صنعاء 19C امطار خفيفة

رحيل صالح باعامر: صوت النضال والإبداع الأدبي في حضرموت

2025-02-14

كنت صوتًا يتردد بين السطور، همسًا في أذن الحياة، وصدى في قلب الوطن. من حبر معاناتك سالت روايات أضاءت العتمة، ومن وجعك وُلدت كلمات زلزلت الصمت وأيقظت الوعي. اليوم، تنطفئ شمعة الجسد، لكن وهج فكرك يبقى خالدًا. كيف لا، وأنت من جعل من الرواية مرآة نرى فيها وجوهنا، ومن النضال قصيدةً تقاوم النسيان؟

 
نعت الأوساط الثقافية والأدبية والإعلامية والسياسية في حضرموت والجنوب رحيل الأديب الكبير والروائي المناضل الأستاذ صالح سعيد باعامر، عضو مجلس المستشارين للمجلس الانتقالي الجنوبي، والمدير العام الأسبق لمكتب وزارة الثقافة بحضرموت، الذي وافته المنية فجر اليوم الجمعة، إثر صراع مع مرض عضال.
صالح باعامر ( منصات التواصل)
ولد الفقيد باعامر في وادي العين بمحافظة حضرموت، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدينة قصيعر، ثم أكمل تعليمه المتوسط والثانوي في دولة الكويت، وحصل على دبلوم صحافة من مصر.
 
شكّل رحيله اليوم خسارة فادحة للوسط الثقافي والإعلامي، إذ كان أحد أبرز رموز الفكر والأدب في حضرموت واليمن عموماً، تاركًا إرثًا ثقافيًا زاخرًا بمواقفه الوطنية وإبداعاته الأدبية، التي جسدت التزامه العميق بقضايا الوطن والمجتمع.
 
"هي تلك التي أعبر فيها عن هاجسي، بادي ذي بدء، وكان الهاجس الحرية.. حرية الذات.. حرية القول.. حرية الوطن.. حرية التفكير والتعبير ومحاربة العادات المعيقة لحياة الشباب الطامح في حياة متحررة من أسر العقل الجامد، فكان بدء الجهر بما أريد، وكان بدء التكوين التعليم والتعلم والثقافة والثقاف، وحب الكتاب، والمجلة، والمذياع، والتتلمذ، والتلقي عن الذين سبقوني إلى عالم المعرفة ومد الجسور التواصلية." هكذا وصف الفقيد الراحل المحطة التي يجد فيها الإنسان الحالم صالح سعيد باعامر، في حوار صحفي سابق مع الزميل صالح الفردي لمجلة حضرموت الثقافية العدد 28.
جانب من أعمال الراحل باعامر
تميز الفقيد بمسيرة حافلة بالعطاء، عُرف خلالها بسعة أفقه، ورزانة عقله، وأمانته وتواضعه، ما جعله محل تقدير واحترام واسع من زملائه وأطياف المجتمع كافة.
 
كرّس الأستاذ صالح باعامر حياته للأدب والثقافة على مدى عقود، حيث كان من أبرز المبدعين الذين حملوا هموم الوطن في أعمالهم، مقدماً صورة ناصعة عن المثقف الملتزم بقضايا مجتمعه. امتدت بصماته إلى المشهد الثقافي في حضرموت واليمن والوطن العربي، وكان له دور بارز في إثراء الحركة الأدبية والإعلامية.
 
ويقول الأديب والروائي المناضل الراحل صالح سعيد باعامر: "علقت بالسياسة، ومجازًا بالنضال في وقت مبكر من حياتي، وكان الفضاء قصيعر من خلال نادي الوحدة الرياضي الثقافي الاجتماعي في عامي 1960م، 1961م الذي كان مناصرًا لعبدالناصر، وقد اتسم هذا النشاط بالعفوية، ولم يتبلور النضال الحقيقي إلا في الكويت، وانضمامي إلى تيار الحركة القومية ممثلًا في حركة القوميين العرب الذي فتق أمامي طرقًا وسبلًا واسعة للسير من أجل التحرر، واستقلال حضرموت والجنوب، وكنا في ضمن إطار قاعدي (حلقة خلية قيادية)."
 
بدأت مسيرته الأدبية بمجموعته القصصية الأولى "حلم الأم يُمنى" عام 1983، تلتها أعمال مميزة منها "دهوم المشاقصي"، "احتمالات المغايرة"، وروايته الشهيرة "الصمصام" عام 1993. وفي عام 2004 أصدر رواية "المكلا" التي خصّ بها المدينة التي أحبها، مجسدًا من خلالها ارتباطه العميق بمدينتي المكلا وقصيعر. كما قدم روايات أخرى منها "إنه البحر" و"ملكة الناصر".
 
إلى جانب إبداعاته الأدبية، ترك باعامر بصمة إعلامية بارزة؛ إذ عمل في صحيفة الشرارة منذ عام 1968، ثم تولى سكرتارية دائرة الفكر والثقافة والإعلام بحضرموت، وعمل  مديراً عاماً لإذاعة عدن في عام 71-72،  ثم عمل في تلفزيون عدن، ليعود بعده رئيسًا لتحرير صحيفة الشرارة في 1974. كما شغل منصب المدير العام لمكتب وزارة الثقافة بمحافظة حضرموت حتى تقاعده.
 
شُيّع جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير بمقبرة يعقوب عقب الصلاة عليه عصر اليوم الجمعة في جامع الروضة بمدينة المكلا، وسط حضور رسمي وشعبي كبير، عبر فيه المشيعون عن عميق حزنهم لفقدان قامة أدبية وسياسية كبيرة.
 
رحم الله الأديب صالح سعيد باعامر وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنة، ونتقدم بأصدق التعازي وصادق المواساة إلى نجليه عمر وناظم وأفراد أسرته الكريمة في المكلا وقصيعر، وزملائه ومحبيه في الوسط الثقافي والإعلامي والسياسي، مبتهلين إلى المولى أن يلهمهم جميعًا الصبر والسلوان.
 
إنا لله وإنا إليه راجعون.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً