تحل ذكرى ثورة 11 فبراير 2011 للمرة ال14 فيملا انصارها (المنبريون) وخصومها الصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي ضجيجا حولها، ودوافعها ونتائجها، ثم يلتقون في اليوم التالي كأن لم يكن خلاف. ولو استعدنا ما جرى بعد عام من 11 فبراير لوجدنا ان نائب الرئيس الأسبق صالح (رحمه الله) جاء خلفا له، وشكل الحزب الحاكم حينها حكومة مناصفة مع أحزاب المشترك التي أزاحت جانبا "الساحات" وتصدت لتمثيلها الحصري، ثم مارست سياسات تقاسم تتناقض كليا مع ما رددته حناجر الطيبين والطيبات بحماس عن المواطنة والعدالة وتحييد الوظيفة العامة!
في السنة التالية (2013) اختير عشرات الناشطين والناشطات صادف ان تواجد بعضهم في الساحات، باعتبارهم ممثلين للثوار، الأحياء منهم والشهداء، الأصحاء والجرحى. وتمتع هؤلاء بامتيازات التمثيل المزعوم لثورة التي بقي منها الان غصة في القلوب وحسرة في النفوس، المطمئنة منها واللوامة!
في شهور الثورة اليمنية المجهضة كانت الصورة مختلفة وكان الوعد كبيرا. والأكيد ان 11 فبراير حدث يستحق قراءته بعيدا عن صخب السجاليين خصوصا ممن يزعم مناصرتها رغم انه ألد خصام وقد بارك السياسات التي أفرغتها من اي معنى ثوري.
في موازاة الانصار المزعومين يتوسل انصار النظام البائد- المستمر- الانتصار للماضي عبر تسفيه تضحيات اليمنيين في 2011 املا في مستقل كريم، على امتداد 2011 بذريعة انها حماقة أو، في احسن الأحوال، شطحة قام بها شباب وشابات تساوقا مع ما جرى في تونس ثم مصر.
طلبت من الزميلين العزيزين فاطمة الأغبري وطارق السامعي اعادة نشر مقالاتي في شهر "الثورة" وفي الأسابيع التي سبقتها، فكانت هذه العينة من افتتاحيات النداء.
------------------------------
-
الشرعية الرياضية!ياضية!شالشرعيةرياضرعية الراضية!
يمكن وصف ما جرى صباح السبت الماضي في مجلس النواب، بأنه "تدشين يمن ما بعد خليجي 20".
أقرت الأغلبية البرلمانية الكاسحة بالإجماع، مشروع قانون انتخابات سبق سحبه مرتين خلال العامين الماضيين، ما يعني عزم السلطة الذهاب منفردة إلى الانتخابات في 27 أبريل المقبل.
الخطوة الانفرادية تمت بغطاء الشرعية الدستورية، فقد شدَّد الرئيس علي عبدالله صالح، غير مرة، مؤخراً، على الالتزام بالمواعيد الدستورية، خصوصاً بعد بطولة خليجي 20، التي لم تنتهِ مفاعيلها السياسية المحلية في اليمن، إذ تحولت هذه البطولة، بدلالاتها الإيجابية، في الإعلام الحكومي والموالي، إلى ما يمكن حسبانه المصدر الجديد لشرعية الحكم في اليمن!
كذلك صار انعقاد بطولة إقليمية (دون قارية) في بلدٍ مشتعل بالأزمات الوطنية الكبرى، إنجازاً تاريخياً يغني عن "الحوار الوطني" و"الإصلاح الاقتصادي". وأكثر من ذلك، فإن نجاح اليمن في تنظيم البطولة، بصرف النظر عن النتائج المخيبة للمنتخب الوطني، بات كلمة السر لحرب جديدة ضد كل الأعداء!
لإجلاء حقيقة هذا المشهد البائس لا مفر من استحضار مشهد كروي مسيَّس وقع عام 1978، وبالتحديد قبل شهر من وصول الرئيس علي عبدالله صالح إلى سدة الحكم في اليمن الشمالي. ففي يونيو من ذلك العام استضافت الأرجنتين المنكوبة بحكم عسكري انقلابي سيئ الصيت، المونديال، وتمكن منتخبها الوطني من الفوز بكأس العالم للمرة الأولى، لكن اللقب العالمي لم يحل بعد سنوات دون إسقاط الحكم العسكري وإدانة الحقبة العسكرية وفظاعاتها ضد حقوق الإنسان.
ما يُدهش حقاً هو هذا التبجيل المكرس لبطولة كروية لم يحصد فيها المنتخب اليمني نقطة واحدة، والمثابرة الخرقاء على تسييسها من قبل إعلام السلطة وكتابها، وتحويلها إلى محطة تاريخية فارقة، يستحق الرئيس أن يكون بطلها الأوحد بعد خروج مبكر وموجع للمنتخب المضيف من الدور الأول.
<<<
تطورات الأيام القليلة الماضية تبرهن على أن هناك من يتصور إمكان استيلاد شرعية جديدة من رحم بطولة رياضية، تماماً كما توهم بعض الحراكيين في الجنوب، قبل أشهر، تحقيق مكاسب ميدانية ودعائية عبر إفساد أجواء مناسبة رياضية تصوروا أنها تضر بقضيتهم وتضعضع شعاراتهم.
مهما يكن، فإن تمرير مشروع قانون الانتخابات في مجلس النواب ضداً على المعارضة وعلى اتفاق فبراير 2009، هو إجراء خلو من الروح الرياضية يرتب لمرحلة جديدة في العلاقة بين الرئيس علي عبدالله صالح وأطراف النظام السياسي الذي أطرته حرب 1994. فهذا التصعيد الخطير والمغامر يستهدف كل أطراف نظام ما بعد حرب 1994 وشريكي الوحدة (الاشتراكي) والحرب (الإصلاح) معاً.
وهو يقوِّض معنى الأغلبية الكاسحة للأداة الحزبية للحكم، ذلك أن مسوغ وجود الأغلبية الكاسحة (الكسيحة في الواقع) يتلاشى في غياب عملية انتخابية تنافسية محدودة.
استطراداً، فإن الأداة الحزبية الانتخابية الموسمية (المؤتمر الشعبي العام) ستزداد ضعفاً وضموراً خلال المرحلة المقبلة، إذ إن قيمة هذه الأداة في وجود معارضة سياسية حزبية تشارك دورياً في الانتخابات.
والثابت أن تدهور دور "المؤتمر الشعبي" سيزداد حدة في مرحلة "ما بعد خليجي 20"، مخلياً المزيد من المساحات لمعاوني الرئيس الجدد وللأجهزة الأمنية.
استطراداً، فإن دائرة مستشاري الرئيس صالح ستزداد انكماشاً.
كذلك فإن عبدالكريم الإرياني صاحب مقولة الأغلبية البرلمانية الساحقة في منتصف التسعينيات، ثم مقولة الأغلبية الكاسحة، قد يخلي قريباً آخر مواقعه السياسية داخل السلطة المشخصنة، إذ لا مكان لهاتين المقولتين خارج السياسة، وفي ظل "الشرعية الرياضية" التي دشنها البعض الأسبوع الماضي.
< العدد 257, 13 ديسمبر 2010
>>>
-
دستور "المفارقات غير الطبيعية"!
يزخر طلب تعديل الدستور الذي تقدمت به كتلة المؤتمر الشعبي إلى مجلس النواب، بالكثير من المفارقات.
لا عجب! فالكتلة البرلمانية (الكاسحة والكسيحة في آن) هي أصلا كبرى المفارقات اليمنية. والأزمات الوجودية الراهنة التي تعصف باليمن برهان ساطع على افتقار "برلمان الأغلبية الكاسحة" لمعيار التمثيل الشعبي؟
قسَّم أصحاب الطلب، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب ونوابه ورئيس كتلة المؤتمر، طلبهم إلى 3 مجالات: الأول يتعلق بالسلطة التشريعية، ويتضمن استحداثاً لمجلس شورى منتخب بأسلوب غير مباشر، ويعين رئيس السلطة التنفيذية ربع أعضائه؛ والثاني يتعلق بما يصفونه بـ"تطوير نظام الحكم المحلي"؛ والثالث والأهم يتصل بإزالة العائق الدستوري الذي يحظر على الرئيس علي عبدالله صالح الترشح لولاية رئاسية جديدة.

"كتلة المفارقة الكبرى" ليس لديها حساسية من استخدام مفردة مفارقة!
كذلك فعلت قبل أن تختتم المجال الأول، إذ أفادت بأن تطبيق النص الدستوري الحالي المتعلق بتقسيم أراضي الجمهورية اليمنية إلى 301 دائرة انتخابية بالتساوي مع التجاوز عن نسبة 5٪ بالزيادة أو النقصان، سيترتب عليه "مفارقات غير طبيعية"، كما سيترتب عليه "زيادة دوائر لمحافظات معينة ونقصان دوائر في محافظات أخرى".
وعليه يقترح "مشرعو الرئيس" إلغاء نسبة الـ5٪ من الدستور، وإيكال تحديدها إلى القانون الذي يمكن تعديله من وقت إلى آخر حسب نتائج التعداد السكاني.
ممثلو "المفارقة الكبرى" خلصوا هنا إلى أن إلغاء النسبة المنصوص عليها في الدستور لضمان تمثيل عادل لمواطني الجمهورية اليمنية، يحقق المرونة، (إذ) لن يحتاج الأمر إلى تعديل الدستور عقب كل تعداد سكاني يتم إجراؤه في البلاد.
الثابت أن الدستور هو من تم التمثيل به 3 مرات منذ 1994، في حين أن التقسيم الانتخابي صار أحد الثوابت الوطنية في يمن ما بعد حرب 1994. والخلاصة التي ختم بها زعماء وأعضاء "المفارقة الكبرى"، هي إدانة صريحة لهم، فالمعلوم أن في الفترة الزمنية التي تم خلالها نهش دستور دولة الوحدة اليمنية 3 مرات، تم إجراء تعدادين سكانيين في 1994 و2004، لكن أحداً لم يجرؤ على المساس بالثابت الوطني (المؤتمري)، وهو التقسيم الانتخابي، لأن -حسبما يعتقد قادة الأغلبية القاسمة- تقسيم الدوائر الانتخابية في ضوء نتائج التعداد السكاني "سيترتب عليه مفارقات غير طبيعية"!
في ما يخص مجلس الشورى الذي يوكل الطلب أمر انتخاب ثلاثة أرباعه إلى المجالس المحلية في المحافظات، يسوق أصحاب الطلب العديد من الأسباب، ويتجاهلون "الوحدة الوطنية" التي تماثل في خطابهم "الوحدة اليمنية". ولذلك فإنهم لا يتطرقون مطلقاً لثابت وطني مؤتمري هو التقسيم الإداري، مكتفين باقتراح أن تتشكل غالبية مجلس الشورى "بالانتخاب لعدد متساوٍ من كل محافظة بحيث يتم انتخاب 5 أعضاء من كل محافظة"، والمحقق أن هذا التشكيل يكرِّس -بدلاً من أن يخفف- عقدة "الاستقواء بالأغلبية العددية" في المحافظات الجنوبية والشرقية، ذلك أن التقسيم الإداري الراهن يخضع لاعتبارات سياسية واجتماعية وانتخابية تخص الحكم في صنعاء. ولن يؤدي هذا الاستحداث المرتجل لغرفة تشريعية ثانية، إلى جبر الضرر الناجم عن اعتماد المعيار السكاني لانتخاب مجلس النواب على المحافظات الجنوبية والشرقية (علاوة على محافظة مأرب) بزيادة تمثيلها في مجلس الشورى. وبكلمة موجزة فإن استحداث الغرفة الثانية ناجم عن احتياج رئاسي أكثر منه استجابة لمطلب شعبي أو تكيفاً مع طارئ وحدوي (انفصالي)!
على أن "أم المفارقات" تظهر في المجال الثالث، في بيت القصيد أو دار الرئاسة. فالمادة الدستورية 112 تقترح كتلة المؤتمر الشعبي إعادة صوغها على النحو الذي يخفض مدة ولاية الرئيس من 7 سنوات إلى 5 سنوات، وهذا التعديل يحقق فرصة أوسع لتداول السلطة سلمياً، حسبما يقول أصحابه. وهم يضيفون بأن مدة 7 سنوات تعتبر طويلة قياساً بما هو سائد في معظم البلدان الديمقراطية. (هؤلاء الديمقراطيون هم أنفسهم الذين اقترحوا تعديلاً قبل 10 سنوات يقضي بتغيير مدة ولاية الرئيس من 5 سنوات إلى 7 سنوات، وكانت الذريعة حينها أن هناك بلداناً ديمقراطية تقرر الولاية الرئاسية بـ7 سنوات، علاوة على أن الميزانية العامة لا تتحمل أعباء إجراء انتخابات رئاسية كل 5 سنوات. ولأن الموارد العامة انخفضت بحدة خلال العقد الأخير، يمكن الافتراض هنا أن الكتلة البرلمانية للمؤتمر تعيش في بحبوحة، ومواردها تضاعفت خلال السنوات الـ10 الأخيرة).
مهما يكن حال الكتلة البرلمانية، فإن الغيمة الديمقراطية لهذا التعديل الذي جاء "ليحقق فرصة أوسع لتداول السلطة سلمياً"، لا تلبث أن تنقشع في السطر التالي، إذْ ينتقل أصحاب الطلب فوراً إلى المادة 161 من الدستور لغرض إلغاء قيد الدورتين الرئاسيتين، وبما يمهد الطريق للرئيس الحالي أمام ولاية رئاسية جديدة. والمبرر هنا هو أن تحديد ولاية رئيس السلطة التنفيذية في دورتين في بلدٍ نامٍ "يعتبر قفزاً على الواقع".
في فقرتين متتاليتين تريد كتلة المؤتمر الشعبي إفساح أوسع فرص أمام التداول السلمي للموقع التنفيذي الأول (الرئاسة) أسوة بمعظم البلدان الديمقراطية، ولا تريد إفساح هذه الفرص لأننا بلد نامٍ.
قبل 6 سنوات أعلن الرئيس علي عبدالله صالح عدم رغبته في الترشح لولاية رئاسية جديدة، وكان أحد المبررات التي ساقها هو أنه يشعر بالملل من السلطة، كما أن الشعب ملَّ أيضاً. وقد خاض الرئيس صالح انتخابات تنافسية جدية أمام مرشح المعارضة فيصل بن شملان (الذي تمر الذكرى السنوية الأولى لرحيله هذه الأيام لتذكرنا أيضا ببرلماني فذ ونزيه رفض لعبة تعديلات دستورية مماثلة في 2001، وقرر الاستقالة من عضوية مجلس النواب).
والسؤال الذي يبدر للتو: لماذا يورط الرئيس الملول رجاله الأذكياء في البرلمان في لعبةٍ مملة كهذه؟
< العدد 260, 3 يناير 2011
>>>
-
الأنظمة على أشكالها... تقع!
الأنظمة على أشكالها تقع!
والسلاح السحري للديكتاتوريات العربية في خريفها المستدام هو «الأمن».
في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين دخلت الجمهوريات في العالم العربي طور عصابات أمنية وعسكرية عائلية يتزعمها جنرالات في أرذل العمر.
عندما اسقط «شعب أبي القاسم الشابي» حكم زين العابدين بن علي منتصف يناير الماضي، اتجهت الأنظار إلى مصر واليمن. المبليتين بنظامين لايختلفان كثيراً عن النموذج التونسي.
في الجمهوريات الثلاث حكام عسكريون قفزوا إلى كراسيهم في حقبة أفول المشاريع التحديثية في العالم العربي في عقدي السبعينات والثمانينات.
ثلاثتهم حولوا مؤسسات بلدانهم ومواردها إلى وسائل لتأمين كراسيهم. وهم اعتمدوا أساليب متشابهة لتسويغ استمراريتهم في الحكم، أحدها إحداث تعديلات دورية على دساتير بلدانهم.
في سيرورة عمليات خطف بلدانهم ومستقبل مجتمعاتهم، أداروا علاقات غير متكافئة بالغرب المنافق، قوامها تأمين بقائهم، وسلالاتهم، في الحكم مقابل تسهيلات أمنية وعسكرية وصفقات اقتصادية والانخراط في محاور اقليمية تخدم الاستراتيجيات الاميركية والأوروبية في المنطقة. كذلك حازوا خلال العقدين الماضيين على مباركات الفاعلين الدوليين فتم تسويق النظام التونسي اقتصادياً، والنظام المصري كفاعل استراتيجي يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة، والنظام اليمني باعتبار رياديته في الانخراط في عالم الديمقراطيات الناشئة.

وإلى الأداتين الأمنية والعسكرية، اعتمد الجنرالات الثلاثة على أداة سياسية حزبية فضفاضة لتخوض انتخابات برلمانية ورئاسية شكلية وقبلوية الأحكام لتأمين أغلبية ساحقة داخل برلمانات تحترف المباركة لصانعها. هذه الأداة الحزبية تنتسب زوراً إلى زمرة الاحزاب الغالبة في بلدان ديمقراطية كحزب المؤتمر الهندي (بزعامة نهرو) في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات وحزب المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا (بزعامة نلسون مانديلا) بعد إنهاء حقبة الحكم العنصري مطلع التسعينات.
شتان بين أحزاب تصنع زعامات وتحولات، وأحزاب يصنعها جنرالات لتكون واجهات تجميلية لأنظمتهم القمعية.
بالأمن وحده يحكم الجنرالات. به ينكلون بدعاة التغيير والحزبيين والصحفيين والناشطين الحقوقيين والمدنيين، وبه يسومون مواطنيهم شتى صنوف القهر والإذلال.
وبالأمن وحده يلوح الجنرالات متى هبت رياح التغيير. أمن مجتمعاتهم وجيرانهم يصير ساعة الحقيقة رهناً ببقائهم هم في كراسيهم ومن بعدهم أنجالهم وأصهارهم.
هذه المعادلة الوهمية أبطلها الشعب التونسي، ففي ظرف أسابيع اندحرت أعتى مؤسسة أمنية في المنطقة أمام جموع شعبية خرجت إلى الشوارع تطلب الحياة، وهي في طور الاندحار في مصر، وسيُعد الرهان عليها في اليمن ضرباً من العناد.
< العدد 264, 31 يناير 2011
>>
-
حكام... وبلاطجة
التكرار لا يعلِّم الحكام في العالم العربي! والبلطجة التي استخدمت في الأيام الثلاثة الماضية ضد تظاهرات سلمية في عدة مدن يمنية آية ساطعة على أن السلطة لم تقرأ جيداً الدرسين التونسي والمصري.
ليس هذا فحسب، بل إن ما تحقق في مصر من انجاز ثوري باهر و فريد أطاح بحكم ديكتاتوري فاسد هو في عقل السلطة اليمنية «أمر لا يشرف مصر ولا أبناءها» حسبما قال يحيى الراعي رئيس مجلس النواب، المعهود بعفويته الشديدة.
الشعوب العربية تتعلم والحكام المشاغبون «يزوغون» من المدرسة. وصباح أمس أرسل المشاغب اليمني مئات البلاطجة لمنع الشباب اليمني المتشوق للحرية والحياة الكريمة من ممارسة حقه في التعبير.
في عدن وصنعاء وتعز والحديدة نفذ البلاطجة انتهاكات جسيمة ضد شباب من الجنسين، ما يفيد بأن الحكم في اليمن عاجز تماماً عن التكيف مع المتغيرات والمستجدات الأخيرة والتي تقطع بأفول «البلطجة» في العالم العربي.
