صنعاء 19C امطار خفيفة

عبدالكريم آدم ذلك الفيلسوف المجهول(2-3)

عبدالكريم آدم ذلك الفيلسوف المجهول(2-3)

في الحلقة الأولى قمنا بقراءة خاطفة لكتابه الموسوم بـ"الحقيقة والأكذوبة"، وفي هذه الحلقة سنقوم بقراءة خاطفة لكتابه الثاني الموسوم بـ"نظرية العقل والحقيقة الغائبة"، يحتوي على 387 صفحة من القطع الكبير، يتضمن ثلاثين بحثًا مستقلًا، كل بحث يحمل عنوانًا، الأول بعد الاستهلال تحت عنوان "العقل والدين" يليه "معركة العقل"، وينتهي بـ"الحلال والحرام"، مرورًا بـ"تكوين العقل" و"العقل وأقسامه" و"قوانين العقل" و"صوت العقل ومراتبه" و"موازين العقل" و"قاعدة العقل" و"قضايا العقل" و"العقل والمعرفة" و"الخلاف والاختلاف" و"قضية الشر" الخ.

 
ولأن الكتاب يحتوي على عناوين مختلفة، فمن الصعب تناولها في هذه القراءة الخاطفة.
ويُعد كتاب "نظرية العقل والحقيقة الغائبة" موضوع هذه الحلقة، عملًا متميزًا يتناول موضوع العقل ودوره في فهم الدين والوجود، إذ يتناول كل بحث قضية فلسفية أو معرفية تتعلق بالعقل.
يبدأ المؤلف بمبحث "العقل والدين"، والذي يُعَدُّ مدخلًا أساسيًا لفهم العلاقة بين العقل والإيمان. يُناقش في هذا البحث كيف يمكن للعقل أن يسهم في تفسير النصوص الدينية، ويعزز الفهم الشخصي للحقائق الروحية. يعرض المؤلف وجهات نظر مختلفة حول كيفية التفاعل بين العقل والدين، مُبرزًا أهمية التفكير النقدي في مواجهة المعتقدات التقليدية.
وفي مبحث آخر يتناول "صور العقل ومراتبه"، متطرقًا إلى تنوع أشكال العقل البشري، وكيف يمكن لهذه الأشكال أن تؤثر على الإدراك والتفكير، كما يُسلط الضوء على مختلف مستويات التفكير والعقلانية، ويستعرض كيف يمكن للعقل أن يتطور عبر التجارب والمعرفة. يناقش المؤلف أيضًا العوامل الاجتماعية والثقافية التي تشكل عقل الفرد، مع التأكيد على أهمية التعليم والتفاعل الاجتماعي في تفعيل القدرات العقلية.
أما في مبحث "التطرف الديني"، فيعرض المؤلف تحليلًا عميقًا لظاهرة التطرف، وكيف يمكن أن يرتبط بعدم توازن العقل. يناقش كيف يمكن أن تؤدي العقائد المتشددة إلى انغلاق الفكر وتجاهل التسامح والتفاهم. يُبرز الكتاب أهمية تعزيز التفكير النقدي والوعي الذاتي كوسائل لمواجهة هذه الظواهر، مُشددًا على دور العقل في تحقيق التوازن والإيمان المعتدل.
وفي مبحث ثالث يتناول المؤلف العلاقة بين العقل والدين، إذ يستعرض كيف يمكن للعقل أن يسهم في فهم الدين وتفسير النصوص الدينية. وفي السياق ذاته يناقش المؤلف التحديات التي تواجه العقل في مواجهة الإيمان، ويشير إلى أن الدين يمكن أن يكون مصدرًا للإلهام والتوجيه الأخلاقي، لكنه أيضًا يحتاج إلى العقل لفهمه بشكل صحيح. يعرض البحث أمثلة تاريخية وموضوعات فلسفية تتعلق بتفاعل العقل مع المعتقدات الدينية.
وقد أثار إعجابي مقدرة المؤلف في تصنيفات العقل وأشكاله المختلفة، إذ يتوصل إلى أن العقل ليس مجرد أداة تفكير، بل يتضمن مستويات متعددة من الفهم والإدراك. يتناول البحث كيف تتفاوت قدرات العقل بين الأفراد، وكيف يمكن تطوير هذه القدرات من خلال التعليم والتجربة. يتضمن أيضًا مناقشة حول كيفية تأثير الثقافة والمجتمع على تشكيل عقل الفرد وصورته.
وقد تناول المؤلف ظاهرة التطرف الديني وأسبابها، مقدمًا تحليلًا نفسيًا واجتماعيًا. يناقش المؤلف كيف يمكن أن يؤدي الفهم الخاطئ للنصوص الدينية أو التأويلات المتشددة إلى تطرف الأفراد والجماعات. كما تناول دور العقل في مواجهة هذه الظاهرة، مقترحًا استراتيجيات للتقليل من التطرف من خلال التعليم وتعزيز التفكير النقدي.
بشكل عام، يوفر "نظرية العقل والحقيقة الغائبة" رؤية شاملة حول العلاقة المعقدة بين العقل والدين، ويحفز القارئ على التفكير في كيفية استخدام العقل كأداة لفهم العالم من حوله. من خلال تناول هذه الموضوعات الثلاثة، يُظهر الكتاب أهمية العقل كوسيلة للتواصل مع القيم الروحية والتفاعل مع القضايا المعاصرة.
وفي الاستهلال يقول المؤلف بأن "العقل شاهد وجودنا وخزينة معارفنا ووسيلتنا في الوعي والإدراك والتامل والتفكير والاستنتاج في قراءة الوجود والحياة"، مشيرًا إلى أن "قضية العقل هي أهم القضايا الإنسانية على الإطلاق، ومعضلة القضايا التي شغلت الفلاسفة والعلماء والباحثين على مر التاريخ، وشكل غموضها عائقًا في قصور فهم الإنسان واستنهاض قدراته لاستكشاف المجهول... والارتقاء بوجوده".. ويجيب على سؤال: "كيف نفهم الدين بإعمال العقل في عصر بات فيه الدين مشكلة العقل؛ والعقل مشكلة الدين؟".
كما تناول موضوع عقيدة المخلص أو المنقذ أو المهدي في كل الأديان، ذلك الذي سيملأ الأرض عدلًا بعد أن ملئت جورًا، متسائلًا: طالما وكل يدعي أن له مخلصًا، وكل قد أوقف الاستحقاق على عقيدته، فمن هو المنتظر الفعلي؟ وما هي رسالته؟ وهل هو رسول الدين ومشروعه الخاص؟ أم هو رسول للعالم وليس لدين محدد ولملة واحدة؟ معتبرًا أن العقل هو الرسول، وفي اعتقاده أن "المنتظر المحكوم بالأساطير التشخيصية المتعددة قد ظهر وتشخص لكل عقيدة من خلال النزعة العصبية التي مزقت النسيج البشري المجتمعي، وأشعلت جذور الصراع حتى بات الوجود البشري على مرمى معركة الفصل بين الوجود والفناء، وغاب عن الوجود البشري مفهوم العقل أو تم تغييبه لصالح تثبيت الأساطير".
ونخلص مما سبق إلى أن المؤلف في كتابه "نظرية العقل والحقيقة الغائبة"، يتناول إشكالية العقل والمعرفة، مشيرًا إلى أن العقل يمثل نقطة التقاء حيوية بين فهم الضرورة كقيمة وجودية ملحة والوسائل التي نستخدمها لتحقيق هذا الفهم.
هذه الضرورة تدفعنا للتساؤل عن طبيعة وجودنا، والأهداف التي نسعى لتحقيقها، مما يعكس أهمية هذا الفهم في تشكيل رؤيتنا للعالم.
كما يُظهر المؤلف دور العقل كوسيلة للكشف عن الغموض الكوني، إذ يعمل على توضيح الروابط بين الأفكار والغايات. في هذا السياق، يعتبر العقل أداة حيوية للتفكير النقدي، تساعدنا على تحليل المعلومات وتفسيرها بطرق تسهم في إضاءة جوانب الغموض التي تحيط بوجودنا.
إضافةً إلى ذلك، يسلط المؤلف الضوء على التوازن بين الاستدلال والاجتهاد في المعرفة، إذ يتأرجح العقل بين المنطق والاجتهاد الفردي، مما يخلق تحديات في الوصول إلى فهم شامل. هذا التوازن يعكس تعقيد التجربة الإنسانية، ويعزز أهمية الحوار والتفاعل بين الأفكار المختلفة.
وفي سياق الاختبار بين الضرورة والتغيير، يشدد المؤلف على أهمية فهم العقل في مواجهة التحديات وتصحيح الأخطاء. يمثل هذا الاختبار دعوة للتأمل في إنسانيتنا، وكيفية التعامل مع قضايا العصر، إذ إن التغيير يتطلب إعادة التفكير في القيم والمفاهيم التي نحملها.
ختامًا، يُبرز الكتاب أهمية دراسة وفهم العقل كخطوة أساسية نحو تحقيق التغيير الإيجابي. هذه الدعوة تستلزم منا استشعار الضرورة في كل لحظة من حياتنا، والعمل على تطوير فهم أعمق لأنفسنا وللعالم من حولنا، مما يعكس عمق التجربة الإنسانية وقدرتها على التكيف والنمو.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً