صنعاء 19C امطار خفيفة

"دون كيشوت" يحارب طواحين الهواء و"دونالد ترامب" يبني قصورًا في الهواء

إن العمل الدرامي "دون كيشوت أو دون كيخوتي" يعتبر إحدى روائع الأدب العالمي للأديب الإسباني ميغيل دي سيرفانتيس، صدر في منتصف العقد الأول من القرن السابع عشر (1605م)، وبطله "دون كيشوت" شخصية خيالية يحارب طواحين الهواء، وتعج معاركه عمومًا بالخيالات والأوهام.

 
وما أشبه اليوم بالبارحة، فنحن نعيش مع شخصية حقيقية مفعمة بالخيال تسمى "دونالد ترامب" الذي فاق "دون كيشوت" خيالًا، فإذا كان هذا الأخير يحارب طواحين الهواء، فإن ترامب يبني قصورًا في الهواء. إنه قبل أن يكون رئيسًا لأعظم دولة في العالم، كان رجل أعمال يأمر وينهي موظفي مؤسساته كيفما يشاء.. لكنه، عندما أصبح رئيسًا جمح به خياله إلى أنه سيقوم باحتلال "بنما"، وضم "كندا"، وشراء جزيرة "غرينلاند" الدانماركية، وتغيير خليج المكسيك إلى خليج أميركا، وامتلاك قطاع غزة كصفقة تجارية، وتوزيع أجزاء منها لدول أخرى.. حقًا، إنه يتعامل مع أراضي الغير كبضاعة للبيع والشراء.
علاوة على ذلك، يصر على التهجير القسري لسكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، بدون أي حق قانوني يسمح له في هذا التصرف.
كما أنه يبرم الصفقات، ويفرض العقوبات، ويصدر أوامر على دول عربية للتطبيع مع إسرائيل بموجب اتفاق إبراهيم أو أبراهام، متناسيًا حل الدولتين وفقًا للشرعية الدولية. كما أنه يتدخل في شؤون الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، ومحكمة الجنايات الدولية، إلى جانب التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مستخدمًا مقولته المشهورة: "لا خدمة بدون مقابل".
يقينًا، إنها أمور معقدة لا تمت للواقع بصلة في العلاقات الدولية.. وليس من المستبعد، أن وراء مسرحية الرئيس ترامب في "قطاع غزة"، هو تمرير مشروع قناة "بن غوريون" في شمال القطاع أو على مقربة منه، ناهيك عن رسم خريطة إسرائيل الجديدة في المنطقة، من النيل إلى الفرات.
وفي سياق آخر، عبر رئيس وزراء إسرائيل "نتنياهو"، أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، عن غبطته بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية لتنصيب الرئيس ترامب، ولقاء مسؤولي الإدارة.
وفي المؤتمر الصحفي، أوضح قائلًا: "إنه لا يمكن الحديث عن سلام بوجود حماس في قطاع غزة، وواجبنا الإفراج عن أكبر عدد من الرهائن.. ولا يمكن لإيران أن تمتلك سلاحًا نوويًا، يهدد إسرائيل. فقد قضينا بشكل كبير على قدرات إيران في الدفاع الجوي. كما قضينا على حزب الله، وحاربنا أعداءنا، ولدينا أهداف في مقدمتها: تدمير قدرات حماس والقضاء عليها.. إن الرئيس ترامب دعم مواقفي التي تحدثت عنها".
وعلق على قرار الرئيس ترامب بشأن غزة أنه قرار ثوري!
وفي السياق نفسه، أنهى الرئيس ترامب حظر الأسلحة على إسرائيل، الذي فرضته الإدارة السابقة، وستزود الإدارة الجديدة إسرائيل بأسلحة حديثة فتاكة بقيمة 7.4 مليار دولار، و200 صاروخ (ثاد) موجهة بالليزر، بقيمة 150 مليون دولار.
وأضاف قائلًا إن زيارته تاريخية، وأن الرئيس ترامب أعظم صديق لإسرائيل.
وأثناء لقائه مع وزير الدفاع بيت هيجسيت، ووزير الخارجية ماركو روبيو، أعرب الوزيران عن كامل دعمهما لإسرائيل.
وأخيرًا، أكد نتنياهو أن نصر إسرائيل هو نصر للولايات المتحدة الأميركية، وسط عاصفة مدوية من التصفيق.
 
 الخلاصة:
- يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، أول رئيس في العالم يزور البيت الأبيض لحضور تنصيب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، في 20 يناير 2025م. وهو دليل على الحظوة التي يتمتع بها لدى الإدارة الأميركية الجديدة.
- ابدى الرئيس ترامب في قراراته، عدم احترامه لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، باعتبار أن القوة هي الحق.
- إن تصريحاته لا تتناسب مع منصبه من الناحيتين السياسية والدبلوماسية. وقد تتعرض الولايات المتحدة الأميركية لأزمات كثيرة في علاقاتها الدولية بسبب تصرفاته التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الأميركي منذ ثلاثة قرون.
ويلاحظ، أن برنامج العمل الجديد للإدارة الأميركية يغلب عليه الطابع الخيالي الجامح في كثير من المسائل الخارجية المطروحة.
- معارضة كل من مصر والأردن التهجير القسري من قطاع غوة، وتأكيدهما على بقاء الشعب الفلسطيني على أراضيه، وتمسكهما بحل الدولتين.
- رفضت السعودية أيضًا التهجير القسري من غزة والضفة الغربية، وأكدت بدورها، أن العلاقات لن تتم مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية بحدود 4 يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية... الخ.
- تمسك الفلسطينيين أيضًا بالبقاء على أراضيهم، رافضين التهجير، وكذا رفضت الجامعة العربية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، باعتباره تصفية للقضية الفلسطينية.
- إن اجتماع القمة العربية القادمة في 27 فبراير الجاري 2025م، من المتوقع أن يتخذ الخطوات اللازمة تجاه الأوضاع الخطيرة في المنطقة، والخروج بقرارات موحدة وحاسمة.
- جوهر القول، إن "الدونكيشوتية" التي صاغها الروائي الإسباني سيرفانتيس، في عمله الرائع، تعتبر أخف وطأة وتأثيرًا من "الترامبية" الغارقة في بحر من الخيال.
مسك الختام، ندعو الله أن يفرجها على الشعب الفلسطيني خاصة، وعلى الأمة العربية عامة، في هذا الظرف العصيب الذي يتطلب من الجميع اليقظة، ولم الشمل. والله ولي التوفيق.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً