السادسة صباحًا بتوقيت دمشق هرب الأسد
هنا دمشق
الفل يبدأ من دمشق بياضُه
وبعطرها تتطيب الأطيابُ
والماء يبدأ من دمشق فحيثما
أسندت رأسك جدول ينسابُ
والحب يبدأ من دمشق فأهلنا
عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
والخيل تبدأ من دمشق مسارها
وتشد للفتح الكبير ركابُ
والدهر يبدأ من دمشق وعندها
تبقى اللغات وتحفظ الأنسابُ
ودمشق تعطي للعروبة شكلها
وبأرضها تتشكل الأحقابُ
(نزار قباني)
هذه البقعة من العالم كانت ذات يوم هي سيدة ومركز العالم، هذه البقعة كانت تدير جغرافيا مساحتها 35 مليون كم٢، ومن هذه البقعة من العالم انطلقت خيول النصر محررة القدس، هذه هي دمشق.
دمر هولاكو بغداد، لكنه أسلم في دمشق.
حرر صلاح الدين القدس، لكنه أحب أن يموت ويُعطر تراب دمشق كفنه.
ترك الشاعر والفيلسوف (الشيخ الأكبر والبحر الزاخر) الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي، الأندلس، ولم يطب له المقام إلا في دمشق، ودفن على سفح جبل قاسيون، لتظل روحه تحلق في سماء دمشق.
دمشق مدينة عميقة التاريخ، كثيفة الحضارة، فهي من أقدم مدن العالم، عمرها يمتد إلى أحد عشر ألف عام، هي أقدم عاصمة في العالم.
اليوم الصغار جدًا مشغولون بعدم مصافحة السيد أحمد الشرع للسفيرة الألمانية، مثل هؤلاء نسميهم عبيد الفوقية الأوروبية، وإن لم تكن مثلهم، فأنت إرهابي داعشي متطرف، هؤلاء اختزلوا القضية السورية في لحية الشرع وسلامه.
يقول الراحل العظيم جيفارا: "سوف يشغلونك ببائع الخبز وبائع اللحم وبائع الحليب، لكي تنسى بائع الوطن".
مثل هؤلاء الخُبثاء لديهم حوَل في الرؤية، وغشاوة في البصر، وتبلد في الذهن، تناسوا أن منظومة "العلونة" الفاشية تركت سوريا مدمرة، فاشلة، دولة خردة، اقتصادًا منهارًا، عملة لا قيمة لها، مئات الآلاف من المخفيين قسريًا، ملايين المهجّرين في بقاع العالم، مئات الآلاف من الشهداء، وأكثر من مليون معاق، يُضاف لكل هذا ضغط دولي رهيب، محرضون خُبثاء يتصيدون الأخطاء بقصد الإيذاء والتشويه، وليس الحرص، وفلول المنظومة المخلوعة المنخلعة الحالمة بالمستحيل، وهو عودة الهارب الجبان وريث أبيه.
اليد التي حزن لأجلها العلمنجيون والفلول الناعمة للمخلوع المنخلع، والتي لم يصافحها السيد أحمد الشرع، هي ذات اليد التي ذهبت إلى دويلة الكيان، وسلمت على (النتن ياهو) والقتلة من حوله، بل باركت وأيدت بلا خجل كل أعمال الخراب والقتل في غزة.
يتحدث الغرب عن حق الأقليات في السلطة، لكن هذا الغرب عندما كانت الأكثرية تُضرب بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية كان اقرب للمتفرج، يتحدثون عن المرأة وحقوقها، وعندما كانت المرأة السورية تُقتل وتُغتصب وتُسجن، كان هذا الحرص غائبًا في حالة المرأة السورية.
يقدمون الدروس وهم أشبه بمدرس فاشل ومغرور.
يحرص الغرب في الدفاع عن الأقليات فقط لإيذاء الدول الوطنية، لكن بالمقابل هل رأيتم أن مواطنًا من الأقلية المسلمة في تلك الدول كان مستشارًا لألمانيا أو رئيسًا لأمريكا أو أية دولة أخرى؟! وإذا ارتضينا بالديمقراطية خيارًا ومعيارًا لحكم الشعوب، فإن الأكثرية هي من ستحكم، هذا مقبول في الغرب المنافق، لكن عندما يكون الأمر متعلقًا بدول الشرق الأوسط تحديدًا، فهذا غير جائز وغير مقبول وغير مستحب. الديمقراطية هي أكبر عدو للغرب في منطقة الشرق الأوسط، لأنها هي الطريق الوحيد لخلق أنظمة وطنية لا تقبل الانحناء والإملاء.
للباحثين عن التوافه أقول هناك فرق بين هيجان الثورة ورزانة الدولة، هناك فرق بين حماس وتهور الثائر، وبين هدوء ورزانة رجل الدولة، لهذا يتوجب علينا أن نحترم ونقدر ما يقوله السيد أحمد الشرع، وقد رأينا وسمعنا وقرأنا حجم التسامح الكبير لقوات سوريا الجديدة، وهي تحرر المدن السورية.
اليوم وكل يوم، من يتابع حالة الزخم الرهيبة والفرح العظيم والعارم، التي يعيشها الشعب السوري في كل مدنه وأريافه، يدرك كم كان 8 ديسمبر 2024 عظيمًا ومجيدًا بالنسبة للسوريين، وإن كان الثمن مكلفًا وغاليًا جدًا، لكنه يستحق ذلك، تضحيات لم يقدمها شعب في التاريخ الإنساني، ثورة من قاع اليأس أتت، ثورة جعلت المستحيل ممكنًا، وجعلت من الأبد البشع حاضرًا جميلًا. من اللحظة الأولى رأينا هذا في عيون أطفال سوريا ونسائها ورجالها وشبابها، عندما تمطر دمشق لا بد أن يصل غيثها إلى كل بقعة من سوريا المباركة، وبالتأكيد سوف يصل غيثها إلى محيطها العربي، وقد وصل، فرغم جسامة المعاناة وعمق الجرح، فقد شاهدنا اليوم الفرحة العارمة تعم المدن السورية تضامنًا وتأييدًا وابتهاجًا مع إخوتهم الفلسطينيين في غزة والضفة بإعلان هدنة النصر.
8 ديسمبر هو اليوم الأخلد والأمجد والأعز لكل السوريين وكل العرب، في هذا اليوم عادت دمشق لعروبتها الخالصة النقية والصادقة، وهي بالتأكيد لا تشبه عروبة البعث السوري الخائبة والكاذبة والبائسة، والتي جعلت من سوريا مقابر وسجونًا، واختزلت سوريا بكل تاريخها الضارب عميقًا في التاريخ، في "قرداحة" المقبور حافظ ووريثه الهارب.
سوريا اليوم يقينًا وأكيدًا هي في المسار الصحيح والطبيعي، صموا آذانكم عما يقوله الخُبثاء والمحرضون والفلول الناعمة للمخلوع في الداخل والخارج، وشاهدوا الواقع كما هو وكما يجب، انتهت جمهورية الخوف إلى الأبد.
من اللحظة الأولى للثامن من ديسمبر، ظهرت سوريا الجديدة مختلفة، رأينا حجيج الدول والمنظمات الدولية تتقاطر وتتوافد تواليًا إلى دمشق، وبكثير من الدهشة يتساءلون كيف حدث هذا؟!
كان العالم بكل مخابراته ومحلليه وعرافيه وسحرته، على يقين مطلق أن الأبد العفن باقٍ إلى الأبد، لكنهم لا يدركون أن هذا الأبد البشع كان أشبه بمقلب قمامة ظل يتعفن ويتخمر وينشر سموم عفنه على سوريا وشعبها على مدى أكثر من 54 عامًا، لكن في اللحظة التاريخية الفارقة والفاصلة كان لا بد من ردم هذا المقلب العفن المتعفن، وكان لا بد لدمشق أن تقول كلمتها: "هنا دمشق"، كان لا بد لهذا الشعب النبيل والعظيم أن يدوس تحت أقدامه ويتبول أطفاله على 3000 صنم لمؤسس التطييف والفاشية الهالك حافظ، في 8 ديسمبر الساعة السادسة صباحًا هرب الأبد إلى الأبد، وبقيت سوريا إلى الأبد.