لم يكتف النظام التونسي بقمع المعارضين والصحفيين والحقوقيين فوق الأراضي التونسية، بل كان يتعقبهم جواً إلى خارج الحدود، مرسلاً بلاطجة من الحزب الحاكم والأجهزة الأمنية يحملون هويات صحفية أو مدنية أو حقوقية، وذلك لغرض ترويعهم والتنكيل بهم.

وفي مصر تنامى دور البلطجة في الانتخابات البرلمانية دورة تلو أخرى على مدى عقدين حتى بلغ أوجه في الانتخابات الأخيرة (نوفمبر 2010). وهي -أي البلطجة- كانت السلاح، الأخير والبائس، في جعبة الفرعونية السياسية التي انحدرت إلى دور الحضيض في عهد حسني مبارك. وقد تكفل «الشعب المعلم» بدحر الطاغية وبلاطجته نهائياً من أرض مصر.
إلى البلاطجة الذين اطلقتهم الأجهزة الأمنية وحزب الرئيس اليمني في شوارع وميادين عدن وصنعاء وتعز والحديدة، عاودت السلطة الحاكمة التلويح بسلاح الاقتتال القبلي والمناطقي وهو سلاح تقليدي وأثير لدى الحكام في اليمن الحديث والمعاصر.
وليس هناك ما يوجب الاندهاش لكل من يتابع اللقاءات التي يجريها كبار المسؤولين في الدولة مع بعض الجماعات القبلية بعد ساعات فقط من دعوة الحوار التي وجهها الرئيس صالح إلى احزاب المعارضة.
الشباب اليمني يتشرب قيم العصر ويتعلم استخدام أدواته مستلهماً النموذجين التونسي والمصري، والحاكم يشهر أسحلته التقليدية لأنه أدمن «التزويغ من المدرسة» ويوشك على اللحاق برفيقيه التونسي والمصري.
< 265, 14 فبراير 2011
>>>
-
يمن «الناس العاديين»
يتخلق يمن جديد في الساحات والميادين فارضاً إيقاعه على القوى السياسية والاجتماعية داخل النظام السياسي الطالع من دخان حرب 1994.
نهار الجمعة الماضية انتظم ملايين اليمنيين في صنعاء وعدن وتعز والحديدة والمكلا وغيرها من الحواضر تحت مطلب واحد هو إسقاط النظام. لكن النظام، نظام حرب 94 الذي آل إلى سلطة مشخصنة بفعل الاقصاءات المتعاقبة التي لم توفر أوثق الحلفاء والشركاء والمستشارين، اختار ما ألف استخدامه، وهو الأداة الأمنية، للتعامل مع مشهد «غير مألوف» قوامه «ناس عاديون» كفوا عن شراء الوقت فغادروا رصيف السياسة وهوامشها عازمين على الفوز بالمتن كذلك نزلت الأداة الأمنية معصوبة العينيين إلى الشارع الرئيسي في المعلا لسحق المحتجين ومطاردتهم إلى الأزقة و«الحافات» الخلفية في واحد من أفظع المشاهد وأكثرها دموية في تاريخ اليمنيين المغمس بالأحزان والمرصع بالأبطال الزائفين.

وفي الأثناء يستمر نزيف الأدوات الأخرى للحكم، إذ توالت الاستقالات من عضوية المؤتمر الشعبي العام (الأداة الحزبية المزدراة شعبياً والمقَّلل من شأنها في السلطة) ومن الكتلة البرلمانية للمؤتمر والمجالس المحلية في المحافظات فضلاً على عشرات الضباط والجنود من أفراد الجيش والأمن الذين ارتموا في أحضان «الناس العاديين» غير آبهين بالتبعات والعواقب.
تتصدع جبهة النظام السياسي تتصدع بوتيره متسارعة خصوصاً بعد انضمام شخصيات وجماعات قبلية إلى الشباب الثائر في ساحات المدن، التي صارت مصانع غزل ونسيج، في رحابها يعيد اليمني اكتشاف ذاته وهويته وإنسانيته. وبفضلها تتوثق عرى الوحدة اليمنية، ببعديها السياسي والوطني.
< العدد 267, 28 فبراير 2011