينطبق على ما قام ويقوم به حتى الآن هذا الكيان ضد الشعب الفلسطيني، وينطبق أيضًا على العقل الجمعي الإجتماعي عمومًا وخصوصًا لهذا الكيان... إلخ.
التاسع: وكما كان المهاجرون الأوروبيون الأوائل بمثابة الأغلبية الساحقة التي هاجرت إلى أمريكا، فإن المهاجرين اليهود الأوروبيين هم أيضًا بمثابة الأغلبية الساحقة التي هاجرت إلى فلسطين التاريخية... إلخ.
العاشر: وهم أيضًا يشتركون في مفهومهم لما تسمى "الإنسانية والأخلاقية" كمفهوم خاص بهم وتخصهم هم دون غيرهم باعتبارهم الإنسانيين والأخلاقيين الوحيدين ومن عاداهم وحشيون همجيون وبربريون يستحقون الإبادة... إلخ.
هذه بعض أوجه ذلك التشابه والتطابق التام بين أمريكا الحالية وبين هذا الكيان.. لذلك، وكنتيجة حتمية لهذا التشابه والتطابق التام بينهما، فإنه لا يوجد فارق في التعامل مع القضية الفلسطينية بينهما، بل إن أمريكا، وفي بعض الأحيان، تظهر أنها أشد حرصًا على بقاء هذا الكيان، من الكيان نفسه، ألم يقل الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بأنه" لو لم توجد إسرائيل لعملنا على إيجادها"..؟
لكن الاختلاف الجوهري بينهما هو أن الأول نجح في كل ما فعله بحق السكان الأصليين، إبادة جماعية، وأصبح أولئك السكان الأصليون أثرًا بعد عين، بل إنها، وبعد أن استكملت المجازر والإبادة للسكان الأصليين (الداخلية)، فإنها مازالت تمارسها يومًا بعد يوم ضد الشعوب والأمم الأخرى (الخارجية)، فإن هذا الكيان لن ينجح كما نجح قرينه وتوأمه.
فإذا كانت أمريكا باقية..! فإن هذا الكيان، عاجلًا أم آجلًا، حتمًا سيرحل.