صنعاء 19C امطار خفيفة

هل فشلت ثورة 11 فبراير؟

هل فشلت ثورة 11 فبراير؟
ثورة الشباب السلمية (النداء)

لطالما كانت الثورات الناجحة استثناء في مسار التاريخ، حيث تنتهي الغالبية العظمى منها بالفشل، وأحياناً يكون هذا الفشل مدوياً. في هذا السياق، يمكن القول إن نجاح الثورات هو حدث نادر. ومع ذلك، ينبغي ألا يُفهم الفشل على المدى القريب على أنه يعني غياب الأثر المستقبلي، إذ إن الثورات تشكل جزءاً من مسار تاريخي معقد يتسم بتحولات متعددة على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 
يشير التاريخ إلى أن العديد من الثورات التي لم تحقق أهدافها الفورية تركت آثاراً طويلة الأمد. فعلى سبيل المثال، لم تُحدث ثورة أو حركة مايو 1968 في فرنسا تغييراً سياسياً واقتصادياً جذرياً آنذاك، لكنها أسهمت في حدوث تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية لا زالت تلقي بظلالها على الواقع الأوروبي بشكل عام حتى اليوم. وبالمثل، فإن ثورة 11 فبراير 2011 في اليمن، رغم عدم تحقيقها لأهدافها المباشرة، ما تزال تسهم إسهاماً محورياً في إعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي على المدى البعيد، وربما تمهد الطريق لثورات غير متوقعة في المستقبل.
 
إن اعتبار الثورة لا تستحق هذا الاسم إلا إذا حققت نجاحاً كاملاً هو فهم محدود للأمر. فالعديد من الثورات الكبرى عبر التاريخ لم تحقق أهدافها النهائية، بل إن بعضها أدى إلى ظهور نظم استبدادية جديدة. صحيح أن حنة آرنت استثنت الثورة الأمريكية من هذا المصير، لكنها اعترفت بأن الثورات غالباً ما تؤدي إلى استبداد جديد بأسمائه المختلفة. من ثورة سبارتاكوس إلى الثورة الإيرانية، نجد أن الثورة الإنجليزية أفرزت كرومويل، والفرنسية أسفرت عن نابليون، والروسية انتهت بستالين، والصينية بمؤسسها ماو تسي تونغ، والإيرانية بحكم الخميني. هذا يشير إلى أن الثورات، على الرغم من أنها قد تنطلق بدوافع تحررية، قد تؤدي إلى نظم استبدادية جديدة.
 
في الحالة اليمنية، يمكن القول إن ثورة 11 فبراير لم تُحدث تغييراً فورياً، بل دفعت البلاد نحو حرب أهلية مستمرة حتى اللحظة. لكن هذا الفشل اللحظي ونتائجه الكارثية لا يعني أن الثورة قد انتهت أو فقدت قيمتها. فالتاريخ اليمني نفسه يقدم مثالاً واضحاً على أن التغيير لا يحدث دفعة واحدة، إذ كانت ثورة 26 سبتمبر 1962 ثمرة تراكمات بدأت مع ثورة 1948 وحركة 1955. لذا، من غير المنطقي النظر إلى ثورة 11 فبراير بمعزل عن السياق التاريخي الأوسع لحركة التغيير في اليمن.
 
إن تقييم الثورات بناء على تصورات مثالية، كأنها انتقال مباشر من الاستبداد إلى الحرية أو من الشر المطلق إلى الخير المطلق، يعد تصوراً غير واقعي. فالثورات ليست مسارات خطيّة ولا تفضي دوماً إلى نتائج متوقعة. ومن هنا، فإن الحديث عن "انحراف الثورة عن مسارها" يتضمن فرضية مسبقة مفادها أن هناك مساراً محدداً لها، في حين أن الواقع التاريخي يثبت أن الثورات غالباً ما تكون نتاجاً لظروف معقدة يصعب اختزالها في أيديولوجيا واحدة أو في مسارات محددة.
 
سواء حققت ثورة 11 فبراير أهدافها المباشرة أم لا، فإنها ستبقى جزءاً من عملية تاريخية مستمرة تساهم في تشكيل المستقبل، حتى وإن كانت هذه المساهمة تأتي بطرق غير متوقعة أو غير مرغوبة من قبل المشاركين فيها. فحتى الثورات التي قد تُعتبر فاشلة، يمكن أن تؤسس لواقع جديد يكون بمثابة نواة لثورات وتحولات لاحقة، مما يجعل أثرها أعمق وأطول تأثيراً مما يظهر في اللحظة الراهنة.
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً