وُلِدَ الشيخ المناضل أمين أبوراس، ونشأ في قرية الجُشَاعة بمديرية ذي السفال، في محافظة إب، في العام 1920. وهو وزير، وسياسي. تلقى تعليمه الأولي في بلده، ثم رحل في طلب العلم إلى مدينة زبيد.
انتُخِبَ رئيسًا للجنة قطاع المشايخ في تنظيم الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية الذي أنشأه عدد من الثوار على الحكم الإمامي، ثم عُيِّنَ عضوًا في مجلس قيادة الثورة. وبعد قيام الثورة الجمهورية التي أطاحت بالحكم الإمامي سنة 1962م، لعب دورًا مهمًا في الدفاع عن هذه الثورة؛ إذ كُلِّفَ بمهمات عسكرية في عددٍ من المناطق اليمنية مثل منطقة دمت في محافظة الضالع حاليًا، وفي بلاد صعدة، وبلاد الجوف، كما كان له دور مهم في دحر القوات الملكية التي حاصرت مدينة صنعاء لمدة سبعين يومًا عام 1967م.
اشترك مع الأستاذ محمد محمود الزبيري سنة 1965م، في تأسيس تنظيم «حزب الله»، في خمر وبرط، وكان عضوًا في الأمانة العامة، وحضر مؤتمري: عمران، وخمر.
عُيِّنَ محافظًا لمحافظة الحديدة، ثم مستشارًا لرئيس الجمهورية، وعضوًا في مجلس الرئاسة، وعضوًا في المجلس الوطني.
وفي سنة 1997م، عُيِّنَ وزيرًا للدولة، وأُعِيدَ تعيينه في المنصب للمرة الثانية، كما عمل عضوًا في مجلس الشورى، ومجلس الشعب التأسيسي.
وأسرة أبوراس لها تاريخها النضالي منذ الاحتلال التركي، وضد النظام الإمامي، وسقط من أبنائها الأبطال العديد من الشهداء؛ فوالده المرحوم حسن بن قاسم أبوراس استشهد في سجن الإمام تحت التعذيب، وأخوه قاسم بن حسن اغتاله الإمام بواسطة السم عام 1378هـ/ 1960م، عندما أحسَّ الحكم الإمامي بخطورة بقائه حيًّا، كما قدم أخويه قُربانًا لثورة الدستور في 8491 ضربًا بالسيف بحجة؛ وهما النقيب محمد بن حسن، والنقيب قائد بن حسن بن قايد أبوراس شهيدًا رميًا بالرصاص بمنطقة السياني بلواء إب، والنقيب عبدالله بن حسن أبوراس، واستشهد في سبيل تثبيت النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر: النقيب محمد بن مقبل أبوراس، والنقيب عبدالله بن محمد أبوراس.
أبوراس الإنسان
كان الشيخ أمين أبوراس قريبًا من البسطاء والفقراء منحازًا إليهم؛ فقد وقف أمين أبوراس في وجه ظلم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وكاشفة جهرًا بحقيقة ما آلت إليه أمور البلاد والعباد، وأرسل له رسالة ينصحه في بعضها قائلًا: "انزلوا إلى مستوى الناس، وراقبوا، وارحموا الفقير!".
ومن خلال رسائل الشيخ أمين أبوراس لأنظمة الحكم المتعاقبة على اليمن، يظهر أنه كان يتحدث بلسان البسطاء، ومتبنيًا قضاياهم، ولم يشغله منصبه عن المواطنين؛ إذ طالما كان يتحدث بلسانهم، ويصرح بمطالبهم، حتى حين استفرد كل شيخ بلواء يديره كيفما شاء، ظل هو ينادي بتحسين الأوضاع، ورفع الظلم عن المواطنين، وأكثر ما يشرح ذلك رسالتان له تَنُمَّان عن موقف متقدم، وانحياز إلى صف الناس؛ الأولى أشبه بصرخة استنكار في وجه المشايخ والقادة الذين كانوا يتصارعون على النفوذ والمصالح حررها في 24 مايو 1970م، ونصها: "تتوارد الأنباء من تهامة بأنَّ الأهالي يموتون جوعًا على مرأى ومسمع من المسؤولين.
أنقذوا البشرية من الكارثة التي سيسألنا الله عنها.. اتقوا غضب الله قبل أن يحلَّ بالجميع، إنَّ هذه الصورة التي تنقل إلى المشاعر الإنسانية هذا المشهد المحزن تسبب لصاحب الضمير الحي الدوران..
انظروا إلى القصور من أين عمرت؟ وإلى الآبار الارتوازية من أين حفرت، وجُلِبتْ مكناتها؟ وإلى الملابس الفاخرة والحلي من أين وكيف لبست؟ والبنوك من أين مُلئت؟ والسيارات من أين اقتنيت؟".
ومن رسائله التي يقف فيها مع المواطنين رسالته للقاضي عبدالرحمن الإرياني:
"فخامة رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني.. رفعت إليكم برقيات عدة؛ مطالبًا تحديد اختصاصات مسؤولي لوائي: إب، وتعز؛ من الألف إلى الياء. ولعل ما رفعتُ به وُضِع في سلة المهملات كما عرفنا، فاتقوا الله، ومتى يستقيم الظل والعود أعوج؟!
فالمسؤولون من عسكريين ومدنيين جعلوا من اللواءين مركز استرزاق، وعبث بالمواطنين الضعفاء، وسلب أموال، وهتك حرمات، واللواءان واقعان في الجمهورية العربية اليمنية، وليس في مستعمرات إسرائيلية، والله تعالى يقول: "إنَّ الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم".
أنقذوا إب وتعز من مآسي المسؤولين؛ وخاصة العسكريين..
أخوكم المواطن: أمين حسن أبوراس.
انتقاده للانحرافات عن خط الثورة والجمهورية
كان الشيخ أمين أبوارس حريصًا على الثورة ومبادئها العظيمة. فحين شعر أنَّ الأخطاء تتافقم، والاختلالات تعصف بمسيرة الثورة من قمة السلطة، وأنَّ أهداف الثورة وضعت على الرفوف، ولم يتم العمل بها وتنفيذها، لم يكف عن الانتقاد خوفًا من انتكاسة الثورة؛ مبتدئًا من النصح إلى الانتقاد حتى التوجيه والإرشاد، وانتهاء بالأهازيج الشعبية.
فمن ذلك أنه دخل ذات يوم على رأس مجموعة مسلحة من القبائل إلى القصر الجمهوري؛ حيث كان الممسكون بزمام الأمور في رأس السلطة، في حين كانت قوات الرجعية تكتسح عددًا من جبهات القتال؛ فأخذ يردد والقبائل معه بأصوات عالية تتخللها أصوات الرصاص الزامل التالي:
سلام منا لاف لشي بالعاصمه * واهل الكراسي يبلغوا منا سلامْ
ثلاث سنين ما زد دروا ما الخاتمه * الخصم يتحدى وهم فيها نيامْ
ولكن لا حياة لمن تنادي، ثم جاءهم وهم في غمرة الصراع على المناصب والتآمر على الثورة والجمهورية على قدم وساق، فأخذ يردد عليهم والقبائل المسلحة الزامل التالي:
قالها بوراس من قلب واعي * ويل من خالف وضيّع ضميرهْ
والخلاف يا ناس للخصم واعي * كل مسؤول يقرر مصيرهْ
أمَّا في حصار السبعين، فقد كان له دور بارز مع المرحوم مطيع عبدالله دماج، في فكِّ الحصار عن العاصمة من الجهة الشمالية.
عندما يخرس الحزن ألسنة الشعراء
تحت هذا العنوان تحدث عنه الأستاذ الشاعر الكبير والناقد الدكتور عبدالعزيز المقالح -رحمه الله- فقال: "كان امتحان الغياب المفاجئ للمناضل الأمين: أمين أبوراس، امتحانًا لي مع الشعر. فقد حاولت كسر طوق الحزن بأبياتٍ من الشعر أخفف بها عن وقع الفجيعة في نفسي، فلم أستطع. وليست هذه أول مرة أعاني فيها من الحصر الشعري؛ فهي حالة تنتابني إثر وداع أيِّ عزيز.
وأعترف أنَّ معظم قصائدي عن أولئك الراحلين الأماجد الذين أحببتهم وبكيتهم بالشعر، لم تتح لي فرصة التعبير عن مشاعري إلا بعد رحيلهم بشهور، وبعد أن تخفَّ حدة الانفعال، وتتحول إلى نار هادئة تنضج التجربة الحزينة على ضوئها الخافت.
وقد عرفت الراحل الأمين لأول مرة في حجة عام 1956، كما أتذكر، وكنت في بداية الحياة الأدبية أرضع حتى الارتواء من أحزان «مدينة الشهداء»، وقد حاولت يومئذ، رغم أنني كنت شديد الفضول، ألا أنكأ جراحه، وأطلب منه بعض الحقائق التاريخية عن أخويه الشهيدين: محمد بن حسن، وعبدالله بن حسن، اللذين سقطا في ميدان حورة الواقع في الجزء الغربي من مدينة حجة، لكنني وجدته ينساق في حديثٍ طويل عنهما، وعن غيرهما من شهداء الشعب، وكان إيمانه بالمستقبل أكثر من إحساسه بآلام الماضي.
كان صبورًا متفائلًا. وقد تكرر لقاؤنا قبل الثورة وبعدها، وما عرفته إلا ذلك الشجاع الصامد الباسم في وجه أخطر الصعاب.
وكان آخر لقاء منذ شهر تقريبًا في حديقة رئاسة الوزراء، كان يضحك بسعادة، ويتحدث بمرحٍ عجيب".
وتحدث عنه صديقه حافظ إبراهيم خير الله، من لبنان، فذكر عنه كلامًا في غاية الأهمية، يقول:
"أرسلت أولادي إلى لبنان ليتعلموا. فماذا تعلموا؟ كنت أوصيهم بأن يراقبوا اللبنانيين، وأن يكتسبوا منهم اختبارات الحياة.
يا أخي نحن من قبائل. والقبائل إذا قاتلت، فبشرف وشهامة واحترام للنساء والأطفال. ومع ذلك تسموننا متأخرين رجعيين!
كيف تقصفون منازل بعضكم بعضًا بالمدفعية والصواريخ؟! ألا تستحون؟! ألا تحترمون النساء والأطفال والعجزة؟! قطعًا لستم لبنانيين في هذا...
في اليمن تتحارب قبائلنا على أسس وأنظمة: تطلق النار من الصباح إلى الظهر، فلا نصيب الأشخاص، بل الحجارة القريبة منهم؛ لإفهامهم أننا قادرون.
عند الظهر نوقف إطلاق الرصاص؛ لأنَّ نساءنا يأتين لنا بالطعام.
إذا نساء خصومنا تأخرن في إحضار الطعام، ناديناهم للمجيء إلينا ومشاركتنا الأكل.
خلال الأكل نتجادل في من كان أكثر عياقة في أصول التصويب إلى الحجارة المجاورة.
بعد الطعام يعود خصومنا إلى مواقعهم، فمتى تمركزوا، أعطونا الإشارة بالعودة إلى إطلاق الرصاص؛ لأنهم قد استعدوا. نحن المتأخرون؟!".
ومما قاله لصديقه خير الله:
"أرسل لي من بيروت دومًا الكتب التي تنورني في السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والاجتماع. أنا لا أحسن القراءة إلا بالعربية؛ فدبر لي ما كانت ترجمته سهلة ومفهومة".
ولاحظ صديقه خير الله عند تناوله القات في منزل الشيخ أبوراس، أنَّ ساقه متعرجة اللحم، ولما سأله عن سبب ذلك لم يجبه، ثم حدثه غيره أنه أصيب في معارك الثورة والجمهورية بأربع وعشرين رصاصة.
وقال: "ثرنا وخسرنا أهلنا، وخربنا أرزاقنا في سبيل الجمهورية. شعب اليمن أصيل أصيل أصيل أصيل. فقير في اللباس، لكنه من أغنى الأغنياء في النفس.
المستقبل هو لهذا الشعب يا ولدي، وليس لشيخ ولا لرئيس. الإمامة تفترض الالتصاق بهموم ومشاغل هذا الشعب الأصيل المعذب يا ولدي.
أتدري أين أصبحت الثورة والجمهورية يا ولدي؟
إنها في أيدي وزراء قوادين ولصوص سماسرة حقيرين؛ ألهذا قاتلنا يا ولدي؟".
ومن تأمل في كلام الشيخ أمين أبوراس رحمه الله، عرف كيف انتكست الثورة والجمهورية، والمصير الأسود الذي كان ينتظرها، ورحم الله أستاذنا الشاعر والأديب الكبير محمد يحيى الزبيري حين قال منتقدًا هؤلاء الفاسدين والطغاة:
لمَ إذن ثُرتَ في وجهِ الإمام وقلتَ له ارحلْ: * تُرى هل كان عِنِّينًا؟!
رثاؤه:
وقد رثاه الشاعر منصور محسن منصور بقصيدة مطلعها:
مصابٌ قد استخفى لسطوته الدهرُ * فيا ليتَ سمعي عند ذاك به وَقْرُ
ظننتُ وكان الظنُّ مني لهوله * مصابٌ فلم يطلع لليلته فجرُ
وسفيان البرطي:
فقدَ الشعب بافتقادك قطبهْ * حتفُكَ اليوم للعروبة نكبهْ
فلقد كنت يا أبا المجد قطبًا * للمروءات والصفا والمحبهْ
ومحمد هاشم عبادي:
من لم يذق فقدَ أليف الصبا * لم يدرِ ما أُبدِي وما أضمرُ
أفقدني الموت به وافيًا * لا يعرف الختلَ ولا يغدرُ
تقرأ في عينيه كلَّ الذي * في نفسه عن نفسه يسترُ
ثلاثة لم تعر عن عفةٍ * لسانه، والذيل، والمئزرُ
قد كان متلافًا لأمواله * وكان نهاضًا بمن يعثرُ
أوشكَ أن يفقره جوده * ومِنْ صنوفِ الجود ما يفقرُ
أصيبَ به المجد يوم انطوى * والعُرفُ، والسائل، والمعسِرُ
وناجي الأشول:
عشت اسمًا على مسمى * للحمى ابنًا أمينْ
فلتنم نومًا هنيئًا * عند ربِّ العالمينْ
عِشتَ ثوريًّا وفيًّا * ضد كل الخائنينْ
نم هنيئًا في رحاب الله * بين الصالحين
المصادر
في الذكرى الأربعين لوفاة المرحوم: الشيخ أمين أبوراس.
موسوعة أعلام اليمن ومؤلفيه، د. عبدالولي الشميري، مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون، ط1، 2017م.
مقال نشر في "اتجاهات نت" بعنوان: الشيخ أمين حسن أبوراس سيرة ومسيرة، برابط: https://etgahat.net/news753.html.