صنعاء 19C امطار خفيفة

خيارات الإدارة الأمريكية الجديدة مع التهديدات الحوثية

2024-12-31

أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية جملة من المحددات والمواقف تجاه المتغيرات العالمية، تركزت إجمالًا في عزمه على خفض وتيرة الحروب في العالم، وتركيزه على الخطرين الصيني أولًا والإيراني ثانيًا، ولم يحدد بصراحة أدوات مواجهة هذين الخطرين هل عسكرية أم اقتصادية أم كلاهما! وفي سياق آخر، ووفق جملة من المحددات والسرديات التي تؤطر مؤسسة القرار الأمريكي، فإن واشنطن لا تنظر إلى جماعة الحوثي في صنعاء كخطر مستقل بذاته، وإنما تنظر إليهم إجمالًا ضمن المسألة الإيرانية، بصفة هذه الجماعة لا تتحرك وفق مشيئتها وعواملها اليمنية، وإنما وفق ما تمليه عليها طهران جملة وتفصيلًا... وبالتالي فإن استراتيجية وخيارات واشنطن مع الجماعة هي ذاتها المطروحة مع طهران.

ولحين استلام الرئيس ترامب مقاليد السلطة الرئاسية بعد حوالي ثلاثة أسابيع، تحاول كثير من الأطراف الدولية، بخاصة إسرائيل وإيران، في الوقت الراهن، تصوير وإثبات واقع معين أمام الرئيس ترامب، فنتنياهو يرفض ويماطل أية تسوية في غزة، ليواجه ترامب من أول يوم في هذا الملف المفتوح، ومحاولة استغلاله وتوظيفه وتنميط القرار الأمريكي في سياق هذا الملف لتحقيق أهداف أوسع في سوريا ولبنان وتجاه إيران.. في حين تصعد إيران ضرباتها على إسرائيل عبر جماعة الحوثي قبيل وصول ترامب، لإثبات استمرار أدواتها في المقاومة، وتصوير أنها لن تضعف أو تتراجع بعد ما حصل في لبنان وسوريا، وبالتالي تواجه ترامب حسب محاولتها من واقع المستمر لا من واقع الضعيف!
وفي كل الأحوال، فإن سقوط نظام الأسد السريع قد أربك بعض الشيء واشنطن في ترتيب أولويات وأدوات خياراتها في المنطقة، وبالتأكيد أصبحت خيارات التصعيد العسكري في المنطقة مجددًا كما تراهن إسرائيل أمرًا لا يخلو من مخاطر جمة على ترتيب الوضع السوري وفق مشيئة أمريكا، وبالتالي فإن السرديات الناظمة للقرار الأمريكي ستقدم وتعتمد أولًا على كل الخيارات والاستراتيجيات المتاحة والممكن إيجادها دون الخيار العسكري في التعامل مع إيران ومع بقية أذرعها. وهذه الخيارات والاستراتيجيات تتمفصل وتنتظم في ثلاثة مستويات متوالية: الأول: الخيار الدبلوماسي، وله 3 محاور، أولها ينصب على فتح قنوات حوار غير مباشرة مع إيران من جهة يتناول إمكانية خفض مستوى العقوبات الاقتصادية على طهران لقاء تنازلها والتزامها بكف العبث في المنطقة، بخاصة لبنان وسوريا واليمن. ومن جهة ثانية سيتم العمل سياسيًا على إنجاز صفقة تسوية بين إسرائيل وحماس، تحل مشكلة غزة على نحو يبعد حماس أمنيًا وعسكريًا كلية من مستقبل غزة. ومن جهة ثالثة ستعمل الرياض على بلورة ورعاية مسار لحوار يمني يمني ستعتمد حراكاته وخطواته على مدى التقدم والإنجاز في المسارين السابقين.. كما أن هذا المستوى السياسي الدبلوماسي برمته سيرتبط بمدى استقرار الوضع السوري، وعدم انزلاقه نحو الفوضى!
أما المستوى الثاني من الخيارات الاستراتيجية الأمريكية، فسيكون تشديد ورقة العقوبات والحصار الاقتصادي على إيران وأذرعها في اليمن تحديدًا.. وهذا الخيار سيتم اللجوء إليه في حال فشل المستوى الأول، أو ربما للضغط على إيران لإنجاز تفاهمات وفق الخيار الأول ذاته.. مع ملاحظة أن هذا المستوى من الخيارات الاستراتيجية الأمريكية قد يتطلب كلفة زمنية، لكن يمكن تعجيلها من خلال تصعيد إسرائيلي ضيق ومدروس لأعمال نوعية ضد إيران من جهة، ومن جهة ثانية تنشيط للأعمال العسكرية في الجبهة الداخلية اليمنية وإسناد للجيش اليمني لتضييق الخناق على جماعة الحوثي، ودعم السلطة الشرعية في اليمن، وتمكينها من بعض الأوراق، وكذلك تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي دولي من الدرجة الأولى.. ويبدو أن هذا المستوى من الخيارات هو الذي تعول وتعتمد عليه إدارة ترامب في قادم الأيام!
أما في حالة عدم جدوى هذين المستويين من الخيارات والأدوات في المنطقة، على الأقل خلال العام والنصف أو العامين من عمر إدارة ترامب.. فمعنى ذلك أن المستوى الثالث من الخيارات، وهو التصعيد العسكري على إيران وصنعاء، سيكون على الطاولة.. إلا أن لهذا الخيار تعقيداته ومخاطره، ولن يتم اللجوء إليه إلا بعد التأكد من حصول تداعيات في الملف السوري، وأهم من ذلك بعد تشكيل تحالف دولي تشترك فيه وجوبًا، إلى جانب أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، كل من مصر والسعودية والإمارات والأردن، وهذا ما تتحاشاه الرياض، وتحاول توفير كل الضمانات لجماعة الحوثي للاستجابة للتسوية، كما أن مصر لا تحبذه، وإن هي من أكثر المتضررين من عمليات البحر الأحمر، بخاصة أن لها مخاوف لم تعد خافية من الوضع السوري الذي أصبح بيد جماعات تعتبرها إرهابية عانى منها النظام المصري بعد 2013م، كثيرًا في سيناء والحدود الليبية، وعلى صعيد الأمن الداخلي، ودفعت مصر كلفة وثمنًا غاليًا لمحاصرة تلك الجماعات، لذلك فهي ترى أن التصعيد العسكري الآن بكل نتائجه، سيكون في صالح الجماعات الإرهابية التي تسيطر على سوريا، ومن ورائها أنقرة، والتمويل القطري، وهذه هي المعادلة والهاجس المصري المخيف!
هذه هي المستويات من الخيارات المطروحة أمام الإدارتين الأمريكية والبريطانية، ومعهما إسرائيل، للتعامل مع المنطقة، والتي للأسف لا تجد فيها شعوب المنطقة أي آمال أو آفاق لحلول مستدامة، كما أن أنظمتها السياسية العربية لم تعد ذلك اللاعب المحوري الذي يملك فرض أدواته بقدر انجراره لما يفرض عليه... وفي الشهور القادمة ستتحدد ملامح تلك المستويات!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً