صنعاء 19C امطار خفيفة

صهاينة يدينون الإبادة الجماعية وعرب يناصرونها!

2024-12-23

في مشهد يعكس التباين الواضح في المواقف الإنسانية، نجد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، يدين بشجاعة ما يحدث في غزة، إذ وصف في 30 نوفمبر 2024 العمليات العسكرية الإسرائيلية بأنها "حرب إبادة في شمال غزة" ضد الفلسطينيين. يأتي هذا التصريح في وقت تتزايد فيه المعاناة الإنسانية، مما يبرز بعض الأصوات التي لاتزال تعبر عن القيم الإنسانية في إسرائيل.

 
 وتتجلى هذه القيم في كتابات الصحفي اليساري الشجاع، جدعون ليفي، ورفاقه في صحيفة "هآرتس" داخل الكيان الصهيوني، وفي كتابات نورمان فينكيلشتاين، خارج الكيان الصهيوني. كما أن هذه القيم النبيلة المناصرة للحق تظهر بين الأعراق والثقافات الإنسانية المختلفة في الولايات المتحدة وأوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخصوصًا في المفصل التاريخي في حياة الإنسانية، وفي خضم الإبادة الجماعية في غزة، والصراع العنيف للدولة الصهيونية مع الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين وعموم العرب.
 
على الجانب الآخر، يظهر الإعلامي السعودي، رواف السعين العنزي، بموقف صادم يدعو فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، إلى "حرق الفلسطينيين وتخليص العالم منهم!". إنَّ هذه الدعوة تكشف عن مستوى غير مسبوق من الانحطاط الأخلاقي والسياسي، وتثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الخطاب الذي يتبناه البعض في العالم العربي، ولا سيما في دول مثل السُّعُودية والإمارات، والبحرين.
 
هل يمكن أنْ نتخيل أنْ تصل الحقارة ببعض العرب إلى هذا المستوى من الانحطاط السياسي والوطني والأخلاقي؟ أمِن المعقول أنْ يكون بعض العرب أكثر انحطاطًا من الصهاينة المُجرمين؟ إنَّ هذه التساؤلات ليست مجرد استنكار، بل هي دعوة للتفكير في القيم والمبادئ التي ينبغي أنْ تحكم سلوكنا، بصفتنا مواطنين وحكامًا ومجتمعات عربية.
 
هذا التناقض لا يقتصر على ما يحدث في فلسطين المحتلة، بل يشمل أيضًا ما شهدته الساحات اليمنية واللبنانية والسورية، حيث كان هناك أجانب من مختلف الأديان والأعراق يدينون الإبادة الجماعية في بلداننا، بينما كان هناك من أبناء وطننا من يؤيدها.
عندما شنت السُّعُودية والإمارات حربهما العدوانية ضد اليمن، وارتكبتا جريمة الإبادة الجماعية، وقصفتا المنازل والأعراس، ودمرتا الجسور والمدارس، احتج العالم الديمقراطي على هذه الجرائم. ومع ذلك، بعض اليمنيين انضموا إلى صفوف السُّعُودية والإمارات، مدافعين عن الحدود السُّعُودية في جيزان ونجران وعسير ضد إخوانهم اليمنيين!
اليوم، في حين يسعى بعض اليمنيين بنية حسنة، مع بعض الحماقة، لوقف المجزرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة عبر محاصرة السفن الإسرائيلية وإطلاق صواريخهم على دولة الكيان الصهيوني، نجد أن العديد من الشعوب تقدر الموقف اليمني. ومع ذلك، بعض السياسيين اليمنيين، تحت ذريعة الحرص على مصلحة الشعب اليمني، لا يدعون إخوانهم للتصالح والتحرر من التبعية للسعودية والإمارات، بل إنهم يسايرون الخط السعودي والإماراتي، ويؤيدون التحالف الصهيوني والأمريكي، ويشجعونه على اختيار الأهداف بدقة وممارسة الإبادة الجماعية ضد اليمنيين. وفي الوقت نفسه، يدعون اليمنيين للتناغم والتحالف مع المحور الإمبريالي والصهيوني، ويحثونهم على اقتناص "اللحظة التاريخية" والدخول في حرب أهلية بهدف إسقاط أنصار الله الذين قصفوا الكيان الصهيوني.
في الوقت ذاته، نجد بعض السياسيين السعوديين والإماراتيين الذين يعبرون عن وجهات نظر حكامهم، الذين دمروا اليمن، وقتلوا أكثر من 377 ألف يمني، وتسببوا في وفاة أضعاف هذا العدد نتيجة الحصار والتجويع والأمراض، وشردوا الملايين من اليمنيين، مما أدى إلى معاناة فظيعة لهم. هؤلاء يطالبون نتنياهو بقصف اليمن وإحراق الفلسطينيين للتخلص منهم. ما هذا الانحطاط؟
في الفترة ما بين 17 سبتمبر و27 نوفمبر 2024، شنت إسرائيل حرب إبادة جماعية واسعة ضد الشعب اللبناني، حيث تصدى الأحرار من اللبنانيين لهذا العدوان، في حين قام بعض اللبنانيين الأشرار بتزويد العدو الصهيوني بالإحداثيات، وتبرير جرائمه ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.
استغل بعض المعارضين السوريين للنظام في دمشق، خلال الأسبوعين الماضيين، الأوضاع السياسية المتوترة في المنطقة، بالإضافة إلى الاشتباكات العسكرية الشديدة بين الكيان الصهيوني وحزب الله اللبناني، والحصار الأمريكي المفروض على إيران، وانشغال روسيا في أوكرانيا. واختاروا اللحظة التاريخية المناسبة بالتنسيق والتعاون الكامل مع تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، فاقتحموا ريف إدلب، وسيطروا على حلب، وتقدموا نحو حماة وحمص، ثم تمكنوا من إسقاط العاصمة السورية دمشق.
بعد مرور أسبوع على هذا الحدث الجلل، سمحت القيادة السورية الجديدة للدولة التركية بالتوسع في شمال سوريَا واحتلال آلاف الكيلومترات. كما تجاهلت القيادة السورية الجديدة تمدد إسرائيل داخل الأراضي السورية واحتلالها لأكثر من 420 كيلومترًا في منطقة الجولان وجبل الشيخ والقنيطرة، واقتربت لمسافة عشرين كيلومترًا من العاصمة دمشق. وبذلك، أسقط المعارضون ديكتاتورية بشار الأسد، التي لم يُؤسف عليها، لكنهم دمروا الدولة السورية، ومكّنوا ديكتاتورية أتاتورك التركية والقوى الإمبريالية والصهيونية من السيطرة على سوريَا وتحقيق أهداف الدول الاستعمارية، مما قد يفتح الطريق أمام التقسيم والحروب الأهلية واستئناف الإبادة الجماعية على نطاق أوسع.
تظهر هذه الممارسات خللًا وضعفًا في الوعي الوطني لدي القوى السياسية في البلدان المعنية، وتباينًا واضحًا في الولاءات تجاه القُوَى الخارجية الاستعمارية التوسعية التركية والصهيونية والامبريالية والرجعية العربية الطامعة في بلداننا.
لا شك أن التغيير الثوري ومواجهة الكهنوت والديكتاتورية الداخلية أمر ضروري، لكن الثورة هي مسؤولية وطنية يجب أن تنبع من داخل الشعوب، كما حدث في الثورات الفرنسية والبلشفية والجزائرية والكوبية، وليس من خلال الاعتماد على الصهيونية والإمبريالية وتركيا والرجعيين العرب.
في الختام، هناك العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء تعاون قُوَى المعارضة السياسية "الوطنية" مع أعداء الوطن، أي مع القُوَى الخارجية التوسعية، مما يؤدي إلى إضعاف المناعة الداخلية، وتقويض وحدة الصف الوطني والقومي، ويزيد من التحديات التي تواجه المنطقة العربية.
إن هذه المواقف المتناقضة، ولا سيما في اليمن، تضعنا أمام مسؤولية كبيرة تتمثل في ضرورة مواجهة الهويات الضيقة، القبلية والطائفية والجهوية، وتعزيز القيم الوطنية والديمقراطية. كما أنها تدعونا للعمل من أجل ترسيخ الوحدة، وتعزيز التضامن العربي، وخلق ظروف مواتية للتغير الإيجابي، والانفتاح على الإنسانية التقدمية، والاستفادة من منتجات الحضارة الحديثة، والعمل من أجل عالم يسوده السلام وتعلو فيه قيم الحرية والعدالة والتقدم.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً