مساء الخميس كانت آخر زياراتي لمشروع مطعم "خمس خوات" الذي تم افتتاحه مؤخرًا ورافق الافتتاح جلبة كبيرة وانتقاد واسع، إذ ساهم التضليل الإعلامي في الترويج للمشروع في إحداث تفاعل كبير وحظي بتمويل من التجار ورجال الأعمال قبل أن يتحول لاحقًا إلى مطالبات لإنصاف فتيات من ذوات الهمم جرى استغلالهن كواجهة لمشروع استثماري شخصي بأموال مانحين ومتبرعين.
في الطاولة رقم واحد كان "صياد المنح" أحمد الأكحلي مترجم لغة الإشارة يتناول وجبة العشاء رفقة آخرين، يبدو لطيفًا على الرغم من تناوله الطعام بشراهة تشبه تناول الكثير من رواد التواصل الاجتماعي الذين انتقدوا سلوكًا مضللاً للمجتمع وطالبوا بمحاسبته وإعادة توزيع تبرعات المانحين على شكل أسهم للفتيات الخمس بما فيهن زوجته التي تم تسجيل عقد المشروع باسمها.
في تاريخ 24 سبتمبر الماضي حصل "مشروع متجر يقدم الأكل الصحي ويدار من قبل الصم والبكم" على تمويل من برنامج التنمية الإنسانية الممول من قبل البرنامج الأممي الإنمائي ومجموعة هائل سعيد أنعم بمبلغ 13 ألف دولار (أزيد من 26 مليون ريال) جرى توقيع عقد المشروع باسم عائشة جباري، تبين لاحقًا أنها زوجة "صياد المنح" الأكحلي والذي يعمل مترجمًا معتمدًا للغة الإشارة لدى عديد منظمات دولية ويرأس إحدى منظمات المجتمع المدني.
أبلغ "النداء" أحد الموظفين في برنامج التنمية الإنسانية أن مشروع متجر الوجبات الصحية حصل على التمويل من بين عشرات المشاريع الأخرى وتم اعتماد تمويله كونه يستهدف تنمية شريحة مهمة وهي شريحة الصم والبكم ويهدف إلى توظيف عاملين من هذه الفئة (حصلت "النداء" على نسخة من عقد المشروع).
يضيف: لم تكن المشكلة في المشروع الذي فاز بالمنحة ولكن فيما أعقبه من تضليل إعلامي قدمه كمشروع مملوك لخمس شقيقات من فئة الصم والبكم.
مؤكدًا أن البرنامج يجري مراجعات داخلية على خلفية ما تم نشره وسيصدر توضيحًا في وقت لاحق.
المؤجر لم يسقط في الفخ
وقع الجميع في فخ التضليل عبر صفحة "مطعم خمس خوات" التي يديرها "صياد المنح" من يقدم نفسه منسقًا للمشروع، فالفتيات الأربع إلى جوار زوجته لسن شقيقات أو "خوات" وإنما واجهة فقط فيما الطباخون والعمال والمحاسب لا ينتمون لفئة الصم والبكم.
إلى جانب تمويل برنامج التنمية الإنسانية تسابق رجال المال والأعمال والشركات في تقديم التبرعات والهدايا العينية استمرت تبرعاتهم حتى عشية افتتاح المشروع الذي جرى تأجيل افتتاحه 12 يومًا.
قال لـ"النداء" أحد التجار المتبرعين بهدايا عينية إنه أحد ضحايا التضليل وكان يعتقد أن المشروع مملوك لخمس شقيقات، مؤجر المطعم ربما الاستثناء بين ضحايا التضليل إذ وقع عقد إيجار مبالغ فيه بمبلغ 600 ألف ريال شهريًا (حصلت "النداء" على نسخة من العقد).
كانت التربوية أروى الشميري مع العشرات من المواطنين الذين شاركوا في افتتاح المطعم وعادت بخيبة أمل عبرت عنها بتغريدات مستمرة بعد أن اكتشفت أن الفتيات غير شقيقات وأن صياد منح أعد مشروعًا ذكيًا وقام بخداع المجتمع.
الشميري طالبت برنامج التنمية الإنساني التحقق لاحقًا من أقارب العاملين في منظمات المجتمع المدني واستبعادهم من المشاريع المستقبلية.
تجربة مريرة
"النداء" كانت أحد ضحايا التضليل إذ ساهمت في نشر رواية "صياد المنحة" الأكحلي.
خلال الأسابيع الأخيرة قمت بزيارة مطعم "خمس خوات" 6 مرات تقريبًا بحثًا عن المعلومة، كنت أسعى للكتابة عن "الشقيقات الخمس" ولحسن الحظ كل محاولاتي التضامنية فشلت. في كل مرة كنت أتوجه فيها لكتابة قصص عن الفتيات الخمس لم أجد أيًا منهن.
تضامني مع ذوي الهمم رافق جميع عمليات تجهيز المطعم بدءًا من تنفيذ البلاط وإدخال الماكينات والتجهيزات وصولًا إلى تنفيذ الديكور وتنظيف مخلفات التجهيز التي تراكمت أمام البوابة عشية افتتاحه.
أبلغني الزملاء في "النداء" التركيز على المشروع وبذل جهد في تقديم قصص نجاح داعمة للفتيات "اللواتي كسرن حاجز الإعاقة وقدمن تجربة نجاح".
في 11 ديسمبر التقيت "صياد المنح" وأبلغني بتأجيل افتتاح المشروع 12 يومًا، شكر "النداء" على تغطية القصة وأكد على أنه سيتيح لي فرصة لقاء الأخوات الخمس قبيل افتتاح المشروع واستكمال الترتيبات، قدم نفسه باعتباره منسقًا للمشروع.
عاودت زياراتي التضامنية مجددًا وقبل يومين فقط من افتتاح المطعم وتحديدًا ظهيرة 22 ديسمبر كانت إحدى الفتيات متواجدة في المطعم وتشارك الترتيب قال لي أحد العمال إنها زوجة مالك المطعم فهمت من خلال لغة الإشارة أنه يتوجب علي أن أتصل بزوجها لأخذ تفاصيل ومعلومات.
عشية افتتاح المطعم في 23 ديسمبر عدت مجددًا وبتعاطف كبير أمضيت قرابة الساعتين في انتظار "مالك المشروع" كما ذكر أحد العمال، حاولت الاتصال به وكان يرد بـ(مشغول). لمست خلال أزيد من أسبوعين أن صياد المنح لا يرغب في وصولي إلى الحقيقة ويسعى جاهدًا لإطالة أمد التضليل.
مطالبات بالتحقيق
قبل أيام تقدمت "مجموعة ذوات الإعاقة للسلام" التي تم تأسيسها في عام 2023 في عدن بشكوى وجهتها إلى محافظ تعز تطالبه بالتحقيق في ما اعتبرته الشبكة فسادًا بمبلغ تجاوز 90 ألف دولار اتهمت فيه أحمد الأكحلي بالتلاعب بالتمويل. وبَدَوره وجه المحافظ الشكوى إلى مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل للتحقيق.
وجاء في الشكوى التي حصلت "النداء" على نسخة منها: "قامت مؤسسة 'وئام' التي يرأسها أحمد الأكحلي باستلام مبلغ تجاوز 94,705 ألف دولار باسم المجموعة، وهذا المبلغ الضخم تم تخصيصه بشكل غير عادل للمشروع حيث تم تقسيمه لصالحهم شخصيًا بدلاً من أن يُستثمر في تطوير المجموعة وبناء قدراتها. كما تم رفض عمل اتفاق عقد شراكة يضمن حقوق العضوات ويحول دون استغلالهن مما أثار الاستياء، وعليه تم تقديم هذه الشكوى لطلب تجميد هذا المبلغ في الحساب المرتبط بالمشروع الذي تم إدخاله في حساب المؤسسة وحسابات مجهولة أخرى من شركاء أحمد الأكحلي."
حجب المعلومات
بين مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الذي يُدار من شقق في إحدى العمارات السكنية وبين مكتب التخطيط والتعاون الدولي يغيب كم هائل من بيانات عمل منظمات المجتمع المدني ومشاريع المنظمات الدولية المنفذة في المحافظة المنكوبة بالفساد والحصار المطبق من طرفي الحرب (الشرعية والحوثيين).
موظفون في مكتب وزارة المالية أكدوا لـ"النداء" أن أغلب المشاريع الممولة من المانحين لا تخضع لإشراف مكتب الوزارة ويعتريها فساد كبير.
سيكون التضليل الإعلامي الذي رافق مشروع "خمس خوات" نموذجًا هامشيًا ونقطة في بحر من الفساد الذي ينخر جميع ما تبقى من هياكل دولة ما بعد حرب العام 2015. لقد أفسدوا كل قيم التضامن والتعاون في المجتمع وداسوا على مبادئ الثورة اليمنية التي تهدف إلى إقامة مجتمع تعاوني، إذ أسس تجار الحرب لمجتمعات تعاني التناحر والفوضى والاحتراب.