صنعاء 19C امطار خفيفة

الموقف الإيراني من التهجير: لحظة انكشاف تاريخي

2025-02-11

عندما أعلنت إسرائيل الحرب على غزة، حددت أهدافها من تلك الحرب في استعادة الأسرى والقضاء على حركة حماس. ثم بعد ذلك أعلنت الحرب على لبنان، وحددت الهدف في القضاء على سلاح حزب الله وإبعاده إلى ما وراء الليطاني وإعادة سكان الشمال.. بمعنى أن حماس وحزب الله بصفتهما أدوات مقاومه مسلحة، وعلى ارتباط عضوي وثيق بإيران، هما محل وهدف تلك الحروب..!

 
حينها وأثناء المعارك قام نظام طهران بمساندة حماس وحزب الله بكل ما لديه من أدوات سياسية ودبلوماسية ولوجستية لدرجة أن أوشكت على دخول حرب كبرى ومواجهة مباشرة مع إسرائيل نتيجة إسنادها لحلفائها سابقًا وأثناء الحرب وتكثيفها للحراك الدبلوماسي الداعم!
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في جنوب لبنان وغزة، وتم التوقيع على اتفاقيات وقف إطلاق النار، شرعت إسرائيل بالحرب على الضفة، وأعلنت مع البيت الأبيض خطتها وهدفها الجديد والأخطر والمتمثل في العزم على تهجير سكان غزة الى خارج الجغرافيا الفلسطينية.. وإزاء ذلك أعلنت الكتلة العربية، بخاصة مصر والأردن والسعودية، موقفًا رافضًا ومناهضًا لهذه المسالة الخطيرة، وبدت تلك المواقف السياسية العربية في لهجتها وشدتها وتماسكها وحقيقتها، أقوى وأجرأ من المعتاد ومن أي مواقف سابقة.. إدراكًا من الجانب العربي لخطورة مثل هذه المسألة، حتى وإن هم يدركون أن تنفيذها على الواقع يبدو غير ممكن وفاقدًا معطيات واشتراطات الموضوع.. لكن مع ذلك تظل فكرة التهجير وفق معايير ومنهجيات العمل السياسي والاستراتيجي، أخطر من فكرة الحرب، لأن الحرب تسعى لهزيمتك، وتستهدف أدواتك ومقدراتك السياسية والعسكرية و... الخ، بينما التهجير يستهدف وجودك وكيانك وإلغاءك كشعب ودولة وتاريخ من جغرافيتك! أي أن المسالة وإن مازالت في طور التناول الخطابي والإعلامي، إلا أنها أكبر من القضاء على حماس أو حزب الله، إنها مسألة تستهدف إلغاء وإعلان وفاة وطن اسمه فلسطين!
وأمام هذه المعادلة الخطيرة، لم نجد موقفًا إيرانيًا سياسيًا ودبلوماسيًا وازنًا تجاه مناهضة هذا الموضوع، كما هو حال الجانب العربي، وكما كان لطهران من مواقف وازنة عند الحرب على حماس وحزب الله! إن صمت إيران هذا يجب أن يقرع آذان وعينا السياسي كعرب، ويحتم على بعض المخدوعين بمحور المقاومة إعادة قراءة الأهداف الاستراتيجية لإيران في المنطقة، وطبيعة علاقتها بحركات المقاومة، والغاية من إسنادها، طالما وأن إعلان تهجير سكان القطاع لم يهز لإيران أي جفن لمسؤولية دينية كما تدعي في خطابها السياسي والاستراتيجي، أما بعض التصريحات الخجولة لإيران فلا يعتد بها، ولا تغير في الوعي شيئًا تجاه أهمية وخطورة وكبر موضوع التهجير، والذي كان يحتم بطبيعته تلك وخطورته العميقة على إيران، ووفق معايير ومحددات خطابها السياسي المعلن، أن تقوم بانتهاج موقف مناهض للمسالة على كل المستويات المتاحة، بخاصة السياسية والدبلوماسية، مثلها مثل بقية الأنظمة العربية..!
إننا في هذا لا نحمل إيران وحدها مسؤولية الدفاع عن فلسطين ومناهضة مشاريع التهجير، ولكننا نتساءل بوعي عن حقيقة الخطاب السياسي والموقف الإيراني من القضية برمتها، بخاصة وأنها وعبر كل أدواتها في المنطقة أوغلت في الادعاء بالواجب الديني تجاه فلسطين، ووصم الأنظمة العربية بالعميلة والخائنة للقضية، والمرتهنة لإسرائيل، وهي ومعها أدواتها من يحمل هم وأوزار الدفاع عن فلسطين والقدس، وتحمل أوزار وكلفات ذلك النهج!
النظام الإيراني، وفي هذه المحطة التاريخية الفاصلة، في لحظة انكشاف فاضح لموقفها وأهدافها من ادعائها تبني القضية الفلسطينية، ودعم حركات المقاومة التابعة لها. كما أن هذا الانكشاف يعري طبيعة العلاقة بين طهران وأدواتها، والتي ظلت تصور الأمر طيلة عقود على نحو استطاعت فيه خداع كثير من النخب والقطاعات الجماهيرية العربية..!
إيران الصامتة المهادنة تجاه فكرة التهجير، والمناهضة بعنترياتها ودعمها السخي تجاه استهداف حماس وحزب الله، تنكشف اليوم عارية من كل الحجج، ويسقط خطابها التضليلي المخادع... إيران كانت تستثمر في القضية الفلسطينية من أجل إنجاز أهدافها الكبرى في امتلاك سلاح ردع نووي، وتحقيق سيطرة وثقل ريادي في المنطقة، وقد بنت لها أدوات مقاومة للقيام بتنفيذ مهام هذا الاستثمار، وتنفيذ أجنداته داخل الجغرافيا الفلسطينية والعربية، وتوجيهه ضد إسرائيل، إسرائيل التي تعرقل إنجاز المشروع النووي الإيراني، وتمانع هيمنة طهران في المنطقة، وليست إسرائيل التي تحتل أرض الفلسطينيين، وتقتلهم وتهجرهم! لذلك عندما استهدفت إسرائيل أدوات إيران تلك قامت قيامة السلطة في طهران، وأعلنت موقفًا مناهضًا لإسرائيل، ومارست الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي واللوجستي لأدواتها..! لكنها وبعد إدراكها -أي طهران- فقدانها ورقة حماس واستحالة استخدامها لتلك الورقة على نحو ما قبل 7 أكتوبر، فليذهب سكان غزة إلى الجحيم، وليتم تهجيرهم حتى إلى الأسكيمو، طالما وأن هذا الملعب قد أصبح ورقة خاسرة لا يمكن توظيفه واللعب فوقه لخدمة مصالح إيران..!
إن طهران اليوم ترقب المشهد، كما لو أنها ليست ومعها إسرائيل من فخخ معطيات هذا المشهد، وصنعت بسياساتها هذه التداعيات والنتائج التي تلتهم المنطقة وشعوبها من العراق إلى سوريا إلى لبنان وفلسطين واليمن... وهذا الترقب هو لكي تعيد طهران إعادة صياغة مواقفها وألوياتها وترتيب أوراقها على ضوء ما سيتبن من ملامح أولية.. لذلك من الممكن -إن لم يكن قد تم- أن تذهب طهران لإعادة تموضع مع الطرف الآخر، والمساومة في عقد صفقات معه، مقابل تحقيق مكاسب معينة على حساب المنطقة العربية، أنظمة أو شعوبًا! ولننتظر فإن غدًا لناظره قريب!
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً