صنعاء 19C امطار خفيفة

إيران والتحديات التي تواجهها للانتقال إلى دولة مدنية

تعتبر إيران دولة طائفية بامتياز، إذ تُدار كدولة دينية ثيوقراطية تدعي الحق الإلهي. كما أن دستورها ينص على أن دين الدولة "المذهب الاثني عشري"، وهو ما يتعارض مع مفهوم الدولة المدنية التي يُفترض بها أن تكون كيانًا معنويًا لا يتبع أوامر دينية أو سياسية بشكل صارم.

 
إن إيران تُظهر خصائص دولة كهنوتية، إذ يقودها مرشد أعلى مشابه لقيادة جماعات الإخوان المسلمين التي يحكمها "مرشد عام"، كما أن رئيس إيران، وإن تم انتخابه، إلا أنه يجب أن يوافق عليه المرشد الأعلى قبل الانتخابات، مما يعكس عدم وجود فصل حقيقي بين الدين والدولة، وهي بهذا تندرج ضمن الدول الكهنوتية التي تتعارض مع مفهوم الدولة المدنية.
بخلاف دولة المدينة التي أسسها الرسول الكريم (ص)، والتي ساوت بين جميع المواطنين بغض النظر عن دياناتهم وعرقهم، فدستور إيران ينص على طائفية الدولة؛ ولا يُسمح بتعديل هذا النص، مما يعني أن إيران ستظل دولة طائفية إلى الأبد إذا ما استمر هذا التزمت في فهم الدين.
وهذا يؤدي إلى وجود هوية دينية يحكمها الفقيه، وولاء مزوج بين الوطن والمذهب. ومن هنا تقف أمام الدولة المدنية تحديات عديدة، مما يُظهر أن المواجهة مع دولة طائفية لا يمكن أن تُحل من منظور طائفي مضاد. إن الصراعات بين الأصوليات الكبرى في الشرق الأوسط، مثل إيران والسعودية، تُظهر أن هذه الأزمات ليست معزولة عن صراع الأصوليات.
لا يمكن الخلاص من ويلات هذا الصراع إلا من خلال فصل الدين عن الدولة، إذ يجب أن تكون علاقة الدين شخصية بين العبد وربه. لذا، يجب إبعاد رجال الدين عن السياسة، مما يعزز الحاجة إلى المواطنة المتساوية، ويُركز على إدارة شؤون الحكم من خلال برامج تنافسية سياسية واجتماعية وثقافية.
فصل الدين عن الدولة في إيران يتطلب مجموعة من الآليات العملية التي تُسهم في تحقيق هذا الهدف. من بين هذه الآليات، يمكن أن يكون تعديل الدستور خطوة أساسية، إذ يجب مراجعة المواد التي تُعزز الطائفية وتحد من حقوق الأقليات. يتطلب الأمر صياغة دستور يضمن الحقوق لجميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. كما أن إقرار قوانين جديدة لحماية حقوق الأقليات يُعتبر أمرًا حيويًا، وذلك من خلال سن تشريعات تعزز من مفهوم المواطنة المتساوية، وتعطي للأفراد حقوقهم الأساسية.
إضافة إلى ذلك، ينبغي فصل المؤسسات الدينية عن الحكومة بشكل فعّال. يتطلب ذلك إعادة هيكلة المؤسسات بحيث تكون القرارات السياسية والإدارية مستقلة عن السلطات الدينية، مما يُسهم في بناء دولة مدنية. التعليم والتوعية يلعبان أيضًا دورًا رئيسيًا في هذا السياق، إذ يجب إدخال مناهج تعليمية جديدة تُعزز قيم التعايش والتسامح، وتُعلّم حقوق الإنسان والمواطنة. من المهم أيضًا تشجيع الحوار بين الأديان، وذلك من خلال تكوين منصات تجمع قادة الأديان المختلفة لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل.
كما يجب دعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان والحريات، مما يُعزز دور المجتمع في المطالبة بفصل الدين عن الدولة. تشجيع المشاركة السياسية لجميع المواطنين يُعتبر خطوة حيوية، إذ يُسهم في إشراك الأفراد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشأن العام، مما يعكس التنوع ويدعم التوجه نحو دولة مدنية. وأخيرًا، يتطلب الأمر إصلاح النظام القضائي ليكون مستقلًا ويُحكم بالقوانين المدنية بعيدًا عن التأثيرات الدينية، مما يُعزز العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً