صنعاء 19C امطار خفيفة

متى يلقم العرب أمريكا حجرًا ويستعيدون هيبتهم؟

باستثناء مصر والأردن والسلطة، لاذت الأنظمة العربية، حتى كتابة هذا المقال، بالصمت إزاء تصريح الرئيس الأمريكي ترامب للتطهير العرقي لفلسطينيي غزة مكافأة لدولة الاحتلال على ما ارتكبته من جرائم على مدى ستة عشر شهرًا، وتدمير ٦٥% من منازلها، وارتكابها كل جرائم الحرب، ومنها حربها ضد الأونروا التي سيتوقف عملها في القدس والضفة المحتلة، بعد يومين، ظنًا منها أنها ستتخلص من مشكلة اللاجئين.

 
في مصر قطعت إذاعة القاهرة برنامجها في الساعة العاشرة و٢٨ دقيقة من مساء ٢٦ يناير، لتعلن رفض مصر سياسة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية والتطهير العرقي لثلاثة أخماس السكان. ترامب بثقة الآمر أضاف أنه بعد حديثه مع ملك الأردن، سيتحدث مع الرئيس السيسي، ونتيجة مقاومة مصر السريعة لم يفعل حتى الآن، كما لم يتصل الرئيس السيسي بترامب كما كان متوقعًا. الأردن استشعر نفس الخطر المصري، وأعلن رفضه تصفية القضية الفلسطينية.
اقتراح ترامب لو نفذ سيتبعه احتلال إسرائيل لغزة، وجعلها محاددة لمصر في إطار مشروعها من النيل إلى الفرات، وفي الأردن ستتغير التركيبة السكانية لصالح إسرائيل التي تنكر على الفلسطينيين حقهم في بناء دولة في أرضهم، وتصر على أن دولة فلسطين مكانها الطبيعي في الأردن.
في عقر دار ترامب قال سفير مصر إن بلاده لن تكون جزءًا من التهجير، ولهذا التصريح مغزاه. مصر الآن في حالة استنفار مؤسسي عنوانه الرفض.
الرفضان المصري والأردني لمن به صمم في البيت الأبيض والدوائر الصهيونية العالمية، سيحبط مخطط ترامب الصهيو-أمريكي، وكان ينبغي استكمالهما برفض عربي شامل لمصلحة العرب، وحفظًا لكرامتهم، وليقولوا للعالم إنهم لايزالون دولًا مستقلة.
ترامب باستخفاف برهن أنه لا يقدر منصبه كرئيس الدولة الأعظم، قال: "نتحدث على الأرجح عن مليون ونصف مليون شخص (لم يقل فلسطيني)، ونحن بكل بساطة (نُطهّر!) المنطقة، وأُفضّل التواصل مع عدد من الدول العربية لبناء مساكن في مكان مختلف، حيث يكون بإمكانهم العيش بسلام"، مضيفًا أن "نقل سكان غزة قد يكون مؤقتًا أو طويل الأمد".
هذه أكبر مكافأة أمريكية لدولة شاهد جرائمها كل سكان العالم، ووثقتها كل المنظمات الدولية، ونتيجة لها طلبت محكمة الجنايات الدولية إلقاء القبض على نتنياهو ووزير العدوان المقال يوآف جالانت، كمجرمَي حرب، ومحاكمتهما.
 

سياسة الترانسفير الصهيونية:

 
ترامب صهيوني بدون حاجته لقول ذلك كسلفه بايدن، وما قاله لا يختلف عما قرره المؤتمر الصهيوني الخامس عام ١٩٠١، في مدينة بازل السويسرية، عن "شراء الأرض من أيدي الأجانب! لتهويد الأرض المقدسة". وهو ما ترجم عمليًا بسياسة الترانسفير القسرية عام ١٩٤٨، وتكررت عام ١٩٦٧.
في السياق ذاته، نستذكر ما قاله رحبعام زئيفي، زعيم حزب موليديت، في ١٧ ديسمبر ١٩٩٧: "جئنا لنستولي على الأرض ونستوطنها، وإذا كان نقل السكان ليس أخلاقيًا، فكل ما عملناه منذ مائة سنة خاطئ".
إسرائيل وأمريكا تتجاهلان أن أوضاع مواطني أية أرض محتلة تنظمها قوانين دولية، وليس انحيازات تهدم القانون والتنظيم الدوليين، وتتنكر لحق الشعب المحتل في وطنه. أمريكا ودولة القضم والهضم وقعتا على هذه القوانين، ولكن الكلبين العقورين يتجاهلان القانون الدولي، ومنه اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩، والتي تنص مادتها التاسعة والأربعين على "منع التهجير القسري بالقوة أو ترحيل السكان من أرض محتلة بغض النظر عن الدوافع". وإذا كانت إسرائيل أهانت القانون الدولي، وتحاول أسرلته، فقد تم لها ذلك بتواطؤ أمريكا.
 ترامب لم يكتفِ بذلك، بل وافق على تزويد إسرائيل بقاذفات تدميرية تزن ٢٠٠٠ رطل، وألغى إجراءات اتخذتها إدارة بايدن ضد مستوطنين ارتكبوا جرائم حرب في الضفة الغربية المحتلة، وهذا ليس بعيدًا عن معتقده العنصري وكراهيته للفلسطينيين والعرب والمسلمين.
تحوصلت جذور العنصرية البيضاء، ومنها الترامبية، في فكر هيمن على العقل الغربي لقرابة قرنين، اعتبر الملونين في مستعمراتهم الحلوب أدنى، وفي مرتبة الحيوانات، لتبرير ما مورس ضدهم من تمييز واستغلال واحتقار.
 وللعنصرية جذور، فقد كتب الأسكتلندي ديفيد هيوم، في عام ١٧٥٣، عن غير البيض، ما يلي: "أنا ميال إلى الشك بأن من الطبيعي أن السود أدنى من البيض الذين مكانهم في القمة، وطبيعي أن يكون السود في القاع، وأعلى من الحيوانات فقط".
بهذا الصدد، استنكرت بريطانيا بلغة عنصرية ثورة مسلمي وهندوس الهند عام ١٨٥٧، في أواخر سنوات الحكم المغولي ضدها التي سميت "The Indian Mutiny"، ووصفتها "بأسوأ نكران لجميل بَنّائي الحضارة الإمبراطورية". 
ولا شك أن ترامب تأثر بعمق بوصف يوآف جالانت، وزير حرب العدو المقال في نوفمبر ٢٠٢٤، عندما وصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، وبالتالي فإن تطهيره العرقي هو لحيوانات، وليس لبشر مثله.
 

تصفية قضية فلسطين:

 
يبدو أن ترامب قد أخذ على عاتقه تصفية القضية الفلسطينية، بعد نجاحه الذي لم يقاوم من العرب في الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل سفارة بلاده إليها، واعترافه بضم إسرائيل للجولان العربي السوري، وتتويج ما سبق بالاتفاقات الإبراهيمية التي أضافت ثلاث سفارات عربية في تل أبيب، كتنصل من مبادرة السلام العربية.
الخشية هي أن يتحقق لترامب ما يريد في ضوء عجز العرب الذين كانوا يرون أن الاعتراف بأطماع إسرائيل في القدس خط أحمر. إن ترامب ينسف كل قواعد القانون والتنظيم الدوليين، ويحتقر حق الشعب الفلسطيني في وطنه، ويدمر حقه في العودة، ويدوس بقدميه على حقوق الفلسطينيين المشروعة بدعوته للتطهير العرقي القسري لفلسطينيي غزة، المحرم
دوليً،ا وإنكاره لحقهم في وطنهم.
العنصري ترامب يتبرع بأرض لا يملكها لدولة مارقة قامت على سرقة أرض فلسطين، وتتنكر لحقوقهم الطبيعية كشعب كامل الأهلية لبناء دولة وطنية وفق ما قاله الرئيس الفرنسي جيسكار دستاه في ٢٤ أكتوبر ١٩٧٤: "الفلسطينيون يشكلون كيانًا، حقيقة، شعبًا، ويجب أن يكون من المفروغ منه أن لهم التطلعات الطبيعية لشعب في وطن".
 

المطلوب عربيًا لكسر الهيمنة الأمريكية، ما يلي:

 
١. معاقبة أمريكا بسحب الاستثمارات العربية منها عوضًا أن تخضع دولنا الواحدة بعد الأخرى لعقوباتها السياسية.
٢. توقف الحديث عن العلاقات الاستراتيجية والشراكة معها، والتعامل معها كعدو، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية والأمنية والتسليحية معها، وإغلاق مكاتب حلف الأطلسي في بعضها والقواعد الأمريكية، وسحب الأساطيل الأمريكية من المياه العربية.
٣. توطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع الصين وروسيا وإسبانيا والنرويج وإيرلندا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
٤. تصفير الخلافات مع إيران بشرط التزامها بالتصرف كدولة وليس كثورة، وبثلاثة أمور مهمة هي: التوقف عن سياسة تصدير ثورتها، والتوسع المذهبي، والالتزام الفعلي بعدم التدخل في الشؤن الداخلية العربية.
٥. الاستثمار المكثف في إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
٧. حث الاتحاد الأوروبي بالجزرة والعصا على تخفيف انحيازه للمواقف الأمريكية والإسرائيلية، والاعتراف بدولة فلسطين، وفرض عقوبات على إسرائيل حتى توقف نشاطها الاستعماري -الاستيطاني، وتنسحب من كل الأراضي العربية المحتلة. وأخيرًا مطالبة الأفعى بريطانيا بالتوقف عن دعم إسرائيل، وتبني رواياتها وسياساتها، وإلا فرضت عليها عقوبات شاملة، وعدت دولة عدوة كأمريكا.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً