صنعاء 19C امطار خفيفة

سعد بن طفلة: جاهل أم خبيث؟

بعد أن تخلَّت النخب السياسية والفكرية اليمنية عن دورها في حماية وحدة بلدها وسيادتها وكرامتها، إما طمعًا في فتات المال أو بسبب السلبية والخوف، بات اليمن عرضة للتطاول من الجميع. وأصبح كأنه "الحمار القصير" الذي يسهل على الجميع ركوبه.

 
في مؤتمرات القمة العربية والبيانات الدولية حول اليمن، لم يعد هناك تأكيد على وحدة وسيادة البلاد، على عكس ما يحدث مع سوريا وليبيا والصومال والسودان. والسبب واضح: من يُفترض أنهم يمثلون السلطة الشرعية في اليمن، والشعب اليمني، هم أنفسهم من يعملون على تفكيك البلاد. فمن غير الممكن أن يطالب من يسعى لتقسيم اليمن الآخرين بالحفاظ على وحدته، بل على العكس، يسعون إلى كسب دعم القوى الخارجية لمشروع التفكيك أو دفعها إلى تجاهل وحدة البلاد.
إلى جانب ذلك، تصدر عن بعض الكُتَّاب العرب آراء إما خبيثة أو ساذجة تدعو إلى تفكيك اليمن وتقسيمه بكل جرأة وصفاقة. ومن بين هؤلاء الكاتب والأكاديمي ووزير الإعلام الكويتي الأسبق، الدكتور سعد بن طفلة العجمي، الذي نشر مقالًا بعنوان "أنجيلا ميركل والوحدة اليمنية" في موقع "إندبندنت عربي" قبل أيام.
في مقاله، يتساءل الدكتور بن طفلة: "لماذا لا ينفصل اليمن ويصبح يمنين إذا كان سراب الوحدة داميًا ومدمرًا إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا نفكر خارج الصندوق ونعيد فصل شمال اليمن عن جنوبه درءًا لمزيد من الحروب والاقتتال؟"، لكن دعوات الدكتور بن طفلة ليست تفكيرًا خارج الصندوق، ولا هي أفكار عقلانية كما حاول تصويرها، بل هي إما أفكار خبيثة تتماهى مع مشاريع تفكيك اليمن، أو أنها أفكار صادرة عن شخص جاهل لا يفقه أبجديات السياسة والقانون الدولي، ومرتكزات النظام الدولي في العصر الحديث.
ولأن الدكتور بن طفلة يمتلك من المؤهلات ما يمنعنا من اتهامه بالجهل، فليس أمامنا سوى اتهامه بالخبث. وهذا الاتهام حق مشروع لكل يمني يرى في وحدة بلاده وسيادتها أمرًا مقدسًا، تمامًا كما هو حق مشروع للدكتور بن طفلة أن يعترض، بل يثور، لو أن أحدًا شكك في وحدة واستقلال دولة الكويت.
طالب الدكتور بن طفلة اليمنيين باتباع نموذج تشيكوسلوفاكيا، التي انقسمت إلى دولتين في ما سمي "الانفصال المخملي"، لكن هذا الطرح ليس إلا مغالطة مكشوفة. فالتجربة التشيكوسلوفاكية لا يمكن تكرارها في اليمن لأسباب جوهرية أهمها:
كانت تشيكوسلوفاكيا دولة ديمقراطية حين انفصالها، ويحكمها القانون.
كان لكل من الإقليمين، التشيكي والسلوفاكي، حكومة وبرلمان.
لم يكن هناك تدخل خارجي في عملية الانفصال.
أما اليمن، فهو بلد تمزقه الفوضى والصراعات، وتقف خلف مشاريع تقسيمه قوى خارجية لها أطماع واضحة. وفتح باب التقسيم فيه لن يؤدي إلى قيام دولتين تعيشان في سلام فحسب، بل دويلات متناحرة تغرق في صراعات لا تنتهي، تديرها قوى أجنبية، وتسفك فيها الدماء بلا توقف.
إن مشاريع التقسيم في اليمن هي سبب الحرب والتدخل الخارجي والفقر وسفك الدماء، وما جماعة الحوثي إلا إحدى الأدوات المستخدمة لتنفيذ هذا المخطط. لذلك، إن كان الدكتور بن طفلة وغيره حريصين على دماء اليمنيين واستقرار بلادهم، فإن الواجب الأخلاقي يقتضي منهم دعم وحدة اليمن والوقوف ضد مشاريع التقسيم ومن يدعمها. وإن لم يكونوا يمتلكون الأخلاق والشجاعة، فلينقطونا بسكاتهم، كما يقول الإخوة المصريون.
يُدرك الدكتور بن طفلة، بصفته وزيرًا سابقًا وأستاذًا جامعيًا، أن القوة هي العنصر الأساس في الحفاظ على وحدة الدول، خاصة عندما تكون الحركات الانفصالية مدعومة من الخارج. فالتاريخ حافل بالأمثلة:
الولايات المتحدة استخدمت القوة للحفاظ على وحدتها.
الهند قمعت وتقمع الحركات الانفصالية بالقوة.
إسبانيا، روسيا، الصين، تركيا، وإثيوبيا كلها واجهت حركات انفصالية بالقوة.
حتى أكثر الدول ديمقراطيةً وليبراليةً لن تتردد في استخدام القوة لو واجهت حركات انفصالية مدعومة من الخارج. فلو افترضنا أن فنلندا واجهت حركة انفصالية مدعومة من روسيا، لكانت ردت بالقوة نفسها التي استخدمتها الحكومة اليمنية عام 1994، وربما ما هو أكثر كما تقوم به أوكرانيا. وينطبق الأمر ذاته على بريطانيا لو كان انفصال اسكتلندا مدعومًا من قوة خارجية.
أما تبرير الدكتور بن طفلة لتقسيم اليمن بأن البلاد لم تكن دولة واحدة في الماضي، فهو إما سذاجة أو خبث. فمعظم الدول العربية الحالية لم تكن موحدة قبل قرن من الزمان وما دون ذلك، ولو اتبعنا هذا المنطق، لما بقيت دولة عربية واحدة على الخارطة، بل لتم تفكيكها إلى مشيخات وسلطنات صغيرة لا تتعدى مساحتها بعضها مئات الكيلومترات المربعة.
لو أن الدكتور بن طفلة دعا إلى تقسيم سوريا أو ليبيا أو السودان، لواجه اعتراضًا شديدًا من نخب تلك الدول، لكنه حين دعا إلى تقسيم اليمن، لم يلقَ سوى الصمت أو التهليل والتصفيق من البعض. وهذا ليس لأن طرحه عقلاني، بل لأن النخب اليمنية فقدت حس الكرامة والوطنية والمسؤولية وحتى الشعور البشري العادي.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً