تَمهِيد:
يوم الثلاثاء الواحد والثلاثون من ديسمبر المنصرم، وَدَّعنا عامًا مَضَى بكل حسناته وسَيئاته، نجاحاته وإخفاقاته، أفراحه وأحزانه، وبكل ما سيظل عالقًا في الأذهان والوجدان، بل وفي كُتب التاريخ، بخاصة إن كانت الأحداث تَعُم ولا تخص، والتي قد يَكون بعضها أو مُعظمها من صُنع فَرد أو أفراد!
ومنذ يوم الأربعاء الأول من يناير، بدأنا نتعايش مع عام جديد، ولا بد أن تحدث أحداث تعم وتخص، لكن تفاصيلها وأسبابها ومسبباتها، الله وَحده هو الذي يعلم بذلك، مهما كتب وحَلَّل وتنبأ البعض! حتى ولو صدق بعضهم بجزئيات يسيرة من أحداث عام 2025م القادِمة! ولقد تعودتُ عند نهاية كل عام ميلادي، العودة إلى مفكرتي الخاصة، التي ظللتُ أدون بها بعض أهم المواعيد المهمة، والأحداث والمناسبات التي مررتُ بها، ورأيتُ كتابتها خلال العام، لهدف التذكير وأخذ بعض ما قد يستحق من دروس وعِبَر منها، إضافة إلى مراجعة أسماء مع أرقام تليفوناتهم وعناوينهم، لكي أحذف بعضها، إما بسبب وفاة أصحابها -رحمهم الله- مع بقاء بعض أسماء هؤلاء في الوجدان والشعور وعدم نسيانهم من الدعاء، رحم الله الجميع، وإما لعدم الجَدوى من استمرار حفظ أسماء وأرقام لأسباب ودوافع عديدة! والتي منها تغييرات في توجهات وسلوك وأخلاق وتعامل بعضها! أو لأسباب لا داعي لذكرها هنا! مع إضافة أسماء وأرقام، وإن كان بعضها تحت التجربة!
ولأن مفكرتي الخاصة هذه، باتت بكل ما تحتويه، بفضل تكنولوجيا اليوم، موجودة بجهاز تليفوني، شأني بذلك شأن أمثالي وهم كَثُر، فلا بأس أيضًا من مراجعة بعض المجموعات أو (الجروبات) وبعض المواقع وما بات يقذفه "النت" ومختلف منصات التواصل الاجتماعي من كل "غث" و"سمين" على مَدَار الساعة، لهدف الحذف أو البقاء حسب الحاجة! الخ.
وهذه هي الحياة بمجملها اليوم، التي باتت تتغير بكل ما تحمله من أحداث خاصة وَعامة، تأثيرًا وتأثرًا، والذي يُعَد ذلك كله جُزءًا من التاريخ بكل ما يعنيه من عِبَر، بما في ذلك ما يحققه كل فرد من نجاح وفشل وأهداف وتوجهات! لكنَّ بعض الأفراد يقتصر نجاحهم وفشلهم وأهدافهم وتوجهاتهم عليهم وَحدهم كأفراد فقط، وهذا قد لا نعتبره تاريخًا مهمًا لغيرهم! بينما هناك فرد وأفراد حققوا نجاحًا أو أضرارًا عَمَّ ذلك على غيرهم على مستوى وطنهم وأُمتهم وشعبهم، أو على مستوى أوطان وأُمم وشعوب أُخرى!
وهذا هو موضوع هذه "الدردشة" الموجزة جدًا، وكان العام الميلادي الجديد هو الدافع لتسطيرها، ملتمسًا العُذر سلفًا من القارئ، إن وُجِد! من الإسهاب بما قد ذكرته آنفًا!
وسيقتصر ذكري هنا على أهم ما قام به فرد أو بضعة أفراد من أحداث عَمَّ ضَرَرُها أو نفعها! منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وحتى العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، والتي أصبحت جزءًا هامًا من التاريخ، لا بد من قراءته وأخذ التدابير والعِبر مما حدث، مع تكرار.. ماذا.. لولا.. أعني ماذا لولا قيام ذلك الفرد أو الأفراد بذلك... الخ!
فما هو التاريخ أولًا؟! ثم.. ماذا لولا؟!
فمهموم أو ماهية التاريخ، قد ذكرت ذلك عدة كتب قديمة وَحديثة عما يعنيه التاريخ، ويمكن لكاتب هذه "الدردشة"، وبحسب خلفيته الثقافية العامة، والمتواضعة، فيقول: إن التاريخ يُعتبر بمثابة سجل لنشاط الشعوب والأُمم بكل زمان ومكان، ولتجاربها ومحاسنها، نجاحاتها وَإخفاقاتها، هزائمها وانتصاراتها... الخ.. وسنجد في التاريخ الإرادات، والإدارات الفاعلة والطارئة، الناجحة والفاشلة، الإنسانية واللاإنسانية... الخ.
كذلك، سنجد في التاريخ، كبار القادة السياسيين والعسكريين، العباقرة، والمفكرين، الناجحين والفاشلين، الصابرين، والمتهورين، والمتناقضين بمختلف توجهاتهم العامة التي عم ضررها، بعضهم كانوا سببًا لحروب عالمية أو إقليمية، وبعضهم كانوا وراء إنهائها! منهم مَن جَعَل وطنه كبيرًا، ومن جعله صغيرًا، من حوله من الغنى إلى الفقر أو من الأمن إلى الخوف أو العكس! من ضحى بتاريخه وبوطنه لأجل ذاته، ومن ضحى بذاته لأجل وطنه، من أراد الانتقام من أفراد وأحزاب ليصل الانتقام إليهم وإلى وطنه وشعبه بل وذاته! ومن اكتفى من القادة بحب أُسرته وعشيرته وقبيلته على حساب شعبه! ومن اكتفى بحب شعبه ووطنه.. من رضي بالذل من أجل وطنه وأُمته، ومن فضل الزعامة والأضواء على حساب شعبه واستقرار وتنمية وطنه..
من.. ومن.. ومن.. الخ..
هذا هو التاريخ.. وهذه هي ماهيته.. وبكل إيجاز ممكن..
فلنعد إلى.. ماذا.. أو لولا.. ولنبدأ ببعض أهم ما عَمَّ ضرره..
فـ.. لولا قيام متهور باغتيال ولي العهد المجري أو النمساوي، لَما قامت الحرب العالمية الأُولى!
ولولا عريف نمساوي، ألماني الأصل، يسمى: "هتلر"، لَما قامت الحرب العالمية الثانية.
ولولا قيام جنرال ياباني بمهاجمة الأُسطول الأمريكي بميناء "بيرل هاربر"، لما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب مع أوروبا ضد هتلر واليابان، بعد أن ظلت متمسكة بالحياد، ليكون دخولها من أهم أسباب انتصار "الحلفاءَ"..
ولولا ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، الذي أصرَّ على مقاومة "ألمانيا"، رُغم معارضة أهم وُزراء (حزبه)، لما انتصرت بريطانيا بجانب عوامل أُخرى!
ولولا عريف ألماني مُتهور في شنه الحرب ضد "الاتحاد السوفيتي" سابقًا، رغم وجود معاهدة بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، يومها، لما كان ذلك مع أيام ثلوج الشتاء من أهم أسباب هزيمة ألمانيا!
ثم.. لولا قيام الزعيم الاستثنائي جمال عبدالناصر -رحمة الله- بعداء مع بعض الأنظمة العربية، بسبب بعض مستشاريه ممن ظلوا يزينون له الانفراد بالزعامة العربية بجانب أسباب أُخرى، رغم عدم إنكار دوره الإيجابي يمنيًا، مؤازرة لثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، والذي كان ذلك الدور الإيجابي بالذات، من بعض أهم الأسباب! إلخ، لَما حدثت هزيمة يونيو عام 1967م.
ولولا ذكاء وحنكة وَبُعد نظر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وحرصه على حاضر ومستقبل مملكته، لَما ظلَّ نظامه مستمرًا حتى اليوم وسيظل! وَلَما صارت المملكة العربية السعودية، غنية، مالًا وجَاهًا، ومكانًا، ومكانة!
وبالمقابل.. لولا، غَباءً وبَلادة وسوء تفكير الإمام يحيى حميد الدين، إضافة إلى تمسكه ببعض الماضي بكل علله ومحنه، وَعدم مبالاته بحاضِر ومستقبل مملكته، ووطنه، لَما قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة عام 1962م.
ولولا استعانة الثوار بعد قيام الثورة ببعض عناصِر هاشمية وقبلية (غير سوية) ومشبوهة! والتي ظلت أجسادها مع الثورة، ووجدانها وشعورها ضدها، لَما حدث باليمن من بعد الثورة ما حدث من حرب أهلية، وانقلابات، واستمرار بعض "الأُمية" و"الفقر" وغيرها، وبسبب تلك العناصِر التي ظلت تنخر بجسد اليمن ونظامه الجمهوري وبأهدافه الستة، حتى يوم 21 سبتمبر 2014م (المشؤوم)، لتحقق بذلك (مؤقتًا!) أُكرر (مؤقتًا!) إعادة حكم آبائهم وغباء وبلادة وسماجة أبيهم الروحي يحيى حميد الدين وابنه الإمام أحمد!
ولولا قيام ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار بتأسيس ما يسمى "حزب البعث" في سوريا والعراق، لَما حدث بالبَلدين في ما بَعد ما حدث!
ولولا قيام (ثويرة) إيران الفارسية عام 1979م، والمدعومة يومها أمريكيًا وغربيًا، بقيادة الخميني، وعودته بطائرة ورعاية فرنسية إلى "طهران"، لَما ظَهرت بعض التوجهات المتطرفة بالمنطقة، وَلَما حَلَّ الخراب والدمار ببعض دول المنطِقة!
ولولا طمع الزعيم السوفيتي الراحل ليونيد بيرجنيف عند غزو بلاده لأفغانستان، لَمَا مَثَّل ذلك بداية النهاية للاتحاد السوفيتي السابق، وَلَمَا ظهر تنظيم "القاعدة" وغيره في ما بعد..
ولولا غلطة صدام حسين القاتلة في دخوله دولة الكويت، لمَا حدثت حرب الخليج الثانية، ونهاية نظامه واستشهاده، وقيام أمريكا بتسليم العِراق لإيران الفارسية، لتظهر بسبب ذلك "داعِش" وأخواتها، وليختفي مؤقتًا عِراق المجد والعروبة..
ولولا قيام ما تسمى "أحزاب اللقاء المُشترك" بالتضحية بأنضج وأطهر ثورة (شبابية) عرفتها اليمن، قبل اكتمال نجاحها، مقابل الرضا بـ"الفُتات" من مناصب عابرة! لَمَا حدث باليمن في ما بعد ما حدث!
ولولا بعض دول التحالف التي قامت بـ"عاصفة الحزم" من أجل اليمن وشرعيته ونظامه ووحدته، وضد المليشيات الحوثية حسب الظاهر المُعلن! لَمَا ظلت هذه المليشيات تعبث وتخرب وتتنفس باليمن حتى اليوم! وَلَما صار اليمن بوضعه القائم حاليًا، والذي نرجو ونأمل أن يكون مؤقتًا..
أكتفي بذكر بعض أهم مَا عَمَّ ضرره، ولنذكر بعض أهم مَا عَمَّ نفعه..
فـ.. لولا نيكولاس جُوزيف كونيوت، أول مخترع سيارة تعمل بمحرك عام 1769م، مُرُورًا بركال بنز، أول من أنتج سيارة عملية، تعمل بمحرك احتراق داخلي عام 1885م، وُصولًا إلى هنري فورد الذي قام بتطوير الإنتاج الضخم ليجعل السيارة متاحة للجميع، لَمَا بات الاستغناء عن السيارة اليوم من الصعوبة بمكان!
ولولا قيام توماس أديسون باختراع وتطوير وإنتاج أول مصباح كهربائي، بعد تجارب عديدة، عام 1879م، بمدينة "مينلوبارك" بولاية "(نيوجيرسي" الأمريكية، لَمَا ظهرت الكهرباء! ومن خلالها حدثت ثورة كبيرة ومتنوعة في العَالم!
ولولا قيام ألكسندر غَرَاهام بيل الذي اخترع الهاتف عام 1876م، بمدينة "بوسطن" بولاية "ماساشوشتس" الأمريكية، لما بات التليفون من أهم الضروريات، ومن خلاله، ظهرت ثورة في الاتصالات على مستوى العالم.
ولولا "الأخَوان رايت"، وبعد العديد من المحاولات والتجارب والاختراعات التي سبقتهما، ولكن باعتبارهما أول من حققا طيرانًا مُستدامًا من خلال آلة أثقل من الهواء، عام 1903م، لما بات الطيران بما هو عليه اليوم!
ولولا قيام مارتن كُوبر، الموظف بشركة "موتورولا"، باختراع الهاتف النقال أو الجوَّال، عام 1973م، لَمَا حدثت ثورة كبيرة في عَالَم الاتصالات كما هي عليه اليوم، حيث الهواتف الذكية المحمولة بالجيب والإنترنت وغيرها!
ورغم وجود أسماء كثيرة، التي كان لها الفضل في تطوير مواقع التواصل الاجتماعي، كونها من نتاج عَمل فِرَق كبيرة، من مُبرمجين ومُصممين، ومهندسين وممولين... ومن غيرهم..
لكن لولا أفراد باتت معروفة أسماؤها، والتي أسست تلك المنصات، مثل: مارك زوكربيرج، المؤسس والرئيس التنفيذي (السابق) لـ"فيسبوك"، وجاك دورسي، وإيفان ويليامز، وبيزستون، ونويز سيجنال، وهم المؤسسون الأربعة لـ"تويتر"، وكذلك براين أكتون، وجان كُوم، المؤسسين لـ"واتساب"، واللذين باعا ذلك لشركة "فيسبوك" التي أصبحت باسم شركة "مِيتا".. كالأربعة الذين باعوا "تويتر" لأيلون ماسك، مؤسس شركة "سبيس إكس"، لتصبح X اسمًا لـ"تويتر"... الخ..
أقول.. لولا هذه الأسماء المذكورة آنِفًا دون نسيان أسماء كثيرة، لَمَا ظهرت هذه الثورة الخيالية من منصات التواصل الاجتماعي، والتي هي بمجملها نتاج عمل جماعي مستمر، وبتنا نتعايش مع كل جديد، وباستمرار، حتى أصبحنا اليوم نتطلع إلى ما بات يسمى "الذكاء الاصطناعي" الذي قد يقلب الدنيا ظهرًا على عَقب، وغير ذلك، بينما بعض العرب بخاصة "شيعتهم" لايزالون مصرين على إحياء ثارات عفا عليها الزمن، أو الأخذ بالجديد دون تمحيص ولا تنقيح!
هذا هو التاريخ، فرد أو مجموعة أفراد قليلة، قادة كبار صنعوا هزائم عَمَّ ضررها ولم تخص! وفرد وأفراد صنعوا أمجادًا واختراعات عَمَّ نفعها العَالم كل العالم!
أما بعد..
لقد حاولتُ ذكر ما رأيته الأهم، دوليًا وعربيًا ويمنيًا! وأوجَزتُ ما رأيتُ إيجازه! وبصورة ضئيلة، تُمثل جُهد المُقل، وجزءًا من كُل، وَغيضًا من فيض... الخ.. مع أن ما ذكرتُه من بعض المعلومات، بخاصة التي تخص اختراعات وابتكارات وهزائم وانتصارات، جُلها موجودة بكتب التاريخ وبالعم "جوجل" وبغيره.. وكل ما قمتُ بتسطيره، مُجرد إعادة صِيَاغة لذلك، وبحسب أُسلوبي وَقُدراتي الخاصة مع ضآلتها! رغم أنني مع ذلك كله، لا أخَالُ أنني سطرتُ للقارئ (إن وُجد) بهذه "الدردشة"، أي جديد، لولا العام الميلادي الجديد الدافع لذلك، ولولا أن العزيز "سامي" وصحيفتنا "النداء" باتت تُرحب بمثل ذلك.
تعز - في 8 يناير 2025م