صنعاء 19C امطار خفيفة

ثورة الشعب ودور مؤسسات المجتمع المدني (ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م)

ثورة الشعب ودور مؤسسات المجتمع المدني (ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م)
ثورة الشباب السلمية ( منصات التواصل)

الإهداء:

إلى الأستاذ فضل أحمد محمد الحمادي، الذي طلب مني كتابة هذا الموضوع في تعليقه على بوست عن ثورة الربيع اليمني.
وإلى أخي وصديقي وزميلي صالح السنباني، الذي يحكم على ثورة الشعب -المغدور بها بثورتين مضادتين- من خلال ما نتج عن تلكما الثورتين، لعله يراجع نفسه، ويعطي كل ذي حق حقه!
 
تُعتبر ثورة 11 فبراير 2011 في اليمن، نقطة تحول تاريخية في مسار البلاد، حيث خرج الشعب اليمني بمختلف فئاته، مطالبًا بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. جاءت هذه الثورة في سياق الربيع العربي، لكنها تميزت بتعقيداتها الخاصة وتداخلاتها الإقليمية والدولية. عانت اليمن لعقود من الحكم الديكتاتوري الذي قاده علي عبدالله صالح، مما أدى إلى تفشي الفساد والمحسوبية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ كان الشعب يعاني من الفقر والبطالة، بالإضافة إلى قمع الحريات.
بدأت الثورة في 11 فبراير 2011 عندما خرج الآلاف في العاصمة صنعاء وعدد من المدن الأخرى، مستلهمين من الاحتجاجات الشعبية في تونس ومصر. كانت المطالب تتضمن إسقاط النظام وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحسين الأوضاع الاقتصادية. وبعد عدة أشهر من الاحتجاجات، وقعت المبادرة الخليجية في 23 نوفمبر 2011، التي أفضت إلى انتقال السلطة وتشكيل مؤتمر الحوار الوطني الشامل في 2013م، إذ تم وضع مخرجات تهدف إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية.
 
ومع ذلك، واجه تنفيذ مخرجات الحوار الوطني العديد من التحديات. من أبرز هذه التحديات الانقسام السياسي، إذ يصعب تفكك التحالفات السياسية وتباين المصالح بين القوى المختلفة الوصول إلى توافق حول تنفيذ المخرجات. كما أن استمرار النزاع المسلح بين الأطراف المتنازعة، بخاصة بين أنصار الله (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًا، أدى إلى تفشي الفوضى، وأعاق جهود السلام. والسبب في ذلك أن من خطط للانقلاب على العملية السياسية السلمية بقوة السلاح هو عينه رأس النظام السابق علي عبدالله صالح.
 
أدى هذا الانقلاب إلى تدخل قوى إقليمية أججت الصراع، وكان من تبعات ذلك التدخل تدهور الاقتصاد اليمني مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ما يزيد من معاناة الشعب، مما يجعل تنفيذ المخرجات أكثر صعوبة. أيضًا، تؤثر التدخلات الإقليمية على الساحة اليمنية، إذ تسعى بعض الدول إلى تحقيق مصالحها الخاصة، مما يعقد جهود الحوار والمصالحة. وفي الوقت نفسه، تدهور الوضع الأمني يعوق عملية إعادة بناء المؤسسات وإجراء الانتخابات، بينما الانقسامات الاجتماعية والمناطقية تتطلب جهودًا إضافية للاندماج والمصالحة.
وكذلك انعدام الثقة بين الأطراف السياسية الذي أثر على التعاون اللازم لتنفيذ المخرجات بشكل فعال، كما أن الحاجة إلى وضع إطار قانوني واضح يتطلب تعديلات دستورية وقوانين جديدة. الأوضاع الإنسانية المتدهورة تتطلب استجابة سريعة، مما قد يؤثر على أولويات تنفيذ المخرجات. وأخيرًا، ضرورة إشراك المجتمع المدني والشباب والمرأة في عملية التنفيذ تضمن أن تعكس المخرجات تطلعات جميع فئات المجتمع.
 
ومع كل ذلك، ستظل ثورة الربيع اليمني حدثًا بارزًا في تاريخ اليمن الحديث، عكست تطلعات الشعب نحو الحرية والعدالة. ورغم التحديات والصراعات، سوف تبقى مخرجات الحوار الوطني الشامل نقطة انطلاق نحو بناء يمن جديد يستوعب جميع أبنائه. وهذا الأمر يتطلب جهودًا مكثفة من جميع الأطراف لضمان تحقيق الأهداف المرجوة والاستقرار في البلاد.
وهذا لن يتأتى في ظل شيطنة مؤسسات المجتمع المدني، وتشويه دورها الحيوي في تحقيق أهداف مخرجات الحوار الوطني في اليمن، إذ يسهم في توعية المواطنين بأهمية هذه المخرجات وتعزيز الفهم العام حول الإصلاحات السياسية والاجتماعية المطلوبة. من خلال تمثيله للفئات المهمشة، مثل النساء والشباب، يضمن المجتمع المدني أن تكون المخرجات شاملة، وتعكس تطلعات جميع مكونات المجتمع. كما يسهم في مراقبة تنفيذ المخرجات، مما يعزز الشفافية والمساءلة، ويعمل على توفير منصة للحوار بين الأطراف المختلفة، مما يسهم في بناء الثقة وتعزيز التعاون.
لتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بشكل أكبر، يمكن توفير التدريب والموارد للمنظمات غير الحكومية والمبادرات المحلية، مما يرفع كفاءتها في مجالات الإدارة والتواصل. كما يجب تشجيع الشراكات بين المجتمع المدني والحكومة والقطاع الخاص لتبادل المعرفة والموارد. زيادة التوعية بأهمية دور المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، ستسهم أيضًا في دعم هذه المنظمات من قبل الجمهور.
علاوة على ذلك، يمكن تعزيز الشفافية والمساءلة داخل المنظمات المدنية لزيادة ثقة المجتمع في أنشطتها. من المهم أيضًا إشراك الشباب والنساء في الأنشطة المدنية وصنع القرار لضمان تنوع الآراء. تقديم الدعم القانوني للمنظمات المدنية سيساعدها في فهم حقوقها والتعامل مع التحديات القانونية.
تشجيع المنظمات على تطوير أنشطة جديدة تلبي احتياجات المجتمع، مثل البرامج التعليمية والتدريب المهني، سيعزز من قدرتها على التأثير. تحسين الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالسياسات العامة سيمكن المجتمع المدني من الإسهام بفاعلية في النقاشات. علاوة على ذلك، يجب تعزيز المشاركة في عمليات صنع القرار على المستويات المحلية والوطنية، مما يعزز صوت المجتمع. وأخيرًا، دعم الأنشطة الثقافية والفنية التي تبرز القضايا الاجتماعية يعزز من الحوار بين مختلف فئات المجتمع، مما يسهم في تحقيق الأهداف المرجوة بشكل أكثر فعالية.
تواجه مؤسسات المجتمع المدني في اليمن مجموعة من التحديات التي تؤثر على فاعليتها، مثل البيئة السياسية غير المستقرة، والرقابة الحكومية، والتمويل المحدود، والتحديات الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر المجتمع إلى الثقة في بعض المنظمات، مما يعوق مشاركتهم في الأنشطة ويحد من تأثيرها.
في هذا السياق، ظهرت عدة مبادرات محلية تهدف إلى تعزيز ثقة المجتمع بهذه المنظمات. تتضمن هذه المبادرات تنظيم حملات توعية لتثقيف الجمهور حول دور وأهمية منظمات المجتمع المدني، مما يسهم في توضيح الأهداف والأنشطة التي تقوم بها. كما تشمل إقامة ورش عمل وندوات تفاعلية بين المجتمع وأعضاء المنظمات، مما يتيح فرصة للتواصل المباشر وتبادل الآراء.
تشجيع المشاركة المجتمعية في تصميم وتنفيذ البرامج يعزز من شعور المواطنين بالملكية، ويزيد من ثقتهم في نوايا المنظمات. كما أن نشر تقارير دورية حول أنشطة المنظمات وميزانياتها، يسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة.
علاوة على ذلك، يمكن أن تساعد قصص النجاح التي تحققها المنظمات في بناء صورة إيجابية وتعزيز الثقة. بناء شراكات مع مؤسسات محلية أخرى مثل الجامعات والمدارس يعزز من التعاون والموثوقية.
تطوير برامج خاصة بالشباب، وتحسين مستوى خدمات الدعم المباشرة للمجتمع، يسهمان أيضًا في تعزيز الثقة. من خلال مواجهة التحديات وتنفيذ هذه المبادرات، يمكن تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في اليمن وزيادة تأثيرها الإيجابي على المجتمع.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً