صنعاء 19C امطار خفيفة

"معًا ضد الفاشيست":

قراءة سيميولوجية في الشعارات الاحتجاجية

2025-02-06
قراءة سيميولوجية في الشعارات الاحتجاجية
لوحة مرفوعة كتب عليها "القضاء على كراهية البشر"

"لا شيء يقودنا الى قلب العالم النابض حقًا ومؤكدًا، أكثر من الحب"

حنا أرندت في مقالتها "نحن اللاجئون"

 
**
من قلب مدينة دارمشتات الويزن بلاتس Darmstad-LuisenPlatz، تأملتُ مشهد الغضب الكبير ضد "حزب البديل  من أجل ألمانيا" (AFD) اليميني الشعبوي المتطرف، كما يُطلق عليه. غضب ورفض قاطع لعودة التاريخ الفجائعي لـ1933. كان هذا الغضب واضحًا في ملامح المحتجين، بخاصة كبار السن.
امتد هذا الحراك إلى العديد من الولايات الألمانية، حيث خرج مئات الآلاف في مظاهرات ضخمة، تصدرتهاالعاصمة برلين، إذ خرج قرابة 160 ألف متظاهر، تلتها ولاية هامبورج 80 ألفًا تقريبًا، مرددين بصوت واحد: "معًا لمقاومة الفاشية في بلادنا"، "معًا ضد التحريض اليميني المتطرف"، "معًا من أجل حقوق الإنسان الأساسية والمدنية".
مظاهرات في المانيا ضد اليمين المتطرف
لقد أصبح حزب البديل اليميني الشعبوي المتطرف (AFD)، نقطة سوداء في الحياة السياسية الألمانية، فهو الأشد إيلامًا ونكأً لجروح الماضي النازي، خصوصًا بعد توافقه مع كل من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، أثناء التصويت في (البوندستاغ)/ البرلمان، الجمعة 31 يناير 2025، على قانون  ينص على "الحد من الهجرة"، ولكن ذلك القانون فشل أمام الموجة العارمة من الاحتجاجات، التي قالتها عاليًا وبكل شجاعة واقتدار: لا عودة للنازية-فاشيستية" بثوب جديد تحت مسمى "النازيون الجدد"، "نقطع الطريق"، هكذا قالت الجموع المحتجة، بشعاراتها التي جابت فضاء ألمانيا، ومنها مدينة دارمشتات.
**
في ذلك اليوم المشهود لفشل التصويت، عجت ساحة "الويزن بلاتس" بقرابة 5000 متظاهر/ة، حاملين شعارات ذات مضامين اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، منددة بالأحزاب اليمينية، ونعتوهم بمسيمات:  "الفاشيست"، و"النازيون"، و"أعداء الديمقراطية"، و"العنصريون"... الخ.
من بين الشعارات التي لفتت انتباهي، كان أحدها يحمل صورة "حيوان الخُلد الصغير" الذي أعاد لذاكرتنا الطفولية روح الحكاية الشعبية الساخرة للكاتب الألماني "فيرنر هولزفارت" برسوم "فلف أرلبروخ"، تقول الحكاية: "إن خلدًا صغيرًا، وطبيعته أنه أعمى، خرج ذات يوم من جحره، فسقطت على رأسه قطعة من البراز. تلبسه الغضب، وقرر أن يجول في الغابة، ويسأل الحيوانات كلًا على حدة، عمن الذي فعلها على رأسه، سأل البقرة والحصان والمعزة، والحمامة والخنزير: هل أنت من تبرز على رأسي؟
فتجيبه البقرة: لا، لست أنا من فعلها، انظر أنا برازي على هذا الشكل!
وبالمثل ذهبت الحيوانات الأخرى تريه شكل برازها، حتى وصل إلى زوج ذباب، وسألهما: هل أنتما من فعلها على رأسي؟ اقتربا من رأس الخلد، وفحصا نوع البراز، وقالا له: إنه يعود للكلب. انطلق الخُلد غاضبًا نحو الكلب منتقمًا منه، وفعلها على رأسه!
لهذه الحكاية دلالتها الساخرة، وتكمن قوتها الرمزية بلغة الأطفال، في الدعوة إلى وقف الاندفاع الأعمى نحو الهاوية، وتحذر من إشاعة أجواء النازية والفاشية. في المظاهرة ظهرت أيضًا شخصية "الخُلد الصغير"، لكن في هذه المرة، حدد بسخرية لاذغة من الذي فعلها على رأسه، وكان واضحًا على رأسه: (AFD)!
**
في نفس السياق الاحتجاجي، كانت الصورة الأليمة، لـ"بوابة براندنبورغ" الشهيرة في برلين، مصورة الدمار الذي حاق بالمدينة خلال الحرب العالمية الثانية. حملت الصورة -الذكرى والتحذير معًا من خطورة تكرار التاريخ وعودة النازية وأيديولوجيتها المنغلقة على الثقافات وسيادة الطهرانية والعرقية المتمثلة بـ"العرق الآري".
كل الشعارات هي لسان حال الضمير الجمعي، مكررة رسالة الخوف من عودة ذلك التاريخ الأسود للنازية والفاشية، الذي ذاقت منه ألمانيا وأوروبا الويل والتقتيل الجماعي، فكل مدينة لا تخلو من هولوكوست، اليهود في المقدمة، وبقية البشر من مختلف الأعراق. ولذا كانت كل الشعارات الاحتجاجية في ألمانيا، تحذر من أهوال "أوشفيتز"، وتحض على ضرورة المقاومة: "ضد النازية في كل مرة"، "أنا خارج أناهض الفاشية"، "لا للنزعة القومية"، "لن نسمح بتكرار أوشفيتز"، "نحن جدار الحماية"، "إن من يلعب البوكر مع النازيين يقامر بالديمقراطية"، "ميركل أمي".
 
أنت تقرر إما 1933، أو 2025:
هذه الشعارات تعكس جوهر المعركة القائمة اليوم: إما أن تقف في صف الإنسان بالقطع مع التفتيش في أصله ودينه ومعتقده، وضميره، وهويته، الإنسان/ المواطن/ المدني/ العالمي-الكوني، وإما الانحياز إلى الطرف النقيض لمعنى الإنسان. هذا ما حدا بالمستشارة السابقة أنغيلا ميركل "ماما" -كما يلقبونها- أن تخرج عن صمتها، معترضة على انزلاق حزبها (CDU)، بالتعاون مع حزب البديل المتطرف الذي يوصف بأنه امتداد للنازيين الجدد.
إمرة تحمل لوحة كتب عليها
إن الخطاب البصري للمتظاهرين كان  يؤشر بجرأة، وصراحة، بالاسم: إن حزب البديل من أجل ألمانيا، ليس بديلًا، "أوقفوا ميرتز"*،  بل الشعارات تصمهم بأنهم صناع العار، "عار عليك يا حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، وتعزيز مفهوم الإنسان والإنسانية لا يتجزآن، وأن "الديمقراطية هي ألمانيا، ولا نتنازل عنها"، و"لا تعاون مع الفاشيين والنازيين، وضدهم في أي وقت"، "ميرتز استمع لماما"، " في دارمشتات نقطع الطريق"، و"شكرًا دارمشتات"، "لا مكان للنازيين"، "آيلون ماسك يدعم حزب البديل"، "حزب البديل يشكل خطرًا على ألمانيا"، "المقاومة طريقنا"، "حزب البديل تهديد للتعايش والديمقراطية والسلام"، "لن نسمح بتكرار أوشفيتز"، "لا للنزعة القومية"، و"الحق في اللجوء حق أساسي"، "ليس هكذا يا سيد ميرتز"، "نحن جدار الحماية"، "مع التنوع"، "البديل لألمانيا نهاية الديمقراطية"، "أي شخص يلعب بالنار يصاب بالحرق"... الخ.
مظاهرات مناهضة للفاشية في المانيا
مظاهرات مناهضة للفاشية في المانيا
مظاهرات مناهضة للفاشية في المانيا
مظاهرات مناهضة للفاشية في المانيا
لقد شارك في المظاهرات، بجانب الألمان، العديد من المهاجرين واللاجئين من جنسيات مختلفة، حاملين شعارات التعايش والمحبة والسلام، وحضر أيضًا الأطفال الأجمل، بمعية عائلاتهم، يلوحون برسوماتهم، "نريد عالمًا مليئًا بالألوان"، كما حضرت العديد من منظمات المجتمع المدني، ومن بينها "أمهات ضد اليمين OMA,S"، تلك الأمهات اللواتي لا يكللن ولا يمللن من الوقوف مع الإنسان وحقوقه الأساسية والمدنية، وحماية الدستور والديمقراطية (ما أجملهن)!
ليس بآخر:
يقول النشيد الاحتجاجي: "نحن الآن معًا، نقاوم"، و"إن مقاومة النازية الجديدة واجب إنساني"...
-----------------------------
1* - فردريش ميرتز: مرشح حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) لمنصب المستشار، حاول مع حزبه تمرير خطة الحد من الهجرة، بمساعدة حزب البديل من أجل ألمانيا اليمني المتطرف.
 
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً