صنعاء 19C امطار خفيفة

الإمبراطور عاريًا

2025-02-12

فيما انتهى وليام ماكينلي برصاصة نجل مهاجرين بولنديين، في سبتمبر ١٩٠١، فقد نجا دونالد ترامب -حتى الآن- من محاولتي اغتيال أسفرتا عن إصابة أمريكا والعالم بالدوار، وذلك ما كان يتطلع إليه هذا الكائن الذي لا يقبل بأقل من دوران كوكب الأرض حول كوكب ترامب.

 
كان ماكينلي هو الرئيس الخامس والعشرين للولايات المتحدة، وقد اغتيل بعد ستة أشهر من ولايته الثانية، ولم يحظَ بالذكر والتوقير إلا من قبل ترامب الذي أشاد به في خطاب التنصيب، لأنه "جعل بلدنا ثريًا من الرسوم الجمركية"، ولأنه مهد الطريق لبناء قناة بنما، و"سنستعيدها".
بعد سويعات من تنصيبه أصدر أمرًا تنفيذيًا بتسمية جبل دينالي في ألاسكا، أعلى قمة في أمريكا الشمالية، باسم ماكينلي، وأثنى عليه: "لقد قاد أمتنا بشجاعة إلى النصر في الحرب الإسبانية الأمريكية، فيما عمل على توسيع نطاق انتشار أمريكا في جميع أرجاء العالم"، و... ماكينلي هو من استولى على الفلبين وغوام بورتوريكو كغنائم من الحرب على إسبانيا، كما ضم جزر هاواي.
 
في وقت سابق، قرر ترامب إنشاء فندق على ساحل هونولولو يحمل اسم ماكينلي الذي لم يكن يتمتع بأية موهبة أو قدرات فكرية وسياسية، وما كان له أن يكون ملهمًا لترامب إلا لأنه يمتلك، مثله، موهبة فرض الرسوم الجمركية، ويعبر عن طموحاته في التوسع الإمبراطوري إلى بنما وكندا وخليج المكسيك وجريلاند، وحتى سطح المريخ الذي يبدو أنه صار أقرب إلى ساكنة الأرض من ساكن البيت الأبيض.
ماكينلي وترامب
 
لقد تطرقت الصحافة الأمريكية إلى هذا الجموح الترامبي، مشيرة إلى أن "ترامب لا يعرف عن الرئيس الأسبق أكثر من أنه كان يحب التعريفات الجمركية، ولديه شغف بامتلاك الواجهات البحرية"، مؤكدة على أنه جاد في الاستحواذ على جرينلاند، وجاد في ضم كندا، ولا يمزح في إعلانه عن عزمه الاستيلاء على غزة وامتلاكها، وقد بدت أضواء الفنادق والكازينوهات والملاهي وصالات القمار، على شواطئ غزة، تتراقص في عينيه حينما صرح بأنه سيحولها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"!
قد يكون ما يقوله سخيفًا، ولكن الخطورة تكمن في جدية تلك السخافة التي لا تحتمل، وفي وضع عالم اليوم الذاهل والعالق بتكتكات عقارب ساعة هذا "الطامة".
لم تأتِ هذه "الطامة" من فراغ، وقد هجس بها بعض الأولين، وذلك ما تجدر الإشارة إليه.
فاليوم هنالك من يترحم على زلات الرئيس السابق جو بايدن، بالإشارة إلى أنه صدق في خطاب الوداع حين حذر من "المجمع الصناعي التقني" الذي بات مكافئًا للمجمع الصناعي العسكري الذي حذر منه الرئيس الأسبق أيزنهاور، في خطاب الوداع عام ١٩٦١.
لقد تخلق ترامب و"الترامبية" في أحشاء رحم مظلمة، تخصب من تزاوج المجمعين المذكورين، ومن بؤرة تقاطع عتاولة الجنرالات بأباطرة التقنية جاء هذا المسخ الهيولي كعلامة لطفرة تحول الإمبريالية إلى طورها العاري تمامًا، إمبريالية معززة بفاشية رقمية وبائية، ومكللة بالسخف والعار.
 

إنه نسخة هجينة ومهينة للعالم ولـ"أمريكا أولًا"، ومن هنا بدأت ترتفع الأصوات المنادية لكبح جماح هذا الإمبراطور الجامح والجانح، أو حتى لعزله والحجر عليه، وتفعيل دور المَحاكم التي تلاحقه بـ٣٤ تهمة، مرشحة للمزيد، وهو متهم إلى أن تثبت إدانته بجرائم متسلسلة، وآخرها إشاعته لمناخات الحرب في كل الجهات والاتجاهات، وقد دشن عهده باستقبال متهم آخر بجرائم حرب وإبادة، مطلوب للاعتقال من قبل محكمة الجنايات الدولية.

 
وهو إمبراطور بالحذافير، لا يقيم اعتبارًا للقانون الدولي، ولا للأعراف والمواثيق، ولا لدستور بلاده، ولا ينصت لأحد غير خليفته -نجله- "البارون" الذي يمطره بتغريداته، ويلح عليه بأن يسارع لـ"تركيع العالَم تحت قدميه"، ويحضه على الدفع بأتباعه لإحداث تعديل على الدستور الأمريكي لتمديد ولايته إلى ثماني سنوات، لأن فترة الأربع سنوات القادمة لا تكفي لإنشاء وتنقيح السلالة الإمبراطورية وصولًا إلى تمكينها من امتلاك "البقعة": الأرض بكافة واجهاتها البحرية.
الواضح أنه واثق الخطوة يمشي عاريًا في الطريق "إلى الأبد"، رغم أنه ليس من مواليد برج الأسد/ قرداحة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً