رواندا دولة إفريقية كانت حروب الإبادة فيها إلى ما قبل ثلاثين سنة، يشيب لها الرأس، وكانت شوارع مدنها تعاني من جيف القتلى الذين لم يقتصروا على مقاتلي أطراف الحروب الأهلية فيها، والتي كانت بين قبائل "الهوتو" من جهة وقبائل "التوتسي" من جهة أخرى، بل وكما هي عادة الحروب الأهلية بالذات في العالم كله، لا يسلم منها الأبرياء من المدنيين، وضحاياها في الغالب هم الأبرياء، ووقودها عادةً هم السذج الأغبياء!
اليوم رواندا بعد انتهاء الحروب فيها، في تطور مذهل.
رواندا دستورها يحرم العنصرية والطائفية، ويعاقب قانونها الجزائي كل من يتمسك بالعنصرية أو الطائفية، أو يدعو لها بأي شكل من الأشكال.
رواندا بعد أن انتهت فيها الحروب الأهلية، انتقلت من أمة تعيش تحت خط الفقر إلى أمة متوسط الدخل فيها، في تطور وصف بأنه الأسرع في العالم، وأصبحت إحدى أفضل البيئات لتأسيس الشركات الناشئة، وتضاعف حجم الاقتصاد الرواندي 3 مرات خلال 15 عامًا، مع نمو وصل إلى 8% سنويًا.
في رواندا قانون يضمن للموظفين حقهم في الحياة الكريمة، ويقر لهم زيادة سنوية في الرواتب، وفيها يحظى راتب المعلم بالذات بزيادة تفوق الـ80%!
تبهرك رواندا بنظافة شوارعها وميادينها وأحيائها رغم أنك لن تشاهد في الشوارع عمال النظافة، ذلك أن كل مواطن فيها معني بنظافة أمام منزله يوميًا، وقد تم تخصيص يوم في الشهر يقوم فيه كل المواطنين والمسؤولين بمختلف درجاتهم، بتنظيف الشوارع والميادين في العاصمة وكل المدن.
هل بمقدور عبدالملك الحوثي، وقبل فوات الأوان، أن يكون في مصاف العظماء مثل رجل رواندا العظيم بول كاغامي، فيكف عن الحروب، ويدع جانبًا هو وأتباعه العنصرية والسلالية والمذهبية، وتعمد العبث بحياة الناس وتجويعهم، ويكفون عن الجبايات المبالغ فيها، ولا يجعلون الوظيفة العامة حكرًا عليهم وعلى أتباعهم وإقصاء الموظفين الآخرين من وظائفهم ومناصبهم، وحرمان الموظفين من رواتبهم، ويُعنى بالتنمية والتطوير، ويتبنى الديمقراطية الحقيقية، وينظف سجونه ومعتقلاته من المعتقلين السياسيين، ويكف عن معاقبة من يحمل علم الجمهورية اليمنية من أبناء الشعب، ويمكّن الناس من رؤية شخصه في شوارع العاصمة والمحافظات الخاضعة لسيطرته، مرة كل شهر، وهو ومعه كل كبار موظفيه مثل بول كاغامي، يقومون بتنظيف شوارعها وأحيائها وميادينها، كما يفعل رئيس رواندا الإفريقي؟!
بول كاغامي لا يكثر الخطابات وإطلاق الشعارات الرنانة الجوفاء التي لا تسمن شعبه ولا تغنيه من جوع!
بول كاغامي جعل من نفسه أنموذجًا محترمًا يقتدي به الناس، فهو لا يلجأ إلى الاستقواء على شعبه بقوة السلاح وعنف تابعيه، بل ليس له أتباع من أبناء سلالته أو مذهبه أو منطقته، ليجعل منهم مصدر إهانة وترويع للمواطنين!
سجون ومعتقلات رواندا نظيفة من المعتقلين السياسيين كنظافة عقل حاكمها الأول العظيم بول كاغامي، فأحبه الناس، واقتدوا به، وعمل معهم على تطوير بلاده، وارتقى بها إلى مصاف أكثر الدول نموًا ورخاءً واستقرارًا!
ليس ذلك على عبدالملك الحوثي بعسير إن صدق مع الله ومع الوطن، وأحسن نواياه دون مواربة ودون تذاكٍ ممجوج، وسيغفر له التاريخ ما مضى، ويسطر إنجازاته في أروع صفحاته وبأحرف من الحب والإجلال والاحترام، ويضعه في قوائم أفضل أعلام اليمن!
هذا إن فعل..!
ولن يفعل إلا إذا كان فعلًا محبًا لليمن، وولاؤه لليمن يفوق أي ولاء خارجي طائفي مذهبي عنصري!
وكلامنا هذا لا يعني أن نهج بقية الأطراف المتحاربة والمتحكمة في الشأن اليمني في جنوبه وشرقه وغربه ووسطه، على ما يرام، فالعبث فيها غير يسير، وظروف الناس في المحافظات الداخلة تحت سيطرة "الشرعية"بكل أطيافها، لا تسر، وروائح الفساد فيها تفوح نتانتها لتزكم أنوف سكان الكرة الأرضية كلها!
ندع الأمر لله، وستخبرنا وتخبرهم عاجل الأيام بمآلاتهم، وأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن نهاية الطغيان والفساد وخيمة... وخيمة... وخيمة. وما نحن إلا ناصحون محبون لوطننا، ولا نبتغي بنصحنا غير وجه الله ورضاه شيئًا!