في غمرة اصابتي بانفلونزا خبيثة حادة، اميل الى الخطرشة معكم بالكلام بعض الشيء عن احوال كلها قديمة وبعيدة.. باديء ذي بدء ترون في الصورة الاولى فندق دار الحمد التاريخي العريق. !!كان قصراً من قصور بيت ائمة حميد الدين، بعد ثورة عنيدة هدت قصر البشاير دارت حرب اهلية بين الجمهوريين والملكيين حسمتها سعودية فيصل ومصر عبدالناصر بالاتفاق على نهايتها، واختير القاضي الجليل عبدالرحمن الارياني رئيسا للبلاد على مجالس حكم قام بتأسيسها، كان وطنياً مخلصاً..لكنه كان من طراز قديم عفا عليه الزمن حتي في الزي الذي يلبسه ويلبس بشبيهه جيشه وقواته. !!
مالفت نظري ايامه هو انه لم يكن باليمن كلها فندق واحد وحيد لايواء الزوار فأمر بترميم دار الحمد الذي خربه اهمال الحرب الاهلية.. وتحول الدار الى الفندق الاكبر الاول في زمنه.. وكان من حظي بعد سنين عديدة النزول في دار الحمد وحتى السكن فيه مدة وصلت الى ثلاثة اشهر. !! خلالها باحت لي كل حجر فيه بقصة يمنية حقيقية لكنها اقرب الى الاسطورة. !!

بطانة حكم الارياني بحكم امر واقع تصدرتها القبائل الاقوى حاشد الاحمر وبكيل ابو لحوم وبني مطر... وغيرهم من سقط المتاع.. كان الارياني وطني بلاجدال، وكانت السعودية تستميله لكي تسيسه وتسيره.. وكان يعطي ويأخذ.. لكنه وصل معهم لرفض التبعية المطلقة.. وبدأت اعين البصاصين تدور وتبحث عن وسيله لتغييره والرجل للامانة ماكان متشبثابالحكم لكن مجلسي رئاسته وشوراه يتبلبلان. !! عرض استقالة اولى رفضت.. ولم ينفع تقديها فاتبعها بثانية... وفي صفوف قوات ماتسمى الاحتياطية ضابط طموح، شاب وطني يتفجر حيوية يتابع المشهد.. تسلم مجلس الرئاسة الاستقالة الذي احالها بدوره لمجلس الشورى الذي احالها هو الاخر الى القوات المسلحة لتقع بيد القائد الوطني ابراهيم الحمدي (تبين الصورة القتيل وقاتله) الذي اعلن تولي الجيش للسلطة. !!
قبل هذا وذاك تبودلت وفود "وحدوية. !!" بين الشمال والجنوب للكلام الفارغ عن قيام وحدة بين شطرين تفرق بين ايديولوجياتها المسافة بين الارض والمريخ. !!!

شهد حكم الحمدي فعلاً اولى خطوات تطور اليمن لتتحول لدولة عصرية.. رضيت السعودية عن بداياته.. لكن لما استتب له الامر رفض وصاية السعودية ومنع تدخلها في الشأن اليمني وتفرغ للبناء والتعمير بعدما ابعد القبايل عن شؤون السلطة واقصاهم. !!
اذن... ماذا ترى ياهل ترى؟؟
بطبائع الاشياء كانت القبائل هي ركيزة النفوذ السعودي.. وكان لابد من التغيير.. وبداالتفكير التآمري يتلاقى. !!
عندما تولى الحمدي القيا دة اختار صديقه من الداخلية محمد خميس ليتولى قيادة امن الدولة واثبت الرجل اخلاصاً لقائده ووطنية لبلاده قل نظيرها، وكان من اكفأ من عرفتهم اليمن في مجال الامن حتى انه لقب باسطورة الامن اليمني. !!

واستميحكم عذراً متعشما صبركم وسعة صدركم لاروي حادثة عابرة وقعت لي ايام حكم هذا الرجل الاسطورة، محمد خميس: تلقيت سنة1980م دعوة كريمة للسفر الى صنعاء والطواف بمحافظاتها من وزارة الاعلام لاستكمال بحثي لكتابي "70 عاماً من المسرح في اليمن"واستقبلت بسيارة ومرافق رسمي من المطار والى فندق سام سيتي الذي كان الاكبر وقتها، ولم تكن بقية الفنادق الكبرى قد استكملت في صنعاء. وقد طفت بكل محافظة لها نشاط مسرحي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً استغرقت جولتي نحو شهر كامل. !! في اخر يوم ودعت السيد الكريم يحيى علي الارياني نائب وزير الاعلام، وتوجهت مع مرافقي الى مديرية الامن الوطني لتأشيرة الخروج كما كان متبعاً عندهم.. لكن مسؤول فحص اوراقي تطلع فيها وقلب وقارن وراجعها مع دوسيهاته، ثم ضم شفتيه بامتعاض وقال:
ما بش سفر؟؟ نعم نعم، كيف يعني؟ كرر بامتعاض اشد : انت ممنوع من السفر. !!!
هدأ مرافقي خاطري، وجرني للخارج وهو يقول: سهل، ع نشوف الوزارة... ورجعنا للارياني الذي هدأني بدوره وهو في غاية الاستغراب وقال المسالة سهله وستنواصل انا والوزير بالامن... سنكلم محمد خميس شخصياً..محمد خميس شخصياً.. ارجع فندقك سهالة.. يومين او ثلاثة وكل شي ع يسبر. !!
انتابتني مشاعر متداخلة.. لم اكن خائفاً فانا انتمي لدولة اخرى.. ثم انني هنا ضيف.. وهذه بطاقة دعوتي. !!؟؟ وكنت فعلاً قد سمعت بأسم محمد خميس هذا.. تكلموا عن جبروته، عن طغيانه، عن حنكته، عن وطنيته، عن اخلاصه، عن عدله، وعن وعن ومااكثر العنعنات عنه.. يعني انا الان تحت رحمته؟؟؟ وقالوا قولاً واحداً ساحقاً ماحقا قاطعاً هو : البلاد ومافيها ومن فيها بيد محمد خميس. !!!
في اليوم الثالث جاءني في غرفتي بالفندق مرافقي ومعه عسكري باسل بسلاحة ، هو انت العولجي،؟ وصافحني.. هيا الى المطار شلوا عفشك.. الطيران بعد ساعتين. !! ولفلفت شماطيري وفوق البابور.. وصلنا باب المطار... هناك سألني العسكري مباشرة : انت العولجي؟؟ اخطي بسرعة.. وحاولت الوقوف في طابور الطالعين لكن عسكري شهم ثالث سال :انت مش العولجي؟؟ سر لاهانا.. وعلئ كذا والله مااكدبش عليكم.. اخر واحد بعد انت العولجي، حمل معي الهندباج لباب الطيارة. !!!
شفتوا كيف.. كله دا من سحر الافندم الكبير الاستاذ محمد خميس. !!!
والله اني زعلت عليه من قلبي لما عرفت انه الرئيس صالح دبر اغتياله وهو في موكب سفر، وهواللي قتل الاخ ابراهيم الحمدي، واخوه عبدالله الحمدي صاحب القوميين العرب.. ورجال الشرطة لا يتغيرون ياشاهين بيك كما يقول حسن الهلالي !!

انا شفت خبابير كثيرة مع الصور هنا، فمع صورة الحمدي وقاتله، صورة محمد. خميس، وصورة خلفه القمش الهارب تركيا بثروث. ثلاثة مليار دولار... والغريبة كمان لقيت صورة السيد علي سالم البيض المحترم وحجم ثروته اللي كشف عنها في الخارج تبلغ ازيد من سبعة مليار دولار.. مع انه مناضل كبير.. ولاحد يزعل مني من المناضلين.. قلب بنفسك وباتعرف، فك البوك ياابن ابوك