صنعاء 19C امطار خفيفة

في المشقاص مازال للفنون والتراث أحبابه

درج ثلة من عشاق ومحبي التراث والفنون الشعبية المشقاصية، على إحياء جلسة سمر سنوية.
هذه الجلسة كما هو مرتب لها تكون في نهاية الأسبوع الأخير من شهر شعبان من كل عام.
جلسة العام الماضي كانت كما سبقها من جلسات ماضية في منطقة المصينعة، بمنزل الشيخ صالح سعيد العدلي، وكانت بحق جلسة جميلة بما جمعت من خيرة الشعراء، وفي مقدمتهم الشاعر الكبير سالم بن عمرو الغرابي، الملقب بالعكر، وشعراء آخرون.
عصر أمس الخميس الموافق السابع والعشرين من فبراير، أقيمت هذه الجلسة في موعدها المحدد، إلا أنه اختلف المكان من منطقة المصينعة، تم نقلها إلى مدينة قصيعر، بحكم أن الراعي لهذه الجلسة في ما مضى من أعوام سابقة، أخانا صالح سعيد العدلي، يمر بوعكة صحية، ندعو الله أن يمن عليه بالشفاء العاجل، ونتلاقى مثلما كنا في منزله العامر.
فعلى النغمات الجميلة لبلبل الوادي سالم بن شطيفة، بدأت جلسة سمر هذا العام.
سالم بن شطيفة أبحر بنا مع تفرده وتمكنه في إظهار جماليات أصوات الحفة الهبيش الساحلي، فانطربنا بصوته العذب كثيرًا، وأبعد عنا بعضًا من منغصات هذا الزمن، فطرنا فرحًا وعشقًا مع تموجات صوته الجميل الأخاذ.
السبق بين شعراء هذه الجلسة كما هو معتاد دومًا للمبدع العكر، إذ قال:
لقدر الله فراق الحبايب
يتنكد الحال يوم المحبة صعبة بليه
ماشي على الحي في الوقت قاصر
لكن ماشي يعوض في لقاء المحبوب
البيت أو القصيدة هذه تحمل من المعاني والحكم التي اعتدنا سماعها دومًا من العكر الشيء الكثير، بحكم قربنا بعض الشيء من إبداعات هذا الشاعر، ولن أدخل في ما ليس لي من التفاصيل، فأترك لكم القراءة والتعمق في ثنايا هذه القصيدة، حتى تعرفوا بأنفسكم ما بها من أشياء.
تعالوا للقصيدة الآتية للشاعر العكر، فهو يدخل مباشرة في صميم ما اجتمعنا من أجله، وهو هذا اللقاء الحبي الذي به من المضامين والفوائد الأشياء الكثيرة، ومنها الاعتناء والاحتفاظ بالتراث، كذلك اللقاء والاجتماع بمن قد تكون فرقنا عنهم مشاغل الحياة لعام.
فيقول في هذا الشأن:
ذا فصل والفصل الآخر عوائد
في جوها نلتقي عند صاحب
ع جبر خاطر
ساعة سمر والخواطر سليه
تسوي سنة يالمغني قول يا عواد
الشاعر علي المعاري لم يتخلف، فكان دومًا حاضرًا بشعره وبكل مشاعره وأحاسيسه الدفاقة مع هذا اللقاء واللقاءات السابقة، بل إنه أحد مؤسسيه، فيقول:
جبر المحبين أكبر فوائد
حنيت يا نوب فوق المجاني على كل زاهر
حصلت في جبح قرصك بغيه
يشفي الصواب لي فيها الدواء ما فاد
العكر:
نا في هواكم محيق وناجد
كل من يحب الوفاء من شروعه ما بيتعذر
بالنقد ع نشتري المعنوية
ما يوم شليتها من نبكها اقصاد
أبو أفنان محمد عبود يقول:
رغم العناء والتعب والشدائد
يا كم نحسب لقاكم غنيمة يحيي المشاعر
نا جيت عاني نسوق المطيه
ع الوعد يا صاحبي ما نخلف الميعاد
علي المعاري:
لجل المروات قائم وقاعد
إن كلتها غوف أو بالوزانة ما جبت قاصر
حافظ على النصلة الحضرمية
ورثة قديمة معانا من خلوفة عاد
العكر:
أهل الهوى رأيهم ما توحد
واحد يصلب واحد يربخ والله ساتر
قال المثل لا تلقي سقيه
وأصحاب بيتك ظمى في حاجة الميراد
بن سليمان القرادي:
ربنا جمعنا وهو خير شاهد
الله يعود اللقاء ع العوائد والوقت عابر
لي يستحق الكلف والعنية
باسير له إلى الله راد
العكر:
خايلت شاره على الحيد الأسود
ومساهن السيل لي من فروعه يضوي مكدر
ما قصدنا إلا بشربة هنية
تشفي خواطر تعبها باطل الحساد
بن سليمان:
ع صاحبي يا علي ع تنشد
لي ع العين في كل لحظة على القلب يخطر
ألفين حيا صحاب العنية
لي هم من الديس وصلوا ساعة المعياد
المعاري:
الهرج لما لحق له مناقد
بيغلطوك الحسد والشواني ونته مغامر
بالصبر ساير والمعقلية
لبغيت شوري مادي غلطة النقاد
العكر:
العاصفة حركت بحر واهد
شور مع الموج ونصب شراعك للبحر شور
لي ما مشى في الطريق البتية
ضيع رجاله وماله والسلب والزاد
بن سليمان:
لا راح قائد جونا بقائد
وتحملنا ثقل ما تشله خير الدواسر
الصوب لي ما لقوا له دويه
خايف يضر العضاء والجسم يا سواد
بشيء من الصدق، وبعيدًا عن المجاملات، انظروا التصوير الشعري للواقع عند صاحب الخبرة الشعرية التي امتدت لعقود من الزمن، انظروا لشيء بسيط من إبداعات العكر، فيقول محدثًا وكاشفًا لنا بعضًا من واقعنا الأليم المر في القصيدة الآتية:
عيشك مهدد وصرفك مهدد
من بعد ما راح صالح منصر وشايع وعنتر
حطوك في وسط خبرة خليه
كلما دغشها زقلها والندم ما فاد
هذا هو الواقع بكل مرارته كما وصفه الشاعر العكر في قصيدته.
هذا الواقع الذي أخذ من أعمار من سبقونا ما أخذ، وأخذ من أعمارنا مثلهم وأكثر، ويا له من واقع لم يرض بالتغير للأحسن، بل إنه يزداد عبوسًا وقتامة، فندعو الله أن يحسن أحوالنا وأحوال أبنائنا القادمين على واقع لا يسر وليس مفرحًا.
الشاعر بن سليمان يقول:
اليوم مطلوق منته مقيد
سارح وضاوي ع بود راسك منته مسير
ودبست في الجبح قرص البغية
لي كان ما يندبس يا عنتر بن شداد
العكر:
لزعيمنا بوعوض قسم زائد
محبته غالية في الخواطر والفصل الآخر
باحط ع رأس المعتلية
تاج الكرم والوفاء وشهامة الأجواد
العكر:
الخاتمة ع خزاء كل حاسد
طبنا وطاب اللقاء والمغني ما هو مقصر
صوته وصل عند نجم الثريا والزاهرة والقمر والحيد منه ناد
وبعد أن اختتم العكر بقوله في البيت السابق، غادر المكان، فواصل بقية الشعراء سمرهم شبه المنتهي أصلًا بعد مغادرة العكر.
فعلى لحن لصوت آخر الذي تقول كلماته:
شفت مخلوع ع بير الحضيرة
لي ثنعشر سنة نطعم خريفه ذا السنة ما خرف
كله سبب النشاري
بغاها مكوده للمساكين
بن سليمان:
صابريت الهوى خبه وسيره
يوم لي قلب عاشق سايريته من متف لا متف
ع بات غابش وساري
في ليل الغدر شأن المحبين
المعاري:
عين أهل الهوى باتت سهيرة
والليالي على العاشق ثقلية والهوى ما نصف
نار المحبين ناري
يوم قلبي لهم مبيوع بالدين
وهكذا بعد قصيدة الشاعر علي عمر المعاري الأخيرة، انتهت هذه الجلسة، على أمل أن يجمعنا الله العام القادم بمثلها كوفاء ومواصلة للمشوار، مشوار الاهتمام والعناية بفنوننا الجميلة التي حلقت بأصوات كبار الفنانين في أماكن بعيدة، ونالت ما نالت من الشهرة والذيوع، ما تستحق، فنتمسك بها ونحافظ عليها، فهي فخرنا وإرثنا الذي ورثناه ممن سبقونا.
بقي أن نقول للأمانة ستبقى هذه الجلسة، أي الجلسة الأخيرة، محل تقدير وإعجاب كل من حضرها، وكل سيسمع ما قاله شعراؤها من شعر معبر وناطق بمكنونات القلوب المحبة للفرح.
كيف لا وهي تقليد سنوي عكف على إحيائه هؤلاء المحبون، ولا ننسى جهود المحب المخلص وأحد المهتمين بالتراث، خصوصًا التراث والفنون المشقاصية، أخينا باسم عبدالله باوزير، ابن وادي عمر الديس الشرقية، فلهم منا جميعًا كل قبلات الحب والتقدير.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً