يركز القاضي عبدالعزيز البغدادي في مقاله المشار إليه آنفًا، على فكرة أن العنصرية والتفاخر بالأنساب يمثلان أمراضًا اجتماعية تحتاج إلى علاج من خلال تأسيس دولة تحترم حقوق المواطنة المتساوية.
وقد اتكأ في مقاله الذي هو رد على كتاب للولد محمد حسن زيد، على حديث ضاع في ركام زيف التراث الإسلامي المتورم، هذا الحديث: "كل نسب وهم"، وأنه منذ اليوم الذي انتقل فيه الرسول إلى الرفيق الأعلى، شهد المسلمون انقسامًا بسبب الصراع على السلطة، مما أدى إلى استغلال الدين في السياسة. ويرى أن الجهود المبذولة لتحقيق الديمقراطية والعدالة، مستمرة، وأن ثورة 26 سبتمبر كانت تعبيرًا عن وحدة هدف الثوار الذين كانوا يمثلون الشعب بكل فئاته. مؤكدًا على أهمية التفكير العقلاني، وداعيًا إلى بناء مجتمع يقوم على قيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية.
وقد تناول ما طرحه الولد محمد، نجل صديقنا المشترك الشهيد حسن محمد زيد، الذي كان أكثر انفتاحًا من نجله؛ وأكثر بعدًا عن الفرز العرقي، وذلك لأن المقال أشار إلى ما قاله محمد حسن زيد عن الشهيد يحيى المتوكل، القائد السبتمبري البطل، الذي ناضل هو وزملاؤه ضباط الثورة من أجل التخلص من النظام الإمامي الرجعي المتخلف؛ وقد سبق لي أن أرسلت رسالة عبر البريد الخاص بالواتساب، معاتبًا إياه على اعتبار الشهيد يحيى المتوكل "إمامًا جمهوريًا"، وهي إساءة أيما إساءة للشهيد يحيى، وقلت له: لو كان الشهيد يحيى حيًا لرفع عليه قضية إساءة وطعن في إيمانه بالنظام الجمهوري، وقد حاول أفراد من الإسلام السياسي السني "رياض الغيلي"، الهمز في قناة الشهيد اللواء يحيى المتوكل، ومن خصوم الشهيد، أما أن نسمعها من ابن أخت زوجة الشهيد يحيى، فتلك مصيبة. وهي عادة كل من يظنون أقبح ما يأتونه حسنًا.
وأعود للمقال فأقول إن القاضي عبدالعزيز لم يكن بحاجة للاتكاء على حديث "كل نسب وهم"، وهو قول واضح البطلان، كونه مقدوحًا في متنه، وأما سنده فلا أساس له. وكنت أتمنى عليك لو استشهدت بما جاء في كتاب الله، كقوله سبحانه: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وأن أول من تعالى على غير جنسه، كان إبليس اللعين، وأن الله أنكر انتماء ابن نوح إلى أهل بيت نوح بسبب أنه عمل عملًا غير صالح، فقال عز من قائل: "قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح".
والحديث الذي يثبت صحة ما جاء في مقالتك، هو حديث "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى"، وهذا الحديث يوافق القرآن. كما أن حديث "يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم،" حديث يؤكد أن المعيار في الانتماء للأنبياء هو الأعمال وليس النسب... فقد قال الرسول لبني هاشم: "إني لا أغني عنكم من الله شيئًا"، وهو حديث صحيح المتن، يوافق القرآن؛ ويدل على أن أحدًا لا يستحق عند الله فضيلة بشرف أبيه أو بنسبه. وقد جاء في حديث آخر صحيح المتن ويوافق كتاب الله، وهو "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
وقد أنزلت على صفحتي على الفيسبوك بوستات، ونشرت العديد من المقالات التي تستند على أدلة إثبات موثقة ترد على أغرار التشيع السياسي، منها ما جاء في نهج البلاغة عن إمام المتقين علي عليه السلام، الذي قال بالحرف الواحد: "إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به". ثم تلا قوله سبحانه: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا". وأكد عليه السلام: "إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته".
وفي هذا السياق، فإن أن الأمور السياسية متروكة للشعوب، ولها أن تختار من تراه مناسبًا، وتسقطه متى وجدت عدم نفعه.
فالثابت أن الرسول لم يوصِ لأحد، بل ترك الأمر شورى بين المؤمنين. حتى هو لم يكن حاكمًا سياسيًا، بل كان يستمد الحكم بمبايعة الناس له، فهو مؤدٍّ لرسالة، وما عليه إلا البلاغ.
وقد رفض الإمام علي عليه السلام أن يمد يده ليبايع عمه العباس، عندما قدم إليه مع أبي سفيان قائلًا له مد يدك فإذا ما علم الناس أن عمك العباس قد بايعك فسوف ينادون لك، فرد على أبي سفيان اغرب يا أبا سفيان عني، فإنك تكيد للإسلام كيدك له في الجاهلية. ثم قال: "لقد طويت عنها كشخًا ووصدت عنها بابًا... الخ.. وعندما طلب الناس مبايعته قال لهم: "دعوني فأنا وزير لكم خير من أمير". وعندما حاجج من بايعه بعد مقتل عثمان، قال لهم: "لقد قبضت يدي فبسطتموها، وقبضت يدي فبسطتموها"، قالها ثلاثًا.
وإذ أشيد بمقالك، فإنني أتفق معك في ما جاء في المقال عنوانًا ومتنًا؛ فدولة المواطنة المتساوية هي سفينة نجاة لكل اليمنيين. إن النقاش حول هذه القضية ضروري لبناء مجتمع يقوم على أسس العدالة والمساواة.
دولة المواطنة المتساوية هي مفهوم سياسي واجتماعي يركز على ضمان حقوق متساوية لجميع الأفراد بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس. يسعى هذا النظام إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، مما يعزز من تماسك المجتمعات واستقرارها.
تقوم دولة المواطنة المتساوية على عدة أسس، منها الحقوق المتساوية التي يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين، بما في ذلك الحق في التعليم، العمل، والرعاية الصحية، دون تمييز. كما توفر هذه الدولة فرصًا متساوية للمشاركة السياسية، مما يتيح للمواطنين التأثير في صنع القرار من خلال الانتخابات والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية.
تشمل العدالة الاجتماعية عنصرًا مهمًا في هذا النظام، إذ تسعى الدولة إلى تقليل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الفرص للجميع. يجب أن تكون هناك آليات قانونية لحماية حقوق المواطنين، مثل وجود نظام قضائي مستقل يضمن العدالة، ويحاسب من ينتهك الحقوق.
تسعى دولة المواطنة المتساوية أيضًا إلى تعزيز التنوع والاندماج، إذ تعترف بتعدد الثقافات والديانات في المجتمع، وتعمل على تعزيز الاحترام والفهم المتبادل.
ومع ذلك، تواجه دولة المواطنة المتساوية تحديات كبيرة، مثل التمييز العنصري والتمييز القائم على الجنس والدين. يمكن أن تؤدي الفجوات الاجتماعية والاقتصادية إلى عدم المساواة في الفرص، في حين يمكن أن يعوق الفساد تحقيق هذه المبادئ. كما أن الصراعات السياسية قد تؤدي إلى تفتيت المجتمع، وتقويض الجهود نحو المساواة.
تعتبر دولة المواطنة المتساوية مهمة لتعزيز الاستقرار الاجتماعي، إذ يشعر الأفراد بأن لهم حقوقًا متساوية، مما يزيد من شعور الانتماء. كما تلعب دورًا في تحقيق التنمية المستدامة، إذ تسهم المساواة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في النهاية، يمثل مفهوم دولة المواطنة المتساوية رؤية طموحة لمجتمع أكثر عدلًا وتماسكًا، إذ يتمكن الجميع من التمتع بحقوقهم، والمساهمة في بناء وطنهم. يتطلب تحقيق هذا المفهوم جهودًا مستمرة من الحكومات والمجتمع المدني لضمان تطبيقه بشكل فعّال.