صنعاء 19C امطار خفيفة

العلمانية بين الدوجما والحقيقة النسبية

تقوم العلمانية على مفهوم نسبية الحقيقة، حيث ترفض المطلقات وتبطل الادعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة، سواء كانت دينية أو أيديولوجية أو سياسية. فمن خلال هذا المنظور، لا تعترف العلمانية بوجود حقيقة واحدة لا تتعدد، بل تؤكد على أن كل شيء نسبي ومتغير. وهذه النسبية تشكل تهديدًا لأي حزب شمولي أو جماعة دينية أو حاكم مستبد، إذ يعتمد هؤلاء على مفهوم الحقيقة الواحدة المطلقة التي يروجون لها باسم الدين أو الأيديولوجيا أو السلطة.
إن تعريف الطاغية للوطنية هو التعريف الوحيد الصحيح، ورؤية الزعيم للأمن القومي هي الرؤية الصحيحة الوحيدة، وسياسات المستبد الاقتصادية تُعتبر صحيحة دون أي نقد. في هذا السياق، تتجلى فكرة تماهي الزعيم مع الوطن كما عبر عنها الملك الفرنسي لويس الرابع عشر بقوله: "أنا الدولة". وبذلك، تصبح معارضة الزعيم خيانة للوطن، تستحق العقوبة، بينما يروج الإعلام لتصوير المعارضين على أنهم طابور خامس أو خونة.
العلمانية، كونها نمط تفكير يناهض الدوجما، تسعى للقضاء عليها سواء كانت دوجما دينية أو وطنية. وبالتالي، يعارض الطغاة العلمانية، لأنها تجعل من رؤية الزعيم وقراراته مجرد وجهات نظر، ويمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة. وهذا يعني أن معارضة الزعيم لا تعني الخيانة أو العمالة، كما أن الحاكم ليس ظل الله على الأرض أو الناطق باسمه.
العلمانية تمثل أساس المواطنة، إذ تجعل جميع أبناء الأمة متساوين في الحقوق والواجبات. بينما الاستبداد يرفض المواطنة، ويعمل على هدمها، إذ تعتمد الدول المستبدة على نظام الامتيازات بدلًا من نظام الحقوق. من يقترب من السلطة يحصل على امتيازات تفوق القانون، بينما يُعاقب المعارضون. وهكذا، يتمايز المواطنون على أساس الولاء للحاكم، مما يجعل أصحاب الولاء من الدرجة الأولى والمعارضين يواجهون مصيرًا مأساويًا.
تشكل العلمانية تهديدًا قويًا لرجال الدين، الذين يُعتبرون الحليف الأول للطغاة. يسعى هؤلاء إلى السيطرة على عقول الجماهير من خلال نشر فكرة أن الحق واحد لا يتعدد، وأن الحقيقة توجد فقط لدى الحزب أو المذهب أو الحاكم. لذا، تسعى القوى المستبدة إلى تقويض العلمانية لضمان استمرار سيطرتها على الفكر العام.
هناك نماذج ناجحة لدول علمانية تحترم حقوق الإنسان، مثل:
- فرنسا: حيث تُعتبر العلمانية جزءًا أساسيًا من هوية الدولة، مما يضمن حرية الدين والمعتقد، ويعزز المساواة بين المواطنين.
- كندا: تتميز بتعددية ثقافية واحترام كبير لحقوق الإنسان، إذ يتمتع الأفراد بحرية التعبير والديانة.
- ألمانيا: تُعزز القيم العلمانية من خلال نظام قانوني يحمي حقوق الإنسان، ويضمن حرية الأديان.
- السويد: تعد نموذجًا للدولة العلمانية التي تحترم حقوق الإنسان، حيث تضمن حرية التعبير وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين.
في النهاية، العلمانية تمثل صراعًا ضد الدوجما، إذ تسعى إلى تعزيز التفكير النقدي والمواطنة المتساوية. بينما يعتمد الاستبداد على الدوجما لتثبيت سلطته، مما يعكس التوتر الدائم بين القيم العلمانية واحتكار الحقيقة من قبل السلطة. إن فهم هذا الصراع يعد ضروريًا لإدراك كيفية بناء مجتمع أكثر عدلًا وديمقراطية.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً