(إن كنت لا تعرف إلى أين أنت ذاهب فكل الطرق تؤدي إلى هناك -مثل شعبي)
لكي نتجنب الضياع في المتاهات المضللة، ولكيلا تختلط علينا الحقائق تحت غبار الخديعة والوهم، فيجب أن نحدد بوضوح تام صفات الواقع الذي يجسد السلام الحقيقي المستدام، وأهم عناصره، ومن ثم الطريق الآمن إليه. والجواب البديهي بالنسبة للشطر الأول من السؤال هو: "بناء دولة المواطنة الديمقراطية كاملة السيادة مكتملة الأركان على كل شبر من الأرض اليمنية".
هذا هو شرط تحقق السلام الحقيقي المستدام، وأي نهج في بناء السلام (سلمًا أو حربًا) لا يوصل إلى هذه النتيجة، فهو ليس نحو السلام المستدام، بل هو إلى حروب أوسع وأفظع.
ويبين هذا المقال، أن من شأن العديد من الخصوصيات الاستثنائية للحالة اليمنية، أن تجعل انتهاء حالة التربص والحرب الراهنة، سواء تم عبر التفاوض أو الحسم العسكري، على فرض تحقق أي منهما، عاجزًا عن أن يؤدي تلقائيًا إلى تخليق بيئة مواتية لتحقيق السلام الحقيقي وبناء الدولة الوطنية، وأن يؤدي وبكل تأكيد إلى العكس من ذلك، أي إلى تفاقم الصراعات والحروب، واتساعها في مختلف أنحاء اليمن، وذلك ما لم يتم التعاطي الفعال مع هذه الخصوصيات على النحو الذي يضمن تحييدها، وكف خطرها كمصادر للفتنة المجتمعية والحروب.
السؤال الأول المهم هو: حول ماهية ومصادر هذه الخصوصيات والمعطيات المجتمعية والسياسية وغيرها من مصادر الخطر القائمة والكامنة، القادرة على تفخيخ طريق السلام بعناصر الفتنة وبمقومات ومحفزات الحرب والدمار على أوسع نطاق؟ وهي كثيرة وفتاكة، ومن أهمها ما يلي:
1- المليشيات المنتشرة في أنحاء اليمن، وهي خارجية المنشأ والولاء، مسلحة، جيدة التمويل، ومهيمنة بالفعل في أنحاء مختلفة من الأرض اليمنية، وهي مهيأة بنيويًا وتوعويًا لدورها الوظيفي المرسوم في خدمة الأغراض الخارجية، بما في ذلك تفتيت اليمن، وتخليق وتعميق الصراعات على مختلف المحاور المناطقية، والفئوية، والمذهبية، وغيرها.
2- التركيبة القيادية للشرعية (مجلس القيادة الرئاسي): وهي تركيبة غير مسبوقة، كفيلة بتعطل دورها الذاتي كقيادة للدولة، ولا تسمح لها بأي دور وطني مستقل وموحد سواء في التفاوض أو الحرب، بل تجعل دورها عكسيًا كبوتقة تناقض وصراع لا يقبل التصالح إلا على أنقاض الدولة والسيادة. وهي عاجزة عن الاتفاق ذاتيًا على أي شيء ذي أهمية، وتجعل الصراع حين يحدث ضمن بنية الدولة وليس ضدها أو من خارجها، ما يخلق شروخًا عميقة تبدأ من الرأس، وتنتشر في جسم الدولة والمجتمع، وتمس اللحمة المجتمعية، والوعي السياسي العام، والهوية الوطنية.
3- الاستهداف الخارجي الصريح لاستقلال وسيادة ووحدة اليمن، والمنظومة الواسعة من الأدوات والمهام (التآمرية) المصممة لتحقيق هذه الغايات، وسيكون لها آثارها التخريبية في الأمد القصير بدون شك، (على أن الأرجح هو أن تؤول في النهاية كخطة وما يرتبط بها من الترتيبات، إلى مجرد تكتيك آخر فاشل وأحمق، يقدم خدمة عظيمة وحاسمة للحركة الحوثية، ويمنحها فرصة لن تضيعها أبدًا، وهي التحول إلى دور المدافع عن كيان اليمن وعن وحدته وسيادته، وما يلحق بهذا الدور من المشروعية ومن المكانة والمساندة المجتمعية، وتكون بذلك كمثيلاتها من التكتيكات الفهلوية والعنجهية السابقة، التي حمت الحركة الحوثية وجيشت اليمنيين الى صفها، وغيرت مسار الأحداث، وكان ما كان).
4- حالة التعبئة المجتمعية المكثفة والمستمرة منذ وقت طويل، والمصممة بدقة عبر وسائل التزييف الممنهج للوعي ولحقائق الواقع، وذلك لتخليق أوهام الغبن، والاستهداف، والشك، والخوف، المتبادلة بين اليمنيين، وتسييس مظاهر التنوع المجتمعي الفئوي والجهوي والمذهبي، وإكسابها جميعًا مضامين وأهدافًا صراعية حادة وغير تصالحية، وجعلها جاهزة ومهيأة لنشوء المزيد من المليشيات والأدوار التخريبية عل امتداد الساحة اليمنية.
5- الترويج الأخلاقي والمعنوي لثقافة الارتزاق والعمالة والفساد، وتسفيه قيم النزاهة، والسحق المعنوي لليمنيين عبر التجويع والترويع، وتشكيكهم بقدراتهم وبخياراتهم الوطنية، وكسر روح الكبرياء والممانعة الوطنية لدى المواطنين، وتسخيف الرفض المعنوي للعمالة وللأدوار غير الوطنية، وبالتالي إتاحة كثير من اليمنيين جنود طائعين لكل عدو موسر ضد وطنهم، وجعل واقع وأداء النخب السياسية المرتهنة والعاجزة، دليلًا على واقعية اليأس، وعلى انسداد أفق التغيير الذاتي لأجل اليمن وبأيادٍ يمنية.
6- واقع ودور النخب السياسية، إذ تم تكوين النخب السياسية في أغلبيتها، ومنذ زمن طويل، من خلال عملية انتخاب عكسي تراكمية مستمرة، لمصلحة الأردأ فالأردأ بكل المقاييس تقريبًا، وتمثل هذه النخب اليوم حاجزًا فعليًا يحول بين اليمنيين وبين تغيير واقعهم، وتتيح اليمن عبر أدوارها المشبوهة أرضية خصبة للأطماع الخارجية، والتدخلات الانتهازية، بل تتيح نفسها كأدوات تخريبية على امتداد طريق اليمن نحو النجاة.
7- تهوين معنى وهيبة الواجب والولاء الوطنيين وحقوق المواطنة الأخوية المتساوية بين اليمنيين، وتسويغ الممارسات التي يحرمها العرف، وتجرمها القوانين السارية، ويرفضها الحس السليم والكبرياء الوطنية، بما في ذلك التماهي مع احتلال الأرض اليمنية، وانتهاك استقلال القرار السيادي اليمني، وتجرده لخدمة الصالح العام، وممارسة التمييز الفئوي والجهوي بين اليمنيين.
أما السؤال الجوهري الثاني فهو حول أسلوب فعل هذه المعطيات والظواهر في تفخيخ أي سلام يمكن التوصل إليه، سواء عبر التفاوض أو عبر الحرب، بعناصر ومقومات ومحفزات حرب أهلية أشد وأوسع.
وهنا ينبغي التفرقة بين أسلوب فعل هذه الظواهر من خلال نهج تحقيق السلام عبر التفاوض من ناحية، ونهج تحقيق السلام عبر الحسم العسكري من ناحية ثانية، وذلك للتباين في الأدوات والأدوار والآليات في كلا الحاتين، رغم أن المحصلة هي في كلا الحالتين إشعال الفتن الواسعة والعصية على السيطرة.
1- حالة تبني التفاوض كطريق لبناء السلام:
التفاوض والحوار هو الطريق الأصح والأضمن نحو السلام، ولكنه وبفعل المعطيات السابقة، عرضة للتجيير الانتهازي، من قبل القوى المحلية والخارجية ذات الأجندات المشبوهة والعدائية، لكي يصبح وسيلة لتخليق وتوسيع وحتى شرعنة الفتن على امتداد اليمن.
أول ما يجب التنبه له هنا، هو حقيقة كون الشرعية ليست كيانًا متجانسًا، بل هي أقرب ما يكون إلى المسمى الفضفاض الذي يستوعب الأضداد، بما في ذلك حول المرتكزات الجوهرية لوجود الدولة الوطنية والكيان اليمني ذاته، وبالتالي فتعوزها القدرة الذاتية على تخليق أرضية مشتركة في ما بينها، ناهيك عن بلورة المواقف التفاوضية الموحدة، وعلى التفاوض المستقل الفعال.
وفي كل الأحوال، فإن الموقف التفاوضي الموحد للشرعية لو افترضنا جدلًا تحققه، فهو مقيد حتمًا بتعليمات الرعاة الإقليميين ومواقف وكلائهم المحليين، ولن يقدر بالتالي على بلورة أية صيغة للسلام القابل للإدامة وفقًا لتعريفنا، إذ يلزم في هذه الحال أن يستهدف سلبيًا ووجوديًا، نهج بناء الدولة الوطنية، على النحو الذي يمنع قيامها، إذ إن قيامها يعني أن تكون كاملة السيادة، موحدة الأرجاء، تحتكر حق وأدوات ممارسة القوة الجبرية على أرضها، وتحتكم في عملها إلى دستور يعكس سيادة الشعب، ويجعل المصلحة العامة هي الغاية الحصرية للحكم، ويضمن العدالة المجتمعية وحقوق المواطنة المتساوية بين جميع المواطنين، وهو ما يجعلها نقيضًا وجوديًا مباشرًا لغالبية القوى الممثلة في المجلس الرئاسي وغيرها من القوى على الساحة اليمنية، وللمهام الموكلة إليهم من قبل الخارج.
ومن أهم الخطوات التي من شأنها جعل التفاوض مدخلًا حتميًا لإشعال الفتن والحروب، أن يتم تصميم وتنظيم عملية التفاوض بين اليمنيين، لكي تعكس المعطيات المباشرة للأمر الواقع الراهن في بنية الصراع ويستجيب لها، ومعنى هذا هو باختصار أن يتم تنظيم عملية التفاوض لكي تشمل حصرًا أو بالأساس أطراف الصراع ومراكز القوى التي تتحكم بالمشهد العسكري والسياسي الراهن، وهي في الأغلب، وعلى نحو ما أسلفنا، تمثل مصالح قوى إقليمية، وطموحات خاصة غير مشروعة، وتبرر أدوارها من خلال تموضعات فئوية ومناطقية ومذهبية وأيديولوجية مفبركة ومصممة وظيفيًا لمنع قيام دولة المواطنة الواحدة مكتملة السيادة.
هذا هو النموذج التفاوضي الذي تجري الدعوة إليه بما في ذلك عبر المبعوث الأممي، وهو يحظى بإجماع مختلف الأطراف بما في ذلك المجلس الرئاسي، والحوثيون، وغيرهم من ممثلي الخارج بما في ذلك الرعاة الخارجيون أنفسهم، وتتضمن هذه الصيغة صراحةً التهميش العدائي المبيت طويل المدى، ضد الشعب بمختلف انتماءاته ورموزه وقواه الوطنية، صاحبة المصلحة الحقيقية والوحيدة بالسلام الحقيقي، خصوصًا بعد انسحاب القوى الحزبية اليمنية، من أدوارها المفترضة، وإعادة تموضعها في مربع السلبية والتبعية والشبهات.
وبالنظر إلى أن هذه القوى لا تستهدف تحقيق المصلحة الوطنية اليمنية المجردة التي يمكن أن تشكل إطارًا ناظمًا ومرجعية حاكمة لنهج التوافق والالتقاء في ما بينها، فإن عملية التفاوض المحكومة بمعطيات الواقع المشار إليها، لا يمكن أن تتمخض عن سلام حقيقي، بل في أحسن الأحوال هدنة مؤقتة بين أعداء، هي في حقيقتها مرحلة تحضيرية لحروب أهلية تالية متعددة الأطراف والمحاور في ما بين هذه الكيانات المليشياتية، وعلى خطوط تموضعاتها المتعارضة، ومع الشعب اليمني وجميع الشرفاء من أبنائه.
وعلى فرض توصل هذه الأطراف إلى صيغة توافق حقيقي، فإن هذه الصيغة لا يمكن أن تكون إلا على حساب سيادة اليمن ووحدته ومرتكزات وجودة، كون هذه المرتكزات هي وحدها المتاحة (مؤقتًا) للتنازلات، وفي هذه الحال تكون الحرب حتمية، ليس فقط بين المليشيات، ولكن مع الشعب اليمني وقواه الوطنية على اختلافها.
وسيكون من شأن إشراك هذه المليشيات في عملية التفاوض حول مستقبل اليمن، ومن ثم خروجها من عملية التفاوض ككيانات سياسية مستقلة ومشرعنة، أن يعزز حضورها ودورها السياسي والمجتمعي، وقدرتها على تنفيذ الأجندات الخارجية، وفي طليعتها، بالإضافة لتحقيق الأهداف الانتهازية لعصابات الداخل، تحقيق الأهداف الخارجية المتمثلة بتغييب اليمن عن الساحة الإقليمية والدولية، كهدف قائم بذاته بالنسبة للبعض، وإشغال اليمن بحرائقها الداخلية، وإضعافها على المدى الطويل، وهو الشرط الذي لا بديل عنه لدوام الهيمنة على ما يرغب أشقاء اليمن في اقتطاعه من جسدها، وما يحلو لهم من أشكال الهيمنة عليها، وسوف يلزم لذلك الاستمرار في تغذية حرائق اليمن بالمال والبارود، إلى أن ينتصر اليمنيين لأنفسهم، أو أن يحدث أن الماء يروب، أو الـ... تتوب.
والمخرج الوحيد من هذا الوضع نحو عملية تفاوض يمكن أن تفضي إلى حالة سلام حقيقي ومستدام، هو في أن يتم تطوير إطار تفاوضي يشرك الشعب وقواه الوطنية في عملية التفاوض بوزن تمثيلي متناسب وصحيح، وأن تتم عملية التفاوض تحت سقف الدستور وفي ظل ضوابطه باعتباره أساس المشروعية ومحكومًا بمقتضيات تحقيق شروط بناء الدولة الوطنية ومن ثم السلام المستدام، وعلى أساس مرجعية الصالح العام، وأن يتم إقناع دول الجوار الإقليمي بالكف عن التدخل العدائي في الشأن اليمني أو ردعها عن ذلك، وحل التكوينات العسكرية للمليشيات، أو دمجها في كيان موحد وطني الولاء والانتماء. وسوف أقوم بعد هذا بنشر صيغة معدلة لمقترح في غاية الأهمية حول تنظيم عملية التفاوض، سبق تقديمها من قبل كوكبة من الرموز الوطنية، وكان لي شرف أن أكون أحدهم، إلى الأطراف وإلى المبعوث الأممي، ونشرت في حسابي على "فيسبوك"، في عام 2016، وتم تجاهلها أو معارضتها من قبل جميع المعنيين في حينه.
2- حالة تبني الحسم العسكري انطلاقًا من الكيانات المليشياتية المسلحة المتواجدة على الساحة اليمنية:
وأول ما يجب التنبه إليه هنا هو أنه، وبالرغم من كون العديد من المكونات المليشياتية تتبع بعض الشخصيات من قيادات الشرعية سواء بالأصالة أو بالوكالة، فلا يمكن اعتبارها مكونات ضمن جيش وطني موحد يمكن تسميته بجيش الدولة اليمنية، فهي غير وطنية الولاء، ولا تأتمر بأمر وزارة الدفاع أو هيئة الأركان، بل هي تضمر العداء الشديد لبعضها البعض، وهي وظيفيًا وتنظيميًا ضد الدولة الوطنية، والرابط الوحيد في ما بينها الآن هو خطر المواجهة مع جماعة الحوثي، وبالتالي فإن الحسم العسكري لصالح (تركيبة) الشرعية، لو افترضنا جدلًا تحققه، فهو أبعد ما يكون عن أن يعني انتقال اليمن إلى حالة السلام الحقيقي المستدام، الذي يفضي إلى بناء الدولة الوطنية مكتملة السيادة، وتفردها بحق ووسائل امتلاك القوة العسكرية والأمنية ضمن حدود اليمن.
والأرجح هو أن مثل هذا الحسم، إن تم عبر المليشيات ذات الولاءات ومصادر الدعم الخارجي المشبوهة، وعبر العصابات وجيوب النفوذ الانتهازية والمصلحية، المصممة بنيويًا وتوعويًا وفقًا لمقتضيات دورها التخريبي، والمخلقة خارج قوام الدولة وضد قوانينها، والتي هي بطبيعتها ومن حيث أهدافها نقيض وجودي للدولة وللدستور، وهي بالتالي معادية لهما، ولكل مرتكزات بناء السلام الحقيقي، فسوف يقود مباشرة إلى حرب منفلتة وشاملة متعددة المحاور والأطراف والأهداف، غايتها المباشرة هي من ناحية تفتيت البلاد إلى مناطق نفوذ أجنبي تسيطر عليها شكليًا ووظيفيًا مليشيات محلية مستأجرة، وإلى مناطق نفوذ مليشياتي متصارعة على طول البلاد وعرضها، تسيطر عليها مليشيات وعصابات تتبع جماعات مصالح وتجار حروب بمسميات مختلفة من ناحية ثانية.
ووظيفة مناطق النفوذ المليشياتى هي إدامة الصراعات وتعميقها وتوسيعها خلال الزمن بما يحول دون قيام دولة وطنية موحدة وقوية تنهي النفوذ الأجنبي على كل ذرة تراب وعلى كل قطرة ماء يمنية، وبالتالي تحمي سيادة اليمن ووحدة ترابه، فهي بالتالي أدوات موجهة لتغييب اليمن عن المشهد الإقليمي والدولي بالنسبة لمن يسره ذلك، ومن ثم إشعال الحرائق على امتداد الساحة اليمنية لإدامة هذا الوضع.
وبالطبع فيمكن إثبات أن مثل هذا الوضع سوف يرتد بالدمار على الجوار الإقليمي عمومًا وحتمًا، ولكن التجارب تفيد بأن الضحالة الاستراتيجية والشبق التكتيكي الفهلوي الذي هو طابع الفكر السياسي العربي، قد حالت على امتداد تاريخ المنطقة دون استباق الكوارث من هذا النوع، ولن يختلف الأمر في هذه المرة.
أما آلية الانتقال من نقطة الحسم العسكري عبر النصر المفترض إلى حالة الحرب الأهلية الشاملة، فهي وفي ضوء معطيات الوضع الراهن السياسي والعسكري والأمني وتشعباته المحلية والإقليمية، والتموضعات السياسية والمليشياتية على امتداد الساحة اليمنية مسألة بديهية، لا تحتاج إلى شرح، ويمكن إيجازها من خلال المراحل التالية:
• تقوية هذه الكيانات ماديًا وبشريًا وتسليحًا في إطار إعدادها لدورها العسكري.
• تعزيز نفوذها السياسي والمجتمعي.
• تعزيز وزنها وشرعنة وجودها المستقل ضمن بنية القوى الفاعلة والمعترف بها وبدورها الراهن والمستقبلي على الساحة اليمنية وعلى المستوى الدولي.
• منحها أفضلية التموضع في مركز صناعة القرار والقدرة على توجيهه على نحو يفوق كثيرًا حضورها الشعبي ووزنها السياسي الفعلي.
• رفع مستوى تقييمها في سوق العمالة الإقليمي، مما يؤدي إلى رفع مستوى دعمها الخارجي، وإلى توسيع نطاق دورها الوظيفي في خدمة الخارج على حساب اليمن، وبالتالي إلى تقويتها.
• تعزيز ثقتها بنفسها، وبالتالي توسيع نطاق أهدافها الانتهازية، ورفع مستوى عدوانيتها على حساب الدولة ومرتكزات المصلحة العامة.
• تعزيز مواردها المالية من المصادر غير المشروعة، سواءً الخارجية المشبوهة، أو الداخلية، عبر تعزيز قدرتها وجرؤتها على ممارسة الفساد، وبالتالي زيادة قدرتها على تجنيد الأتباع وجاذبيتها لديهم.
وكل ما سبق يصب في تعزيز قدرتها وجرأتها على شن الحروب على الدولة وعلى المكونات الأخرى النقيضة وعلى الشعب والقانون ومرتكزات المصلحة الوطنية العامة، سواءً لتنفيذ الأدوار الموكلة إليها من متعهدي الخارج أو لتحقيق اجنداتها الخاصة.
وبالطبع فلن تتسع هذه المقالة لعرض تفصيلي للإجراءات والخطوات اللازم اتباعها لجعل نهج تحقيق السلام، سواء تم عبر الحرب أو التفاوض، مدخلًا حقيقيًا لبناء الدولة الوطنية، وتحقيق للسلام الحقيقي المستقر والمستمر، ولكنها وفي كل الأحوال لا بد أن تتضمن كحد أدنى ما يلي:
1- إعلان الدولة اليمنية من خلال موقف مشترك لشعبتي البرلمان اليمني، أن التدخل الأجنبي من خلال إنشاء، أو تمويل، أو تسليح، أو تعبئة المليشيات المحلية، هو عمل عدائي ضد الشعب اليمني، وهو من أعمال الحرب التي تستهدف الكيان اليمني وجوديًا، وعن حق اليمن الكامل في الدفاع عن نفسها، واستحقاقها للتعويض الكامل عن كل ما لحق بها من الأذى نتيجة لذلك وإصرارها على استيفاء هذين الحقين.
2- تحشيد المجتمع الإقليمي والدولي والمؤسسات الأممية والمواقف العامة اليمنية والعربية والعالمية للتدخل لكف ممارسات التدخل العدواني المشار إليها ضد اليمن وضد السلام في الإقليم.
3- حل كافة المليشيات والعصابات المنظمة والمسلحة، واستعادة حق الدولة في احتكار حق امتلاك وممارسة الأعمال العسكرية والأمنية على أرضها.
4- قبول قسم الولاء لليمن ولدستور ولدولة اليمنية من كل منتسبي التشكيلات المليشياتية وقادتها السياسيين والعسكريين، ومن ثم دمج من يفعل في بنية العمل الوطني السياسي والعسكري وغيره على قاعدة المواطنة المتساوية والحقوق المتساوية، مع بقية المواطنين، دون أي اعتبار للماضي.
5- مراقبة الأنشطة العدائية الخارجية، والرد عليها بكل حزم أولًا بأول.