صنعاء 19C امطار خفيفة

يا بابا، بوصّلكم، بس وين رحتوا؟

يا بابا، بوصّلكم، بس وين رحتوا؟
لين وألما مهند طه- النداء

بعد الفجر، كان السكون سيد المكان، لكن داخلي كان يضج بصوتين، صوتان اخترقا أذني دون استئذان، وهذا حق لهما. سمعت لين وألما، طفلتيَّ، تتحدثان مع بعضهما بصوت خفيض، كأنهما تخافان أن توقظاني.

 
كانت ألما، الصغيرة، تهمس للين، الأكبر: "نصحي بابا يوصّلنا؟".
وردت لين، بصوت أشد نعومة: "ماشي، بس إنتي صحيه، أنا وياكي مع بعض".
في تلك اللحظة، كنت أسمعهما بوضوح كأنهما تقفان على رأسي، لكن حين فتحت عينيّ، لم أجدهما. كنت أردد: "يا بابا، بوصّلكم، بوصّلكم، بس وين رحتوا؟ تعالوا...".
فهمت بعدها أن ما حدث لم يكن سوى تهيؤات، أن الصوت كان وهمًا، أو ربما طيفًا جاء من مكان بعيد، بعيد جدًا. أدركت أن لين وألما لم تعودا هنا، وأنهما رحلتا. لكن الصوت كان حقيقيًا في داخلي، كما لو أنهما أرادتا أن تزوراني مرة أخيرة.
القلب يعصره الألم يا صغيرتَيّ، لكن الكلمات تظل قاصرة. كيف لروح أبٍ أن تحتمل هذا الفراغ؟ كيف يُطفئ الليل صوتًا كصوتكما، ويتركني وحيدًا؟
أنا هنا يا بابا، بوصّلكم لو كان في العمر بقية. بوصّلكم لو أن الطريق لم يُقطع. بوصّلكم حتى لو كان عليّ أن أعبر كل حدود الزمن.
 
* لين وألما وأنس ابناء مهند طه سكيك، استشهدتا بتاريخ ١٣ نوفمبر ٢٠٢٣، في غزة، إثر استهداف بواسطة جيش الاحتلال خلال عدوانه الوحشي، حيث قام طيران الاحتلال الإسرائيلي بقصف منزل عائلة سكيك في حي الرمال في مدينة غزة دون سابق إنذار أو تحذير، مما أدى إلى استشهادهما.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً