صنعاء 19C امطار خفيفة

أرسطو والإسكندر

كان أستاذنا الجليل الشاعر الكبير واللغوي الضليع محمد يحيى الزبيري -قدس الله روحه- هاربًا من النظام أيام علي عبد الله صالح، ويكثر ثلبه والانتقاد لسياسته ويشنع عليه بجهله.

 
وكان، وهو في قمة معاناته وإفلاسه وغربته وبعده عن أولاده، صادف أن التقى بعض من يعرفهم من المثقفين المصريين؛ فرثى لحاله، وقال له: يا ابني مش الشاعر كله «تأبط شرًا». انته لازم تلين شويه، وتحاول تتجنب شرور النزام (النظام) اللي عامل تنتقده بالفاضي والمليان.
 
فما كان من أستاذنا -رحمه الله- إلا أن عمل بنصحه، وأنشأ قصيدة استهلها بمدح ثورة 26 سبتمبر وعبد الناصر. وكعادته -رحمه الله- لم ينس حظه من المديح لنفسه؛ وهو صادق في ذلك غير كاذب. ومستهل القصيدة يقول فيها عن ثورة 26 سبتمبر 1962:
 
يومٌ أطلَّ على الوجود وأسفرا * وغدت مناهله تفوق الكوثرا
وفيها يخاطب صالح بمنتهى الإباء، ويعرض به، ويسوق الذم مساق المدح، فيقول له:
 
مَنْ قبلكم مني تتوج بالثنا * وأنا الذي مرضاتهُ لا تشترى؟!
 
إلا جمالاً وهو من هزَّ الدنا * شرقًا وغربًا ناصرًا سبتمبرا
 
يا للعروبةِ بعده قد غالها * خطلُ الذي ابتدر الخطا وتصدرا
 
 
 
لو كان أسلمني القياد لكان قد * حكم النهى في الأرض ليس القيصرا
 
وكان بيت القصيد هو:
 
قم يا علي مناديًا في شعبنا * حُقَّ لمن ملكَ الرؤي أن يجهرا
 
حتى أقولَ لمن تنكر إنني * لاقيت رسطاليس والإسكندرا
 
فاستنكر عليه صديقه المصري هذا الإغراق في المديح؛ وهو الذي «دهدهه» إليه؛ قائلاً: يا ابني إيه ده؟! رسطاليس والإسكندرا «حِتَّه وحَدْهْ»؟!!
 
ياابني ده زِفت الطِّين صالح ما يعرفش يستنجي!! وانته تؤله: رسطاليس والاسكندرا؟!!
 
ده ما يصحش!!
 
إيهْ ده!!
 
انتهْ زودتها خالص.
 
ما يصحش كده!!
 
وهذه القصيدة عارض بها ابن الزبيري قصيدة المتنبي، والبيت مقتبس من قصيدته الرائعة في مدح ابن العميد:
 
بادٍ هواك صبرتَ أم لم تصبرا * وبكاكَ إن لم يجر دمعك أو جرى
 
وفيها يخاطب ابن العميد:
 
مَنْ مبلغ الأعراب أني بعدها * لاقيت رسطاليس والإسكندرا
 
 وكان ابن العميد إلى جانب وزارته لركن الدولة الحسن بن بويه- مشتغلاً بالعلوم العقلية والفلسفية والأدبية وعلم النجوم، فَحقَّ للمتنبي أن يخاطبه بمثل هذا الخطاب.
 
وقد اختار المتنبي في مسيره ومدحه ابن العميد، وأنِفَ من أن يمدح الصاحب ابن عباد؛ فحقدها الأخير عليه، وتتبع شعره وانتقده.
 
الأمر الثاني:
 
كان الأستاذ النابغة الأديب والمثقف الكبير ورجل الاقتصاد مساوى الحكمي رفيقًا وجليسًا لابن الزبير لا يكادان يفترقان. وكان الأستاذ مساوى في مقيله يسمع أحدهم يكثر ويتكلف الحديث عن المادية الجدلية، وما قاله الرفيق لينين، وهو لا يفقه من ذلك شيئًا، فكان الأستاذ مساوى يتقلب على مثل الجمر حين يسمع هذا الهراء الذي يلوكه بلسانه، ثم لا يلبث أن يعلق عليه قائلاً بعد انصرافه: "هذا لو تدخلْ له المعلومات في مؤخرته على شكل «تحاميل» ما فيش فايدة.
 

خاتمة لا بُدَّ منها:

 
بخْ بخْ بخْ -بسكون الخاء- لكم أيها الحائزون على رتبتي السيف، والقلم. فلا الإسكندر المقدوني، ولا أرسطو، ولا سيف الدولة الحمداني، ولا المتنبي استطاعوا أن ينالوا هذه المرتبة، أو يطولوا سماها على شدة طلبهم لها، وتعنيهم في الوصول إليها.
 
هذا لعمري هو الفخار -أو الصغار- كلُهّ؛ وهو معنى قول المعري: أن تأتوا بما لم تستطعه الأوائل!!!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً