صنعاء 19C امطار خفيفة

إنشاد

2025-02-18
إنشاد
فرقة الانشاد في عدن

يوم كنا فتيانًا وفتيات وفرقًا وفنًا وقيادة وزعامة ومسؤولية، كان الزعيم علي ناصر محمد، أدام الله بقاءه.. وبعدما نفض عن كاهله الحزب الاشتراكي اليمني اللعين، الكثير من أحزان الماضي، وكاد يتخلص تمامًا من أكثر مخازيه المعيبة، ويحكم عقله، ويعيد للذكاء المسلوب اعتباره.. أعادت عدن ترديد أغنية الزيدي التي كاد يطمرها طين الأبتال: والله بلدنا نورت في عيد ثورتنا المجيد... والفرحة عمت وانجلت مبروك علينا كل عيد!

 
أطلق ناصر العنان برغم أجواء التزمت الحزبي الحذر والتكم والجمود، أطلق العنان لكل زهرة لتتفتح، كأنه بذلك يستشرف موعد حلول مستقبل الجلاسنوت والبيروسترويكا، العلانية والبناء كما يترجمها اللغويون.. علي ناصر ومن مشاهدة لي عنده عن قرب حتى بعد اعتزاله السياسة، مخلوق مدمن طوال حياته على العمل المتواصل بلا ملل! وجد نفسه أول الثمانينيات في مواجهة كساد عظيم أنشب أظافره في جسم البلاد، وكما يليق برجل مثله تحرك في كل الاتجاهات، بدءًا بالتربية والتعليم التي كان وزيرها يومًا، من الابتدائية وإلى الجامعة، وعمل على تشجيع القوات المسلحة بابتعاث الدارسين للخارج، وتطوير كفاءة الجيش برًا وبحرًا وجوًا.. وأترك بقية مناحي التطور الحياتية المعروفة للجميع كالتجارة والزراعة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، فلست مدون تاريخ بقدر ما أكون سارد خواطر عايشتها عن قرب!
وكما هو حال محدودية احتمال البشر للعناء، أصيب ناصر بوعكة صحية ألزمته الفراش.. ريتني المارود وأنت المداوي، لاذويت الدار تنشد عليا.. ريتني المارود.
الرئيس الأسبق علي ناصر محمد
من تراثنا الفني قدم الموسيقار المايسترو أحمد بن غوذل إبداعاته.. وننتقل إلى منجزات ناصر في المجال الثقافي والفني، وأسس دار الهمداني للطباعة والنشر والتوزيع، ووجه بطبع كتاب الأمير القمندان "هدية الزمن"، بعد منعه والتعتيم عليه.. وأصدر توجيهًا رئاسيًا بخفض أسعار الكتب إلى النصف في كل المكتبات! ورعى بناء فندق جولدمور "شيراتون" ونوادي الاستجمام والسباحة.. ووجه ببناء فندق عدن فرانتيل الشامخ.. وأصدر توجيهاته لمحافظ عدن بالتوسع في تجميل وتشجير أرجاء المحافظة، وأنشئت في أرجائها في الدوارات والجولات نوافير المياه التي تكرر ضخ المياه لترطيب الأجواء في طقسنا الصعب.. وفي مجالات تسهيل التسوق وتوفير البضائع والسلع شيد عدة مجمعات استهلاكية عصرية كبرى في كل مديريات عدن، بنيت على أحدث طراز.
أحمد بن غ
ولم تشهد علاقات بلادنا تحسنًا طوال تاريخ البلاد مع جيراننا الأشقاء في دول الخليج، والتي توجت بزيارة الشيخ زايد من سلطان الذي ربطته بناصر علاقة حميمة، فبنى لنا محطة توليد للكهرباء، وأهدانا محطة التلفزيون الملون بكل توابعها... وفي الفن مع علي ناصر كان لنا شأن عظيم.. أجرى لكل فنان مرتبًا شهريًا ليتشجع على تقديم إبداعه كلما أراد.. وفي وزارة الثقافة قدم كل ما هو مطلوب لتنشيط عملها، ورفدها بالاعتماد المالي لغرض التأليف والترجمة والنشر، وأشهد شخصيًا بذلك يوم كنت مديرًا لدائرة النشر تلك! وفوق كل هذا بسط رعايته التامة على تطوير التراث وتشجيع الإبداع الغنائي لمعهد الفنون الجميلة الذي أداره باقتدار الموسيقار أحمد بن غوذل.. فأنشئت فرق الإنشاد والرقص الشعبي، وفرقة أكروبات، وفتحت صفوف لتعليم الفنون الجميلة من رسم ونحت وتمثيل وإخراج و... إلخ، تتبع معهد الفنون الجميلة.. والشيء بالشيء يذكر.. ولا شك أني قد غفلت عن ذكر كثير من المنجزات التي أرسى بنيانها الرئيس علي ناصر، خلال فترة حكمه الطويلة كرئيس وزراء، والقليلة كأمين عام شرعي آخير للحزب الاشتراكي اليمني، ورئيس للجمهورية التي امتدت من 1980 إلى 1986م.
لكني إن نسيت، لن أنسى يوم كنا أنا وصديقي حسين السيد، عصر ذات يوم، عند بن غوذل، في زيارة لمعهد الفنون الجميلة، وكان وزير الثقافة محمود النجاشي وقتها، راغبًا في صدور مجلة فنية للفنون عن الوزارة، رغم قلة إمكانيات الوزارة.. ففتح لنا الحظ أبوابه حين فوجئنا بزيارة كريمة من الرئيس ناصر، بصحبة الوزير أحمد عبيد الفضلي، لمعهد الفنون.. وحين جاء دورنا للمصافحة، ومن وسط ابتسامته الساحرة ودماثة خلقه، سأل: كيف الحال؟ أيش معكم..؟ أي خدمة؟ وبرغم حرجي نطقت وشرحت له أمر مجلة الفنون المزمع إخراجها لولا عجز إمكانية وزارتنا!
ضحك برضا نفس وهو يقول: عارف.. عارف.. كم تحتاجون لإخراج المجلة، لأننا سنوجه بطباعتها بدار الهمداني على نفقة الرئاسة، فماذا تحتاجون علاوة على ذلك؟ قلت: الحق أنه لن يبقى الكثير من المصاريف غير أجور المساهمين وتكاليف التصوير والكاميرا وما شابه ذلك.. مع مكافأة شهرية بسيطة لو أمكن لهيئة التحرير!
قال جادًا: اكتب لي ميزانية مفصلة نعتمدها لكم شهريًا!
قلت بصدق: أنا جاهل بشؤون الحسابات، وسأكلف بذلك الأخ الفنان أحمد الصنح محاسب اتحاد الفنانين، وأعمل معه لإعداد ما هو مطلوب!
قال الرئيس برضا وسعادة: اعملوا بسرعة وإن شاء الله نشوف المجلة في أقرب وقت!
وأصدرنا مجلة الفنون المصورة لأول مرة منذ الاستقلال!
إيه يابن غوذل! ريتني المارود وانت المداوي...
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً