صنعاء 19C امطار خفيفة

السيد

2025-02-22
في صباه جاء الى عدن، صبي من بورتسودان اسمه حسين السيد محمد من السادة آلـ (المحضار) في البيضاء.. له اخ سبقه الى عدن اسمه علي السوداني.. لماذا؟ لان الأم سودانية.. امه وام حسين في بورتسودان.. علي السوداني كان من أشهر لاعبي الكرة في عدن، اما حسين فكان مختلفًا..كاللاشي.. وككل شيء.. تتشابه الموانئ، لكن الناس يختلفون.. اودعه ابوه عند القربي أشهر من باع نظارات بيرسول، واقلام باركر في الزعفران.. هو من نفس قبيلة السيد محمد المحضار.. والد حسين.. 

حسين السيد محمد ( الصورة من ارشيف الكاتب)

أما ابو حسين فقد كان سائق لوريات مقتدر يطوف بحمولتها بين محميات عدن الشرقية والغربية، ولا يلتفت الى الوراء متفقداً اولاده.. جهز القربي قعادة حبال وفرش لحسين قدام دكانه لينام، وحين يجوب صباحاً في شوارع كريتر باحثاً عن عمل يواجه بنفس الجواب: مافيش شغل!! إلى ان اهتدى بفطنته التي لا يخطئها البال إلى جماعة كولية يشغلون عمارة البس المؤجرة لهم.. يعملون في اشغال البناء بكل اصنافها طلاء، كهرياء، بردين، ونيس.. وهكذا.. واشتغل معهم في اعمال الطلاء والرنج، وسكن معهم ايضاً..لكنه اعتاد على القول بانه يجيد عمل كل شيء.. وماهي الا بضع سنين حتى هدته فطنته إلى دار اليقظة للطباعة والنشر حيث وظفه مديرها امين عبدالقادر الذي لايخلع كوفيته ابداً..عنده موزعاً للصحف التي تطبع في الدار بمرتب شهري 25 دينار،  خير كبير يا ابو الحسن ولا مافيش. وهناك اخرج قلمه وبدا الكتابة عن الوجودية، وجان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، والبير كامو، وزمن نجوم الكتابة وقتها وصولاً إلى المنتمي واللامنتمي، وكولن ويلسون نجم ذلك الزمن.. وعنده تعرفت بحسين السيد في دار اليقظة، واصبحنا من يومها اصدقاء عمر حتى بلوغ العقد الاول في الالفية الثانية.
يمتلك حسين السيد اكثر من اي شيء قدرة خارقة على التعرف بالناس مهما كانت مكانة كل منهم.. من عبدالله السلال إلى علي عبدالله صالح.. مروراً بالعالم، والجاوي، ومقبل، وحسين الصافي، وابوبكر بلفقيه، وكل من اراد الدخول اليه، لاتصده ابواب مغلقة ولا تمنعه موانع مهما كان الشخص والمكان والسبب.!! وقد حيرتني فعلاً قدرته الجاذبة تلك، وجسارته واقدامه.. واثارت بالغ دهشتي. 
   للمرة الاولى في عدن فتح طباخ جاء من السودان مطعماً للشوارمة والطحينية وخلافه قدام فندق ومطعم متروبول الشهير في اول طريق العيدروس.. اخذني اليه.. وكلمه: ازيك يازول؟؟ شوف هذا صاحبي.. اي وقت يجيك ادي له مايريد.. واكتبه عندك في النوته على حسابي الشهري، ودق صدره، وتعشينا عنده. ولاول مرة في حياتي اذوق طعم الشاورمة.. وسلطاتها الملحقة بالطحينية. وقرر حسين ان يدخل المسرح كمخرج، وشكل مع فيصل عبدالله فرقة مسرحية قدمت بعض الاعمال الناجحة.. الجبل، الام، رجال الثورة، وجيفارا.. 
عندما قامت ثورة سبتمبر في الشمال قرر ان يشد الرحال الى هناك.. فكيف يتصرف والجيب خالي الوفاض، والديون متلتلة؟ 
طاف بباعة الصحف التي توزع صحف الدار واستلم منها قيمة المبيعات. وهووووف طار إلى الشمال.. غضب امين عبدالقادر الذي لا يخلع كوفيته ونشر لحسين السيد صورة كانت تظهر مع كتاباته وهو واضع يده تحت ذقنه، وكتب تحتها تحذيراً من التعامل مع صاحب الصورة واسمه ورسمه باي حال لانه لم يعد يمثل الدار.!!
في الشمال تعرف بالجاوي، والنعمان وعدد من خيرة الثوار السبتمبريين، وهناك تمكن من اصدار مجلة شهرية اظن اسمها الطليعة او ماشابه من الاسماء..(الاسم الصحيح هو الحياة الجديدة.. شكراً للاستاذين عبدالباري طاهر. ومنصور الحاج) وفي العدد الثاني اثار حفيظة وغضب بعض المتنفذين فقرروا معاقبته، بالقتل، اوالسجن -طبقاً لما رواه لي حسين - فهربه بعض الاصدقاء من الشمال إلى عدن.. ورجع الينا سالماً ولكن ليس غانماً، قدم اعتذاره لامين عبدالقادر ليرجعه إلى شغله مقابل تسديده لما اخذه من فلوس بالعمل المجاني، وبعد تردد قبل امين اعادته إلى عمله.. وكنت ايضاً احرر صفحة اسبوعية لجريدته المستقبل، وكل شيء تمام.. الى ان خطرت ببال حسين فكرة شيطانية بان يراهنني بدينار اذا قدرت ان اخلع كوفية امين عبدالقادر من على رأسه.. وقبلت الرهان في حالة طيش وغافلت الشيخ امين وخلعت كوفيته فعلاً فهاج وماج واشتط وانتط ولاحقني جرياً إلى امام مقهى فارع.. وصاح امام كل الناس قائلاً : اشهدوا ياناس.. هذا الولد مقصور ممنوع يدخل جريدتي والا لا يلوم الا نفسه!!
بعد الاستقلال عمل حسين في جريدة صوت العمال، وطلب منه رئيس النقابات مالكة الجريدة سلطان الدوش ان يكتب له خطاباته: لكن شوف.. اشاك توحج الكلام مرة واحد.. وحجه.. اي حوجه حسب ظني كما قال الدوش. وتمر الايام، وينتقل حسين السيد إلى وزارة الثقافة مديراً للفنون وتتواصل مسيرته المجيدة معنا. توطدت علاقته كثيراً بالموسيقار احمد بن غوذل طيب الله اوقاته، وقابل كل من يريد ان يقابله او يخطر على باله وبكل حفاوة ونجاح يترك اثراً في نفس كل من يلقاه.. محافظ او مدير امن او وزير.. او رئيس جامعة.. او او ايش اقول لكم.. كل من يريد مقابلته يقابله بلا تردد.. وصل إلى الرئيس علي ناصر محمد بكل حفاوة.. وبعد الوحدة قابل الاستاذ عبدالعزيز المقالح.. ايضاً بحفاوة كبيرة كتب عنه المقالح على اثرها صفحة كاملة في جريدة الثورة، وواصل مسيرته المظفرة التي وصلت به الى لقاء تاريخي مع الرئيس علي عبدالله صالح.!!
ايش اقول والا ايش؟؟ ربما لو انطرف له رئيس روسيا لقابله.. وحتى ايضاً رجل البيت الابيض. ولو جاء الينا امين عام الامم المتحدة لما عجز حسين السيد محمد عن لقائه
 
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً