(1)
السخرية من المبادرة بالنقاش حول ما جرى ويجري في سوريا بحجة أن السوريين أعلم بشؤونهم، ليست في محلها، لأن التداعيات في أي قطر عربي لها انعكاساتها على الواقع في الخريطة العربية، وهذا ما يجعل القلق تجاه مآلات ما بعد التوافق الدولي على إسقاط نظام بشار الأسد، قلقًا مشروعًا، ولا سيما أن الولايات المتحدة ممثلة بالتصريحات المتكررة على لسان أكثر من مسؤول تبدي رضاها عما جرى، وتكاد أن ترحب وتهلل أكثر من السوريين أنفسهم بالقادمين الجدد إلى سلطة البلد الجريح جرحًا مزدوجًا، الجرح الأول ما خلفه النظام من سجون وقصص مأساوية، والجرح الثاني سلسلة العمليات العسكرية الجوية التي نفذها الكيان الإسرائيلي المحتل ضد كل ما وصلت إليه عيونه وجواسيسه من عتاد عسكري ومراكز أبحاث ومقار تابعة للدولة السورية.
ما ترحب به أمريكا لا خير فيه، وما تجلبه الرغبة في التخلص من الألم بمسكنات مهربة ومغشوشة ستتضح آثارها الجانبية ولو بعد حين.
ليهنأ السوريون بفرحتهم بسقوط النظام، لكن عليهم التساؤل بحذر لماذا لا ينشغل الثوار قليلًا بالسيادة؟ ولماذا لم نسمع جملة اعتراضية واحدة تدين التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، وتدمير سلاح الجو السوري وطائراته الرابضة في أكثر من مطار عسكري؟ وهل كان المطلوب إسقاط النظام فقط، أم إسقاط كل شيء، وتسليم سوريا جديدة خالية من القدرة على التنديد بانتهاك سيادتها ولو لفظيًا؟
(2)
تمزيق صور الدكتاتور وإسقاط التماثيل وتحرير السجناء واغتنام المعسكرات والابتهاج في الميادين العامة، كل هذا شاهدناه على الشاشات في العراق وليبيا واليمن والسودان. التحدي الكبير هو بناء نظام جديد يضمن السلم الأهلي، ويتجاوز الانقسامات والصراعات التي خلفتها الأنظمة السابقة. لأن الدرس الذي تعلمناه يخبرنا أن الأمر لا يقتصر على إسقاط النظام، لأن الأنظمة المتسلطة تخلط بين كيانها وبين الدولة ومؤسساتها، وتصبح الضريبة الواجب دفعها هي العمل على إعادة البناء، والحذر من الفوضى ومن تأجيل ولادة البدائل، لذلك فإن أكبر تحدٍّ للدول التي تقتلع الديكتاتوريات، يتمثل في ترسيخ الاستقرار الداخلي، وعدم إدخال المجتمعات في متاهة جديدة باسم الثورات، والمهمة العاجلة لأي نظام هي حماية حقوق جميع المواطنين.
تأسيس مشهد سياسي تعددي فيه ضمانة مباشرة لمشاركة جميع التيارات في الحياة السياسية وفقًا لقواعد تكفل احترام التنوع، وجعل السلطة ومؤسساتها في خدمة المجتمع، بدلًا من التنكيل به وتجويعه، هذا هو الحل لضمان التحرر النهائي من سلوك الاستبداد، وليس فقط من المستبد القديم. لأن الاستبداد سلوك ونهج وأسلوب إدارة، وليس مجرد أفراد ينتهي بتغييرهم.