من المؤسف أن تقوم سلطة الواقع في صنعاء بشيطنة منظمات المجتمع المدني، إذ تُكافَأ هذه المنظمات بمكافأة سنمار، حسب الأستاذ عبدالرشيد الفقيه.
ولم يكتفوا بذلك، بل قدموهم كعملاء وجواسيس؛ وأساؤوا إلى أسرهم أمام الأصدقاء والجيران. ومن يطلع على مضمون اعترافات البعض منهم، وبخاصة موظفي السفارة الأمريكية، يجد أن جلها لخدمة التجارة والقطاع الخاص، ولا تضر بالوطن لا من قريب ولا من بعيد.
من البديهي أن أي نظام ديمقراطي يحتاج إلى صياغة منظومة متكاملة من المبادئ العامة، مما يدفعنا للحديث عن دور الأحزاب السياسية في بناء السلم المجتمعي، إذ تُعتبر هذه الأحزاب معيارًا مهمًا لنمو وتطور النظام السياسي.
تُظهر العلاقة بين الأحزاب السياسية ودورها في تحقيق السلام والسلم المجتمعي، أنها علاقة جدلية؛ إذ ارتبط وجود الأحزاب بتحقيق السلام ووقف الحروب، في حين أن الظروف المواتية تعتبر ضرورية لدعم هذا السلام. لذا، أصبحت الأحزاب من أهم الضمانات العملية لتجنب الحروب وتحقيق السلم المجتمعي.
إن الحياة الحزبية والسياسية في اليمن تأثرت بشكل كبير بالصراع المستمر الذي دخل عامه الثامن. لقد أسهم دوي المدافع ولعلعة الرصاص في سحب البساط من تحت الأحزاب السياسية، وفقدانها الدور الريادي الذي كان يمكن أن يُجنب البلاد ويلات الحرب، ويُعزز الالتزام بمخرجات الحوار الوطني وفرض عملية السلام. أدت الحرب العبثية إلى دخول اليمن في نفق مظلم مليء بالفرز العرقي والمذهبي والجهوي، مما عكس انقسامات عميقة في المجتمع.
مع مرور الوقت، اتجهت النخب السياسية إلى البحث عن حامل حقيقي لمشروع السلام، وبرزت الأحزاب السياسية كأحد الأبرز القادرين على الاضطلاع بهذه المهمة. ومع ذلك، تعاني هذه الأحزاب من التهميش والإقصاء، إذ تتعرض مقراتها للاحتلال، ويتعرض قادتها للملاحقة والسجن، بينما تُمنع صحفها من الصدور.
يتضح من ذلك أن انقسام الشعب اليمني بين أطراف الصراع أثّر على مواقف النخب السياسية، مما أدى إلى تباين الآراء بشأن دور الأحزاب في عملية السلام. سنستعرض ثلاثة آراء رئيسية:
الرأي الأول:
يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الحرب قد أضعفت دور الأحزاب السياسية، مما جعلها عاجزة عن المساهمة في صنع السلام. الحرب عطلت العملية السياسية السلمية، واستثنت منظمات المجتمع المدني من دورها في تشكيل مستقبل اليمن، باستثناء الجماعات التي تمتلك مليشيات أو تلك التي تخضع لأجندات دولية.
الرأي الثاني:
يرى أصحاب هذا الرأي أن الأحزاب ليست فقط عاجزة عن تحقيق السلام، بل تُعتبر جزءًا من المشكلة. فهم يعتقدون أن الأحزاب السياسية تفتقر إلى رؤية واضحة للسلام، ما يجعلها غير قادرة على المساهمة في أي جهود لتحقيق الأمن والاستقرار. يستند هذا الرأي إلى حالة الانقسام داخل كل حزب، وعدم تقبل التعددية.
الرأي الثالث:
يؤكد أصحاب هذا الرأي على أن السلام لا يمكن تحقيقه دون مشاركة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. كلما زادت قاعدة المشاركة في مفاوضات السلام، زادت فرص تحقيق سلام دائم. يرون أن الأحزاب قادرة على قيادة الجماهير نحو إيقاف الحرب وبناء الدولة اليمنية على أسس الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية.
في هذا السياق، يجب على الأحزاب الوطنية إعادة ترتيب أوضاعها واستعادة دورها الريادي الذي أضعفته الحرب، والعمل على بلورة رؤية وطنية واضحة لتحقيق السلام. يشترط السلام الاتفاق على بناء دولة مدنية قائمة على العدالة والمساواة والتعددية السياسية.
كما يجب أن نُدرك أن المؤسسات المدنية، رغم محاولات شيطنتها، تلعب دورًا حيويًا في تقديم الخدمات للمجتمع، وينبغي تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تروجها وسائل الإعلام. من الضروري أن تُعطى هذه المؤسسات الفرصة للعمل بحرية، دون التعرض للتخوين أو التهديد.
فإن السلام هو غاية إنسانية نبيلة، ولا يمكن تحقيقه دون وجود أحزاب سياسية قوية وفاعلة. تعتبر الأحزاب من أهم قواعد تحقيق السلام، حيث تعبر عن وجودها الشرعي في النظام الدستوري وتعزز من عملية الاندماج الاجتماعي والسياسي.
يمكن للأحزاب اليمنية التغلب على انقساماتها الداخلية من خلال تعزيز الحوار الداخلي وتنظيم ورش عمل لتبادل الآراء بين الأعضاء، مما يسهم في بناء الثقة عبر الشفافية وتوزيع المسؤوليات بشكل عادل. كما ينبغي تطوير رؤية مشتركة تتضمن تحديد أهداف سياسية واضحة وإشراك القواعد في صياغتها. من الضروري تفعيل الديمقراطية الداخلية من خلال إجراء انتخابات دورية وتقبل التعددية. تعزيز التحالفات الاستراتيجية مع أحزاب أخرى ومنظمات المجتمع المدني يمكن أن يعزز القوة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب تنفيذ برنامج توعوي لرفع الوعي حول أهمية الوحدة، ومواجهة القضايا الحساسة بشكل صريح. تمكين الشباب والنساء عبر زيادة مشاركتهم وتوفير التدريب يعتبر أيضًا خطوة مهمة نحو تحقيق التماسك الداخلي. من خلال هذه الاستراتيجيات، تستطيع الأحزاب العمل على توحيد صفوفها وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات.