شهدت مديرية القريشية بمحافظة البيضاء شرق اليمن, تصعيداً عسكرياً حاداً من قِبل جماعة الحوثي، التي اقتحمت منطقة الخشعة، على أطراف قرية الحنكة آل مسعود، بعد مواجهات عنيفة مع سكان المنطقة. وتستمر الاشتباكات بين الطرفين وسط حصار خانق تفرضه الجماعة على المنطقة منذ أكثر من أسبوع، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي.
وأفادت تقارير محلية بأن الهجوم الحوثي المستمر منذ 9 يناير حتى اليوم, أسفر عن سقوط العديد من الضحايا من قبيلة آل مسعود بين قتيل وجريح، مع استمرار استهداف قوات الحوثيين للمناطق السكنية بالطيران المسيّر والمدفعية الثقيلة. كما قامت جماعة الحوثي بقطع خدمات الاتصالات والإنترنت، ما عزل السكان عن العالم الخارجي، وزاد من معاناتهم في ظل منع دخول المساعدات الإنسانية أو إسعاف الجرحى.
تعزيزات عسكرية وتكثيف الهجمات
يواصل الحوثيين حشد تعزيزات وقوات كبيرة ونشرت عناصرها في المناطق المحيطة بجبل احرم، وجبال الثعالب، وجميدة. هذا الانتشار الواسع يأتي كجزء من استعدادات الجماعة لاقتحام المنطقة، وفقا للمعلومات المتداولة, وللتحسب من الهجمات الليلية التي تشنها ابناء القبائل دفاعاً عن أراضيهم.
وبحسب مصادر محلية، استخدم الحوثيين مختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك الطيران المسيّر، في هجماتها على المنطقة. وتعرضت منازل المدنيين ومساجدهم للقصف المباشر، حيث أظهرت مقاطع مصورة تصاعد ألسنة اللهب والدخان من المواقع المستهدفة، ما أثار موجة غضب واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
حصار خانق وأوضاع إنسانية متدهورة
تواجه منطقة الحنكة والخشعة وضعاً إنسانياً مأساوياً في ظل الحصار الحوثي، الذي يمنع دخول الغذاء والماء والأدوية، ويحول دون إسعاف المصابين من المدنيين. وأكدت تقارير محلية أن مئات الأسر اضطرت إلى النزوح تحت وطأة القصف والحصار، فيما يواجه الأطفال وكبار السن مخاطر متزايدة جراء نقص الإمدادات الطبية والغذائية.
وأفادت منظمات حقوقية أن جماعة الحوثي تعمدت تدمير دور العبادة والمنازل في قرى الحنكة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. كما وثقت سقوط 13 ضحية بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال، جراء الهجمات.
تبريرات حوثية وتصعيد خطاب الكراهية
جرائم مروعة تحت غطاء "محاربة داعش"
في محاولة لتبرير الهجوم، استحضرت جماعة الحوثيين شعار "محاربة داعش"، مدعية أن القبائل تتستر على "عناصر تكفيرية". وأصدرت شرطة البيضاء التابعة لها بيانًا زعمت فيه أن الحملة جاءت بعد إطلاق نار على دورية أمنية، مشيرة إلى أن "العناصر التكفيرية" رفضت تسليم نفسها وتمترست بمنازل المدنيين.
هذا الادعاء يأتي بعد أربع سنوات من إعلان سلطات الحوثيين القضاء على "داعش" في المنطقة. وأثار البيان انتقادات واسعة من ناشطين وحقوقيين، معتبرين أن الجماعة اعتادت على استخدام هذا الغطاء لتبرير عدوانها على المدنيين وفرض سيطرتها بالقوة على المناطق الخارجة عن نفوذها, منذ انقلابها على السلطة في سبتمبر 2014. واعتبرت 115 منظمة حقوقية يمنية في بيان مشترك، أن هذه الممارسات ترقى إلى جرائم حرب، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف الانتهاكات.
استمرار المقاومة القبلية وتصاعد التوتر
على الرغم من الحصار والهجمات المتكررة، تمكن رجال قبيلة آل مسعود من إلحاق خسائر في صفوف القوات الحوثية، حيث أفادت تقارير محلية بتدمير عربات عسكرية تابعة للحوثيين وإصابة عدد من عناصرها. كما شهدت المنطقة مواجهات ليلية شرسة أحبطت خلالها القبائل محاولات تقدم الميليشيا نحو القرى.
ورغم ذلك، فإن التوتر لا يزال مستمراً، مع استمرار الحوثيين في إرسال تعزيزات عسكرية من مركز محافظة البيضاء ومحافظة ذمار المجاورة وكذلك من العاصمة صنعاء. وأكدت مصادر محلية وصول قتلى وجرحى من عناصر جماعة الحوثي إلى مستشفى ذمار العام، مما يعكس حجم الخسائر التي تكبدتها الحملة العسكرية.
دعوات لوقف التصعيد وتخفيف المعاناة
في ظل تصاعد العنف وتدهور الوضع الإنساني، دعت المنظمات الحقوقية المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف الهجمات الحوثية ورفع الحصار عن القريشية. كما ناشدت الجهات المعنية تقديم مساعدات عاجلة للسكان المحاصرين، والعمل على ضمان إيصال الإمدادات الإنسانية دون عوائق.
إن ما تشهده القريشية يعد فصلاً جديداً من فصول المعاناة التي يعيشها اليمنيون في ظل الحرب المستمرة، حيث تتحول المناطق السكنية إلى ساحات قتال يدفع ثمنها المدنيون.