إن كل ما يحدث ضد العرب من مشرق الوطن العربي إلى مغربه، منذ تأسيس دولة الاحتلال في فلسطين، هدفه الرئيسي تصفية القضية الفلسطينية، وتقوم بالدور الرئيسي الولايات المتحدة، أما التنفيذ فتتكفل به إسرائيل. لقد خذلت الولايات المتحدة الفلسطينيين منذ صدور وعد بلفور عام ١٩١٧، وبعد أعوام معدودة تخلت عن مبدأين من مبادئ رئيسها وقتذاك وودرو ولسون، عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة.
لقد مد العرب أياديهم للسلام منذ اتفاق الهدنة عام ١٩٤٩ الذي رسم خطوط الحدود بين إسرائيل ومصر وسوريا ولبنان والأردن، وانتهكته إسرائيل في عدوانها المُبيّت عام ١٩٦٧، ثم قبولهم لقرار مجلس الأمن ٢٤٢ عقب ذلك العدوان، وثالثة الأثافي إصدارهم مبادرة في قمتهم في بيروت عام ٢٠٠٢.
إسرائيل منذ إنشائها لا تريد السلام مع العرب قاطبة، ناهيكم عن الفلسطينيين، وهي تقبل أحيانًا، ولكنها لا تنفذ، وقد قبلت قرار تقسيم فلسطين، واشتراط الأمم المتحدة ربط عضويتها فيها بتنفيذها قرار التقسيم الذي ينص على قيام دولتين في فلسطين العربية للفلسطينيين وللغزاة البيض من يهود أوروبا. أما عن الفلسطينيين فقد قبلوا كل مبادرة تعيد لهم الجزء الصغير من أرضهم المحتلة الذي بقي لهم بعد عدوان ١٩٦٧. لذلك فليس عبثًا أن يقول الفلسطيني والعربي إن صراعهما مع الصهيونية السياسية -العسكرية، صراع وجود، وهذا لا ينطوي على أية مبالغة إطلاقا.
كيان الاحتلال الدائم والأبدي والإبادة الجماعية يقول ذلك دومًا ورسميًا، وبخاصة بعد اتفاق أوسلو ١٩٩٣، وما تلاه من انتفاضتين سببهما مماطلة إسرائيل في تنفيذ ما التزمت به في ذلك الاتفاق الناقص.
الكيان العدواني الصهيوني ليس كيان سلام، بل حروب تتناسل حتى تصفية القضية الفلسطينية، وهو لا يقبل مسار سلام حقيقي يعطي لكل ذي حق حقه رغم القناعة الدولية شبه الشاملة بأن لا حق للصهاينة في فلسطين العربية مهما زوروا تاريخ فلسطين، وتعاظمت محاولاتهم لطمس هويتها العربية -الإسلامية -المسيحية.
في عام ١٩٧٤ قال ياسر عرفات نيابة عن المجلس الوطني الفلسطيني: "لقد جئتكم بغصن الزيتون في يدي، وببندقية الثائر في يدي الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر". بعد خطاب التصالح التاريخي هذا، لم توفر إسرائيل وأمريكا جهدًا إلا وقامتا به لكي تسقطا غصن السلام الفلسطيني، ولكي يستمر حمام الدم الفلسطيني بسلاح أمريكي في الغالب.
لم يكن الموقف العدائي الأمريكي من قضية فلسطين خافيًا على كل فلسطيني، وقد وجه الرئيس عرفات لومًا شديدًا للولايات المتحدة، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ١٣ أغسطس عام ١٩٨٨، في جنيف، قائلًا: "إنه لمن المؤسف استمرار الولايات المتحدة وحدها في دعم ومساعدة المخططات الإسرائيلية العدوانية التوسعية واحتلالها للأراضي الفلسطينية، ومن المؤلم أيضًا رفضها الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم طبقًا لواحد من مبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ولسون، عقب الحرب العالمية الأولى".. لقد أحرقت الولايات المتحدة وإسرائيل غصن الزيتون، ولاتزالان، كلما انتفض الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، ولا يهمهما كم من الدم الفلسطيني يسيل في سبيل الخلاص من الاستعمار الإحلالي. إننا نشهد لأول مرة في التاريخ كيانًا يستعمر شعبًا آخر باسم الدين، الوعد التوراتي، ويعمل على اجتثاثه من أرضه بشتى السبل. الصليبيون كقوة استعمارية احتلوا فلسطين وغيرها، ولكنهم لم يرتكبوا جريمة التطهير العرقي. الشعب الفلسطيني في مقاوماته المشروعة لنيل حقوقه الطبيعية لا يرتكب جرمًا سياسيًا أو حقوقيًا أو إرهابًا، أو يناضل لخلاصه من الاحتلال كوكيل لطرف آخر كما تصور ذلك بدون كلل الدعاية الصهيونية والسياسة الأمريكية. إن كل شعوب الأرض قاومت الاستعمار بما فيها الشعب الأمريكي الذي نال استقلاله بالعنف المسلح، وليس بالتفاوض من مركز الضعف. أمريكا وإسرائيل تصران وعن عمد على أن يبقى شعب فلسطين الاستثناء الوحيد في عالم اليوم، عالم التسامح والديمقراطية وحقوق الإنسان، من ممارسة حقه المقدس في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس العربية. وبعد انتفاضة ٧ أكتوبر المجيدة رغم خسائرها البشرية الكبيرة، أكثر من ٤٥.٠٠٠ شهيد وقرابة ١١٠.٠٠٠ مصاب، معظمهم من النساء والأطفال وتدمير ٩٠%من البنية التحتية والتهجير القسري لأكثر من مرة تحت النار لمليون وتسعمائة ألف فلسطيني داخل غزة توطئة لطردهم إلى سيناء المصرية.
رسالة فلسطينية إلى إسرائيل وأمريكا:
عبر الصحفي الفلسطيني أحمد حمدان عما يعتقده كل فلسطيني وعربي، في رسالة موجزة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، كانتشار النار في الهشيم، تقول الرسالة: "تحملنا في غزة كل شيء من قهر وجوع وألم، إلا شيئًا واحدًا لا تقوى أجسادنا وعقولنا على تحمله، وهو اليأس والاستسلام".
هل تعي أمريكا وإسرائيل هذه الحقيقة بعد مجازرهما المشتركة لخمسة عشر شهرًا في غزة، وتقبلان بحق الشعب الفلسطيني في أرضه وحقه في تقرير مصيره، وأن يسود السلام في المنطقة، لأن لا سلام بدون دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.