صنعاء 19C امطار خفيفة

إلى سعيد الصوفي:

للمرء الضحية الناجي من أحداث تفاهة العالم أن يتحسس ندبه وهو يبتسم للزيف..

زرت الصديق سعيد الصوفي للاطمئنان على صحته، بعد أن تعرض لجلطة صغيرة في الدماغ.
وقد تعرفت على سعيد الصوفي خلال الدراسة الجامعية، وبقيت الصداقة بيننا رغم انقطاع التواصل بسبب انشغالات العمل.
وسعيد الصوفي مناضل يساري ومثقف خجول، وصاحب ابتسامة لامكترثة وساخرة. وخلال معرفتي به لم يتحدث ولم يتكلم أمامي عن فترة اعتقاله خلال فترة الثمانينيات. وفي هذه الزيارة أهداني كتاب ذكرياته عن فترة الاعتقال تلك، كتاب "القيد والمرود".
وعند قراءته تعرفت على مصدر ابتسامته اللامكترثة والساخرة. إنها ابتسام حزن السنين، ومصدرها "سعيد الشاب": الآخر الضحية الذي اعتقل أوائل الثمانينيات. أي مصدرها قادم من حيوية الحياة.
ومازالت هذه الابتسامة على شفتي سعيد الصوفي ذي الستين عامًا، تبتسم بلا اكتراث للعالم.. إنها تشبه ابتسام النعمان؛ في أنها ابتسام مفارقة الوعي.
أثنيت على الصديق سعيد كونه كتب ذكرياته حول فترة اعتقاله؛ لأن الكتابة الباقي الوحيد على الحرية، وليس السياسة.
ولأن سعيد كالنعمان كتب مفارقة السجن؛ حيث النعمان كتب مفارقة سجن دولة الإمام وسجن الدولة القومية العربية الحديثة؛ إلا أن مفارقة السجن عند سعيد الصوفي، وهي توضح وتعزز ما كتبه النعمان من تفاهة عنف بوليس نظام الدولة العربية القومية الحديثة، توضح أيضًا تفاهة الأجهزة الأمنية للأحزاب اليمنية؛ إذ وقع "سعيد الشاب" ضحية الأجهزة الأمنية لنظام سياسي للدولة، وكذلك ضحية لنظام الأجهزة الأمنية للأحزاب.
أي أن "سعيد الشاب" وقع ضحية صراعات ليس فقط بين دولتي الشطرين حينها، بل ضحية أجهزة الأحزاب الأمنية كذلك.
لذا يشبه "سعيد الشاب الضحية" ضحايا شباب اليوم الواقعين في سجون المتصارعين؛ إنهم ضحايا أجهزة أمنية تابعة للأحزاب المتصارعة، تلك التي كانت تتصارع أثناء اعتقال "الشاب سعيد" في الثمانينيات.
الفارق في صراع اليوم هو كثافة البؤس والانحطاط لا غير؛ فقد انحطت القوى السياسية المتصارعة مع أجهزتها الأمنية.
وكذلك انحط معظم المنتمين لهذه الأحزاب؛ فلم يُكْتفَ بدفع الشباب للحرب، بل دفعوا بالأطفال للحرب (وهنا تتضح ضخامة الوهم وبشاعة زيف القضايا في عالم متغير).
ولذلك ابتسم وَبُلْ على العالم يا صديقي ولا تكترث...

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً