صنعاء 19C امطار خفيفة

عيدروس في دافوس

لأول مرة يشارك قائد مليشيا انفصالية في مؤتمر دافوس الاقتصادي السنوي بجبال الألب السويسرية، وهو يحمل هُويتين تناقض إحداهما الأخرى. عضويته في "مجلس القيادة الرئاسي" منحته شرعية بفضل دور طرف غير يمني، تمكنه اليوم من توظيف انتمائه إلى "الشرعية" أو بالأصح السلطة المعترف بها دوليًا، لتسويق مشروعه الانفصالي الفاقد الشرعية، وللترويج لعدائه "لليمن الشقيق" الذي يحمل جواز سفره. مؤتمر دافوس يُعنى بالقضايا الاقتصادية الدولية الكبرى، رغم أنه في تقييم البعض ليس أكثر من دكان للثرثرة لكل قادر على دفع نفقات الإقامة التي بلغت هذا العام أربعين ألف دولار، ولكلفتها الباهظة اعتذر الرئيس الراحل حسني مبارك عن عدم المشاركة في ثرثرة مكلفة عندما كانت تكلفة الإقامة في عهده أقل. تعتبر هذه المشاركة في المؤتمر تخليقًا لقضية الزبيدي الانفصالية، وتدويلًا لها بعلم "الشرعية" أو ضد إرادتها. وفي المحصلة لن تغير من وضع الجنوب الاقتصادي الذي يدار بالفساد وبالمحسوبية وبأجندة خارجية، ومحليًا لن ترفع من المقام سنتيمترًا واحدًا، لأن البؤس المشاهد في عدن وكل الجنوب لا يضيق الجفوة بين عيدروس وبين ما يأمله من دافوس.
 
مؤتمر هذا العام الذي ينتهي في ٢٤ يناير، كان موضوعه "التعاون في عصر الذكاء الاصطناعي"، وهو بعيد عن اهتمامات جل دول العالم الثالث المستقرة، فما بالنا بكيان يراد اصطناعه من قبل طرف غير يمني، ويتطلب إذا كان لا مفر من حضوره وتوخي بعض الفائدة منه، حضور أشخاص متخصصين في موضوع المؤتمر، يمثلون كيانًا اقتصاديًا مستقرًا ومزدهرًا، ويستوعبون ما يقال فيه، ويثرونه بمداخلاتهم لتوظيف الذكاء الاصطناعي في التنمية عصب الاستقرار، وإحدى دعائم السيادة التي أخذت إجازة في اليمن.
يحضر المؤتمر كبريات الشركات العابرة للحدود، والمليارديرات والمشاهير الذين لا تفرق معهم تكلفة الإقامة في دافوس، لأنهم قد يدفعون مثلها في فندق. رئيس الدولة الصهيونية إسحاق هرتزوج حضر ليومين فقط، لتقليل التكلفة، وخطب في المؤتمر، وغادر قبل انتهائه. أتساءل هنا: هل عندما خطب هرتزوج في المؤتمر، انسحب الزُّبيدي كعضو في مجلس رئاسة دولة عربية لا تعترف بإسرائيل، وتعتبرها عدوًا، أم بقي للإنصات، ليبرهن على مصداقية وجدية ما قاله عن التطبيع مع كيان الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وتصفية القضية الفلسطينية، لقناة "روسيا اليوم"، عقب الاتفاقات الترامبية -الإبراهيمية؟
 

دافوس غير توجهات

 
حضر نيلسون مانديلا مؤتمر دافوس عام ١٩٩٢، بعد عامين من إطلاق سراحه، وقبل توليه السلطة بالانتخاب عام ١٩٩٤، وفي ذهنه الوضع الاقتصادي المتردي لجنوب إفريقيا بفعل العقوبات الدولية على النظام العنصري، التي كبحت التجارة والاستثمار فيه. كان مهتمًا أيضًا بوضع المواطن في جنوب إفريقيا، الذي أصبح أكثر فقرًا، وبإفريقيا ككل التي تناضل من أجل البحث عن مكان تضع فيه قدميها. الافتقار إلى العدالة مع معتقداته اليسارية جعله يرى في التأميمات وسياسة الحماية الدواء.
 
 مانديلا في مؤتمر دافوس عام 1992
قبل حضوره كان ينوي أن يشرح للمؤتمرين السياسة الحمائية والتأميمات اللتين يود اتباعهما لحل مشاكل جنوب إفريقيا الاقتصادية. ولكن ما شرحه له رجال الأعمال بأن معتقداته التي كانت معه في السجن، وصفة كارثية على اقتصاد جنوب إفريقيا، أقنعه بأنه خارج العالم الحقيقي إذا ما نفذ معتقداته التي كانت معه في السجن لسبعة وعشرين عامًا، مما دفعه للتحول إلى اتجاه معاكس (المصدر مجلة The New African, january 2014).
 

درس للزُّبيدي

 
هل سيخرج الزبيدي من معتقدات سجن نفسه فيها، ويعود إلى عواصم إقامته في أبوظبي أو الرياض أو عدن، وقد تزود بزاد مختلف، منه، أن وصفة الانفصال كارثة اقتصادية على الجنوب، وأنه لا مستقبل للانفصال الذي لا تؤيده غالبية الجنوبيين، وسيدفع حضرموت والمهرة بما فيها سقطرى المحتلة للانفصال، هذا إذا افترضنا أن الشمال سيبقى بلا حراك مضاد، وأنه كان من الأفضل له واحترامًا لعضويته في مجلس القيادة ولرئيسه، ألا يتحدث عن الانفصال وعن شعب الجنوب العربي، في قناة "سكاي نيوز عربية " في دافوس. أما في داخل المؤتمر فلم يرشح شيء عما قاله في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لنهضة صناعية يقودها هو. كاشتراكي سابق، هل يعلم أن عبدالفتاح إسماعيل كان يرى أن الاشتراكية في الجنوب وحده لن تؤتي أكلها، وأن نجاحها في اليمن الموحد هو وحده المؤكد؟
ليكن دافوس فرصة له للمراجعة، ولاستعادة الوعي الوطني خدمة لمصلحة الجنوبيين أولًا، وإنهاء معاناتهم بسببه، ولخدمة الاستقرار والسلام في اليمن والمنطقة ثانيًا.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً